ألا يمكن اختصار الدعوة السلفية لأن الكفار لنا بالمرصاد وعلماؤنا لا يزالون يذكرون الحديث الصحيح والضعيف والسنة والبدعة ؟ حفظ
السائل : إلى متى يا فضيلة الشيخ يجلس العلماء ويقولون هذا حديث صحيح وهذا لا يصح وهذه سنة وهذه بدعة بمعنى أن المنهج السلفي طريقه طويلة وأعداؤ الله لنا بالمرصاد فألا يمكن اختصار هذه الطريق ؟
الشيخ : هذا السؤال باللغة السورية يسلّم على السؤال الأول ، وجوابي على هذا حديث نبوي صحيح كان رسول الله جالسا حين خط على الأرض خطا مستقيما وخط خطوطا على جانبي الخط المستقيم خطوطا قصيرة ثم تلا قول ربنا تبارك وتعالى ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) .
هذا السائل والذي قبله وما أكثرهم في هذا العصر والسبب أنهم تركوا منهج السلف الصالح وأخذوا يتمسكون بإسلام لا مفهوم له في أذهاننا أبداً إنما إسلام لا إله إلا الله ، أمّا ما معنى لا إله إلا الله فلا يعرف كبارهم حقيقة معنى لا إله إلا الله فضلاً عن صغارهم مع الأسف الشديد . ثم مرّ النبي صلى الله عليه و سلم بإصبعه على هذا الخط المستقيم وقرأ الآية الكريمة (( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون )) .
ثم قال ( هذه طرق ) ، الطرق القصيرة على جانبي الطريق المستقيم الطويل، وأنا أقول الطويل من عندي بياناً للرسم النبوي لما سأذكره قريباً ، قال عليه السلام : ( وهذه الطرق - أي قصيرة - وعلى رأيس كل طريق منهاشيطان يدعو إليه ) .
أنا أستطيع أن أقول غير مبالغ إن مثل هذه الدعايات اليوم : ألم نكتف أن نقول حديث صحيح وضعيف وسنة وبدعة وفرقة إلى آخره ، هذه هي الطرق القصيرة هي بذاتها ، لو جاز لي أن أقول إن النبي صلى الله عليه و سلم كان فنانا أي مصوراً بارعاً لقلت ذلك ولكن هو أرفع من أن نشبهه بالفنانين أو المصورين لأنه عليه الصلاة والسلام لما رسم على الأرض خطاً طويلاً وقرأ الآية الكريمة (( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل )) أي الطرق القصيرة ، لقد رسم الخط الذي ينبغي أن يمشي عليه المسلم ألا وهو الخط المستقيم الطويل وخطّ حوله خطوطاً قصيرة التي يجب على المسلم ألا يسلكها وألا يطرقها هذا ما نسمعه اليوم كما سمعتم آنفاً في هذا السؤال إلى متى ونحن نمشي ؟ حسبنا أن نكون ماشين وسالكين على الطريق المستقيم أمّا متى نصل فالأمر بيد الله تبارك وتعالى ، لذلك هم يستطيلون هذا الخط الطويل يجدونه طويلاً ، وهل ربنا عز وجل كلفنا بأكثر من شيئين اثنين : أولاً أن نعلم (( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ )) وثانياً أن نعمل (( كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ )) فإذا سار المسلم في طريق العلم كما قال عليه الصلاة والسلام ( من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة ) مهما طال هذا الطريق فلسنا مكلفين أن نأخذ يميناً ويساراً ونسلك الطرق القصيرة بزعم أن هذه الطرق القصيرة هي التي ستؤدي بهم إلى تحقيق الإسلام ، ساء ما يظنون ساء ما يقولون ، إن الإسلام كما قال عليه الصلاة والسلام : ( حفت الجنة بالمكاره ، و حفت النار بالشهوات ) فاستطالة بعض الناس اليوم هذه الدعوة التي ندعو إلى الكتاب والسنة ونحذر من البدعة ، ماذا يعنون أن تعبد الله كيفما شئت أو كيفما جهلت أم يجب أن تعلم كما قال تعالى (( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ )) ثم أن تعمل بما علمك الله ؟ الحقيقة أن مثل هذا الأسئلة وحدها نذير شر لهؤلاء الذين بعد لم يفقهوا أن واجبهم التعلم للإسلام والعمل بالإسلام مهما طال الطريق ، ويعجبني بهذه المناسبة كما ذكرت في بعض الجلسات السابقة قول أحد الشعراء الجاهلية قال كلمة ينبغي أن يأخذ منها المسلمون اليوم عبرة حيث قال :
" بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه *** وأيقن بأنّا لا حقين بقيصرا
فقلت له لا تبك عينك إنما *** نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا " .
هذا رجل جاهلي يواسي أخاه ويقول لا تبك عينك إنما نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا .
فنحن نحاول أن نمشي على الطريق الذي أمرنا الله عز وجل ثم استطعنا أن نحقق الدولة الإسلامية فبها ونعمت وذلك فضل من الله وهو القائل (( إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ )) وإن لم نستطع أن نصل إلى ذلك فحسبنا أننا قد أعذرنا وقدّمنا ما عندنا من استطاعة ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، فإذن نحن علينا أن نمشي على الطريق .
ومن عجبا أن هذه الآية التي يعلمها كل الناس عامتهم كخاصتهم (( إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ )) هذه الآية وحدها لو وقفوا عندها لما تورّطوا بتوجيه مثل هذه الأسئلة ما معنى (( إن تنصروا الله ينصركم )) ؟ يعني تجهزوا جيشا تدافعوا به عن رب العالمين ؟؟ طبعاً لا أحد يقول بهذا الجهل ، وإنما إن تنصروا الله أي إن أخذتم بشريعة الله وطبقتموها نصركم الله عز وجل على أعدائكم .
نحن الآن نسمع أصواتاً عالية وفيها الحماس الذي يعميهم عن الأصل وهو الدعوة للجهاد ، ولا أحد من المسلمين ينكر فرضية الجهاد وبخاصة الجهاد في أفغانستان ولكن من الذين خوطبوا بقوله تعالى (( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ )) أعدوا لهم أنتم أيها المسلمون المختلفون في أسمى عقيدة وهي الله تبارك وتعالى ، لا تزالون مختلفين وبين أيديكم كتاب الله وسنة رسول الله ومنهج السلف الصالح .
هؤلاء لن يستطيعوا أن يجاهدوا أنا أقولها بصراحة ما زال المسلمون مختلفين هكذا حتى لا يعبؤون أن ينصروا الله بالعلم النافع والعمل الصالح فسوف لا ينصرهم الله لأن الله عز وجل لا يخلف وعده (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ))، والحديث في هذا المجال كبير وكثير وكثير جداً ، حديث واحد الآن أذكره لكم ، كيف ينتصر المسلمون وهم قد صدق فيهم ما جاء في هذا الحديث من النبأ ( إذا تبايعتم بالعينة ، و أخذتم أذناب البقر و رضيتم بالزرع و تركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ) هذا السائل والذي قبله لا يريدنا أن نرجع إلى الدين الذي هو العلاج، لقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح مرض المسلمين في بعض نواحيه وقدّم العلاج النّاصع القاطع لهذا المرض الوبيل ، أما المرض فقد ذكر بعض أنواعه الخطيرة فقال صلى الله عليه وسلم ( إذا تبايعتم بالعينة ، و أخذتم أذناب البقر و رضيتم بالزرع و تركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم ) .
كل فقرة من هذه الفقرات الأربع أو كل علة من هذه العلل الأربع تحتاج إلى وقفة ووقفة طويلة لكن حسبي الآن العلة الأولى وهي ( إذا تبايعتم بالعينة ) .
العينة اليوم قد عمّت وطمّت البلاد الإسلامية ومع ذلك يريدون الجهاد . أتعرفون ما هي العينة ؟
العينة مشتقة من عين الشيء ذات الشيء وهو أن يباع الشيء وهو في أرضه بثمنين اثنين ثمن الأقل وثمن الأكثر ... ، وهو أن يأتي الرجل إلى تاجر سيارات مثلا يريد أن يحظى بخمسين ألف ريال وبسبب التفكك الموجود اليوم بين أفراد المسلمين الذين ترفع أصوات بعض الناس الدعاة المتحمسين يأمرونهم بالجهاد في سبيل الله وهم متفتّتون متفرقون أشد التّفرق . يريد أحدهم أن يستقرض خمسين ألف ريال فلا يجد من يقرضه قرضاً حسناً لله عز وجل ، فماذا يفعل ؟ يحتال ، ومع من يحتال ؟ مع المحتال فيأتي إلى التاجر الكبير فيقول أنا أريد أن أشتري هذه السيارة كم ثمنها بالتقسيط يقول له خمسين ألف فيقول اشتريت لكن أنا أريد أن أبيعك إيّاها نقداً بكم فيشتريها منه بأربعين بخمسة وثلاثين مش مهم الموضوع ألف مثلاً فيأخذ الأربعين ألف مقابل ماذا ؟ مقابل خمسين ألف وهذا هو بيع العينة .
ثم يحتال بعض الناس فيُدخلون وسيطاً في الموضوع يأتي إلى تاجر كبير ليس عنده السيارة التي يريدها وعنده أموال كثيرة يطلب منه خمسين ألف ريال قرض لله يقول اذهب واشتري هذه السيارة وأنا أدفعها لك ثمناً فيذهب ويشتري السيارة بخمسين ألف ريال وتسجل عليه خمسين ألف والتاجر الغني يدفع أربعين ألف لتاجر السيارات فيسجل عليه خمسين ألفا .
كل هذا احتيال على أكل ما حرّم الله من الربا .
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث علة من العلل التي أصيب بها المسلمون اليوم ، أما بقية العلل فهي واضحة لديكم لكن العينة هذه لا يزال كثير من العلماء يفتون بجوازها والرسول يقول ( إذا تبايعتم بالعينة ، و أخذتم أذناب البقر و رضيتم بالزرع و تركتم الجهاد في سبيل الله ) هذه العلل الثلاثة الأخرى واضحة لديكم فإذا ضُمّت إليها العلة الأخرى ماذا تكون العاقبة لهؤلاء الناس الذين يعرضون عن تطبيق الأحكام الشرعية منها عدم التكالب على الدنيا وعدم استحلال ما حرّم الله بأدنى الحيل ومنها ترك الجهاد في سبيل الله فالعقوبة في الدنيا قبل الآخرة ( سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ) الدواء العلاج الرجوع إلى الدين .
يجب أن نقف قليلاً عند هذا العلاج النبوي ألا وهو الرجوع إلى الدين !
فنقول لهؤلاء السائلين هدانا الله وإيّاهم أي دين أمرنا رسول الله أن نرجع إليه ؟ لا شك هو ما قاله تبارك وتعالى في القرآن الكريم (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلَامُ )) ، ولكن يأتي هنا سؤال : الإسلام اليوم له مفاهيم وقد عرف هؤلاء السائلون هذا الاختلاف الموجود اليوم ولكنهم ضاقوا ذرعاً بسبب جهلهم وقلة صبرهم ضاقوا ذرعاً بهذا الإختلاف ألا يمكن تأجيل الخلاف وأن نقابل أعداء الله ؟ لا يمكن لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال إذا فعلتم كذا وكذا سلط الله عليكم الذل حتى ترجعوا إلى دينكم ، فالآن الرجوع إلى الدين وهو الإسلام هو العلاج ، بأي مفهوم الآن نرجع أبمفهوم السلف أم الخلف ، فهذه خطة لا بد من الدخول فيها ، أبمفهوم المعتزلة أم الماتريدية أم الأشاعرة أم الشيعة أم الرافضة ، هذه حقائق موجودة لا نستطيع أن نقول كما يقال عن النعامة أنها من بلاهتها وغفلتها أنها إذا رأت الصائد أدخلت رأسها في الرمال فإنها تزعم أنها مادامت هي لا ترى الصياد فالصياد لا يراها ، هذا مثل والله أعلم بحقيقة هذا الحيوان لكن المهم مثل فلا يصح لنا أن نتغافل عن هذا الواقع المؤلم ، فماذا يفعل هذا المريض مريض إذا تبايعتم بالعينة ... إلى آخر الحديث ، هذا معناه أن الأمة المسلمة المريضة ، فما هو العلاج ؟ الرجوع إلى الدين ، بأي مفهوم ؟ لذلك نحن ندندن ونحيا على هذه الدعوة ونموت عليها لا نرضى بها بديلاً أبداً كتاب الله وسنة نبيه وعلى منهج السلف الصالح .
أخيراً أقول قال عليه الصلاة والسلام ( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما : كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض ) . ولعل في هذا القدر ذكرى لهذين السائلين هدانا الله وإياهم سواء السبيل .
الشيخ : هذا السؤال باللغة السورية يسلّم على السؤال الأول ، وجوابي على هذا حديث نبوي صحيح كان رسول الله جالسا حين خط على الأرض خطا مستقيما وخط خطوطا على جانبي الخط المستقيم خطوطا قصيرة ثم تلا قول ربنا تبارك وتعالى ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) .
هذا السائل والذي قبله وما أكثرهم في هذا العصر والسبب أنهم تركوا منهج السلف الصالح وأخذوا يتمسكون بإسلام لا مفهوم له في أذهاننا أبداً إنما إسلام لا إله إلا الله ، أمّا ما معنى لا إله إلا الله فلا يعرف كبارهم حقيقة معنى لا إله إلا الله فضلاً عن صغارهم مع الأسف الشديد . ثم مرّ النبي صلى الله عليه و سلم بإصبعه على هذا الخط المستقيم وقرأ الآية الكريمة (( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون )) .
ثم قال ( هذه طرق ) ، الطرق القصيرة على جانبي الطريق المستقيم الطويل، وأنا أقول الطويل من عندي بياناً للرسم النبوي لما سأذكره قريباً ، قال عليه السلام : ( وهذه الطرق - أي قصيرة - وعلى رأيس كل طريق منهاشيطان يدعو إليه ) .
أنا أستطيع أن أقول غير مبالغ إن مثل هذه الدعايات اليوم : ألم نكتف أن نقول حديث صحيح وضعيف وسنة وبدعة وفرقة إلى آخره ، هذه هي الطرق القصيرة هي بذاتها ، لو جاز لي أن أقول إن النبي صلى الله عليه و سلم كان فنانا أي مصوراً بارعاً لقلت ذلك ولكن هو أرفع من أن نشبهه بالفنانين أو المصورين لأنه عليه الصلاة والسلام لما رسم على الأرض خطاً طويلاً وقرأ الآية الكريمة (( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل )) أي الطرق القصيرة ، لقد رسم الخط الذي ينبغي أن يمشي عليه المسلم ألا وهو الخط المستقيم الطويل وخطّ حوله خطوطاً قصيرة التي يجب على المسلم ألا يسلكها وألا يطرقها هذا ما نسمعه اليوم كما سمعتم آنفاً في هذا السؤال إلى متى ونحن نمشي ؟ حسبنا أن نكون ماشين وسالكين على الطريق المستقيم أمّا متى نصل فالأمر بيد الله تبارك وتعالى ، لذلك هم يستطيلون هذا الخط الطويل يجدونه طويلاً ، وهل ربنا عز وجل كلفنا بأكثر من شيئين اثنين : أولاً أن نعلم (( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ )) وثانياً أن نعمل (( كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ )) فإذا سار المسلم في طريق العلم كما قال عليه الصلاة والسلام ( من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة ) مهما طال هذا الطريق فلسنا مكلفين أن نأخذ يميناً ويساراً ونسلك الطرق القصيرة بزعم أن هذه الطرق القصيرة هي التي ستؤدي بهم إلى تحقيق الإسلام ، ساء ما يظنون ساء ما يقولون ، إن الإسلام كما قال عليه الصلاة والسلام : ( حفت الجنة بالمكاره ، و حفت النار بالشهوات ) فاستطالة بعض الناس اليوم هذه الدعوة التي ندعو إلى الكتاب والسنة ونحذر من البدعة ، ماذا يعنون أن تعبد الله كيفما شئت أو كيفما جهلت أم يجب أن تعلم كما قال تعالى (( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ )) ثم أن تعمل بما علمك الله ؟ الحقيقة أن مثل هذا الأسئلة وحدها نذير شر لهؤلاء الذين بعد لم يفقهوا أن واجبهم التعلم للإسلام والعمل بالإسلام مهما طال الطريق ، ويعجبني بهذه المناسبة كما ذكرت في بعض الجلسات السابقة قول أحد الشعراء الجاهلية قال كلمة ينبغي أن يأخذ منها المسلمون اليوم عبرة حيث قال :
" بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه *** وأيقن بأنّا لا حقين بقيصرا
فقلت له لا تبك عينك إنما *** نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا " .
هذا رجل جاهلي يواسي أخاه ويقول لا تبك عينك إنما نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا .
فنحن نحاول أن نمشي على الطريق الذي أمرنا الله عز وجل ثم استطعنا أن نحقق الدولة الإسلامية فبها ونعمت وذلك فضل من الله وهو القائل (( إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ )) وإن لم نستطع أن نصل إلى ذلك فحسبنا أننا قد أعذرنا وقدّمنا ما عندنا من استطاعة ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، فإذن نحن علينا أن نمشي على الطريق .
ومن عجبا أن هذه الآية التي يعلمها كل الناس عامتهم كخاصتهم (( إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ )) هذه الآية وحدها لو وقفوا عندها لما تورّطوا بتوجيه مثل هذه الأسئلة ما معنى (( إن تنصروا الله ينصركم )) ؟ يعني تجهزوا جيشا تدافعوا به عن رب العالمين ؟؟ طبعاً لا أحد يقول بهذا الجهل ، وإنما إن تنصروا الله أي إن أخذتم بشريعة الله وطبقتموها نصركم الله عز وجل على أعدائكم .
نحن الآن نسمع أصواتاً عالية وفيها الحماس الذي يعميهم عن الأصل وهو الدعوة للجهاد ، ولا أحد من المسلمين ينكر فرضية الجهاد وبخاصة الجهاد في أفغانستان ولكن من الذين خوطبوا بقوله تعالى (( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ )) أعدوا لهم أنتم أيها المسلمون المختلفون في أسمى عقيدة وهي الله تبارك وتعالى ، لا تزالون مختلفين وبين أيديكم كتاب الله وسنة رسول الله ومنهج السلف الصالح .
هؤلاء لن يستطيعوا أن يجاهدوا أنا أقولها بصراحة ما زال المسلمون مختلفين هكذا حتى لا يعبؤون أن ينصروا الله بالعلم النافع والعمل الصالح فسوف لا ينصرهم الله لأن الله عز وجل لا يخلف وعده (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ))، والحديث في هذا المجال كبير وكثير وكثير جداً ، حديث واحد الآن أذكره لكم ، كيف ينتصر المسلمون وهم قد صدق فيهم ما جاء في هذا الحديث من النبأ ( إذا تبايعتم بالعينة ، و أخذتم أذناب البقر و رضيتم بالزرع و تركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ) هذا السائل والذي قبله لا يريدنا أن نرجع إلى الدين الذي هو العلاج، لقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح مرض المسلمين في بعض نواحيه وقدّم العلاج النّاصع القاطع لهذا المرض الوبيل ، أما المرض فقد ذكر بعض أنواعه الخطيرة فقال صلى الله عليه وسلم ( إذا تبايعتم بالعينة ، و أخذتم أذناب البقر و رضيتم بالزرع و تركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم ) .
كل فقرة من هذه الفقرات الأربع أو كل علة من هذه العلل الأربع تحتاج إلى وقفة ووقفة طويلة لكن حسبي الآن العلة الأولى وهي ( إذا تبايعتم بالعينة ) .
العينة اليوم قد عمّت وطمّت البلاد الإسلامية ومع ذلك يريدون الجهاد . أتعرفون ما هي العينة ؟
العينة مشتقة من عين الشيء ذات الشيء وهو أن يباع الشيء وهو في أرضه بثمنين اثنين ثمن الأقل وثمن الأكثر ... ، وهو أن يأتي الرجل إلى تاجر سيارات مثلا يريد أن يحظى بخمسين ألف ريال وبسبب التفكك الموجود اليوم بين أفراد المسلمين الذين ترفع أصوات بعض الناس الدعاة المتحمسين يأمرونهم بالجهاد في سبيل الله وهم متفتّتون متفرقون أشد التّفرق . يريد أحدهم أن يستقرض خمسين ألف ريال فلا يجد من يقرضه قرضاً حسناً لله عز وجل ، فماذا يفعل ؟ يحتال ، ومع من يحتال ؟ مع المحتال فيأتي إلى التاجر الكبير فيقول أنا أريد أن أشتري هذه السيارة كم ثمنها بالتقسيط يقول له خمسين ألف فيقول اشتريت لكن أنا أريد أن أبيعك إيّاها نقداً بكم فيشتريها منه بأربعين بخمسة وثلاثين مش مهم الموضوع ألف مثلاً فيأخذ الأربعين ألف مقابل ماذا ؟ مقابل خمسين ألف وهذا هو بيع العينة .
ثم يحتال بعض الناس فيُدخلون وسيطاً في الموضوع يأتي إلى تاجر كبير ليس عنده السيارة التي يريدها وعنده أموال كثيرة يطلب منه خمسين ألف ريال قرض لله يقول اذهب واشتري هذه السيارة وأنا أدفعها لك ثمناً فيذهب ويشتري السيارة بخمسين ألف ريال وتسجل عليه خمسين ألف والتاجر الغني يدفع أربعين ألف لتاجر السيارات فيسجل عليه خمسين ألفا .
كل هذا احتيال على أكل ما حرّم الله من الربا .
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث علة من العلل التي أصيب بها المسلمون اليوم ، أما بقية العلل فهي واضحة لديكم لكن العينة هذه لا يزال كثير من العلماء يفتون بجوازها والرسول يقول ( إذا تبايعتم بالعينة ، و أخذتم أذناب البقر و رضيتم بالزرع و تركتم الجهاد في سبيل الله ) هذه العلل الثلاثة الأخرى واضحة لديكم فإذا ضُمّت إليها العلة الأخرى ماذا تكون العاقبة لهؤلاء الناس الذين يعرضون عن تطبيق الأحكام الشرعية منها عدم التكالب على الدنيا وعدم استحلال ما حرّم الله بأدنى الحيل ومنها ترك الجهاد في سبيل الله فالعقوبة في الدنيا قبل الآخرة ( سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ) الدواء العلاج الرجوع إلى الدين .
يجب أن نقف قليلاً عند هذا العلاج النبوي ألا وهو الرجوع إلى الدين !
فنقول لهؤلاء السائلين هدانا الله وإيّاهم أي دين أمرنا رسول الله أن نرجع إليه ؟ لا شك هو ما قاله تبارك وتعالى في القرآن الكريم (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلَامُ )) ، ولكن يأتي هنا سؤال : الإسلام اليوم له مفاهيم وقد عرف هؤلاء السائلون هذا الاختلاف الموجود اليوم ولكنهم ضاقوا ذرعاً بسبب جهلهم وقلة صبرهم ضاقوا ذرعاً بهذا الإختلاف ألا يمكن تأجيل الخلاف وأن نقابل أعداء الله ؟ لا يمكن لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال إذا فعلتم كذا وكذا سلط الله عليكم الذل حتى ترجعوا إلى دينكم ، فالآن الرجوع إلى الدين وهو الإسلام هو العلاج ، بأي مفهوم الآن نرجع أبمفهوم السلف أم الخلف ، فهذه خطة لا بد من الدخول فيها ، أبمفهوم المعتزلة أم الماتريدية أم الأشاعرة أم الشيعة أم الرافضة ، هذه حقائق موجودة لا نستطيع أن نقول كما يقال عن النعامة أنها من بلاهتها وغفلتها أنها إذا رأت الصائد أدخلت رأسها في الرمال فإنها تزعم أنها مادامت هي لا ترى الصياد فالصياد لا يراها ، هذا مثل والله أعلم بحقيقة هذا الحيوان لكن المهم مثل فلا يصح لنا أن نتغافل عن هذا الواقع المؤلم ، فماذا يفعل هذا المريض مريض إذا تبايعتم بالعينة ... إلى آخر الحديث ، هذا معناه أن الأمة المسلمة المريضة ، فما هو العلاج ؟ الرجوع إلى الدين ، بأي مفهوم ؟ لذلك نحن ندندن ونحيا على هذه الدعوة ونموت عليها لا نرضى بها بديلاً أبداً كتاب الله وسنة نبيه وعلى منهج السلف الصالح .
أخيراً أقول قال عليه الصلاة والسلام ( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما : كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض ) . ولعل في هذا القدر ذكرى لهذين السائلين هدانا الله وإياهم سواء السبيل .