تتمة الكلام على كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم مع التنبيه على بعض الأخطاء ومناقشة بعض السنن المختلف فيها كالبسملة . حفظ
الشيخ : الله عز وجل يقول (( فذكِّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين )) فالبسملة إذًا يقرؤها الإمام سرًا أما الفاتحة فلابد من قراءتها جهرًا اتباعًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والسنة في قراءة البسملة وآيات الفاتحة أن يُقطّعها آية أية كما ثبت ذلك عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ القرآن قطّعه آية آية ثم قرأ (( بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم )) فلابد أن يقف على رأس الآي يأخذ نَفسًا ليطمئن في قراءته ولا يضطرب ولا يستعجل فإن الإستعجال في القراءة ينافي الأمر الوارد في القرآن ألا وهو قوله تعالى (( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها )) ثم يُسن بعد الفاتحة أن يختمها بقوله آمين لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك بعد الفاتحة وأمر من خلفه أن يقولوها يقولوها إذا قال الإمام فقال عليه السلام ( إذا أمّن الإمام فأمِّنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر الله له ما تقدّم من ذنبه ) وإذا كانت الصلاة جهرية فقد ثبت في السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يجهر بـ " أمين " ولم يدخ ذلك في حق المقتدين وهذا المذهب كما يبدو لي هو أعدل المذاهب وأقربها إلى السنة لأن بعض المذاهب تذهب إلى أنه لا يقول آمين الإمام إطلاقًا ولا المقتدون وبعضها تذهب إلى أن الإمام يقول ذلك سرًا والمقتدون كذلك بالتالي سرًا ومذهب الإمام الشافعي الذي عليه أصحابه اليوم إلى أن الإمام والمأمومين جميعًا يجهرون بـ " أمين " ولكن مذهب الإمام الشافعي نفسه الجديد الذي صرّح به في كتابه الأم هو أن الإمام يجهر بالتأمين خلافًا للمقتدين. هذا المذهب هو الذي تدل عليه السنة الصحيحة، لأنه ثبت جهره عليه السلام بالتأمين ولم يثبت جهر المقتدين خلفه بالتأمين فإذا فرغ من قراءة الفاتحة مع التأمين سُن في حق كل مصلٍ أن يقرأ بعد الفاتحة ما تيسر له من القرآن وخاصة ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وذلك يختلف باختلاف الصلوات كما هو مفصّل في أمهات الكتب الفقهية والحديثية وبصورة خاصة في كتابي " صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها " فمن شاء التوسع فعليه بهذا الكتاب أو غيرها وبعد أن يفرغ الإمام من قراءة القرآن كله في الركعة يُكبّر راكعًا رافعًا يديه كما رفع يديه في التكبيرة تكبيرة الإحرام ورفع اليدين هنا ثابتٌ بالتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك عند رفع الرأس من الركوع ولم يأتِ حديثٌ صحيح يوجب ترك الرفع في هذين الموطنين، ولذلك أقول إن بقاء الإختلاف في سنية الرفع في هذين الموطنين ... إلا تعصب الناس لمذاهبهم وإلا كيف يسوغ للمسلم بعد أن يعلم ثبوت الرفع في هذين المكانين في أكثر من عشرين حديثًا عن أكثر من عشرين صاحبيًا كلهم صرّحوا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه عند الركوع والرفع منه فكيف يجوز له أن يدع الرفع في هذين المحلين لا لشيء إلا لأنه ورد عن عبد الله بن مسعود أنه قال لأصحابه: أنا أصلي لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع يديه عند تكبيرة الإحرام ثم لم يعد هذا الحديث هو كل ... الذين ينفون سنية رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه، وهذا من عجائب الإصرار على مخالفة السنة فإن هؤلاء النفاة هم مع العلماء كلهم الذين قرروا تلك القاعدة الأصولية التي تقول المثبت مقدّم على النافي إذا جاء خبران صحيحان أحدهما يثبت أمرًا والآخر ينفيه فالمثبت مقدّم على النافي. وجاء الإمام البخاري على ذلك بمَثَل معروف في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وذلك حينما حجّ حجة الوداع فقد إختلف الصحابة هل صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوف الكعبة أم لا فجاء الخبر صحيحًا من رواية بلال ومن نقل عبد الله بن عمر عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة وصلى بين العمودين ثم جاء خبرٌ آخر عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل الكعبة ولم يصل في جوفها وإنما صلى خارجًا منها مستقبلًا لها فهذا خبر ابن عباس ينفي وخبر بلال يُثبت فبأي الخبرين أخذ أهل العلم أخذوا بخبر بلال المثبت ذلك لأن المثبت مقدّم على النافي عندهم جميعًا وما ذلك لأن المثبت أحاط بعلمٍ لم يحط به ذلك النافي، ولهذا اتفقوا على هذه الجملة "المثبت مقدّم على النافي" لو افترضنا أن ابن مسعودٍ لم يخالفه إلا فردٌ واحد من الصحابة هذا الفرد أثبت الرفع عند الركوع، أما ابن مسعود فنفى فينبغي أن يقال بناءًا على ما سبق من القاعدة "المثبت مقدّم على النافي" فكيف وقد إتفق أكثر من عشرين صاحبيًا على إثبات الرفع هذا عند الركوع والرفع منه خلافًا لما نفى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. ذلك كان من الواجب على المسلم أن يُثبت هذه السنة وأن يعمل بها ما استطاع إلى ذلك سبيلًا تحقيقًا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم السابق ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) فقد علمنا من إخبار هؤلاء الصحابة الأجلاء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه فينبغي إذا صلينا أن نرفع أيدينا جميعًا وبذلك نقضي على ظاهرة من ظواهر الخلاف التي تشاهد بين المسلمين بعضهم لا يرفع وبعضهم يرفع في الركوع نعلم أن السنة الإطمئنان في الركوع بنحو ... ثلاثة وكلما أكثر وأطال الركوع كان أفضل إلا أن يكون إمامًا فهو مُلزمٌ حينذاك بأن لا يطيل أكثر من إطالة النبي صلى الله عليه وسلم ولكن أيضًا لا ينبغي له أن يُخفف الصلاة تخفيفًا يُخل بالإطمئنان الذي هو ركنٌ من أركان الصلاة لقوله عليه الصلاة والسلام ( لا صلاة لرجل لا يقيم صُلبه بين ركوعه وسجوده ) هذا نصٌ صحيحٌ صريحٌ في نفي صلاة من لا يطمئن في الركوع والسجود ونفي الصلاة يعني بطلانها فإذا كان يصلي إمامًا فلابد من الاطمئنان بنحو تسبيحتين أو ثلاثة، أما إذا صلى وحده فعليه أن يطيل ما شاء، لكن كما قلنا ونكرر التنبيه على ما قلنا لا ينبغي نخفف مراعاة للناس، لأن مراعاة الناس للتخفيف لا حدود لها وإلى هذه الحقيقة أشار عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما حينما قال ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمنا في صلاة الفجر بالصافات صفًا وإن كان لا يُخفف عنا ) أو كما يقال كان يؤمهم. لآن تذكرت لفظ الحديث قال ابن عمر ( إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأمرنا بالتخفيف وإن كان ليؤمنا في صلاة الفجر بالصافات صفا) كأنه يشير إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يأمر بالتخفيف ما كان ليخالف فعله قوله، ولذلك فهو يشير إلى أن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لسورة الصافات في صلاة الفجر لا ينافي التخفيف لذلك لا ينبغي أن نحمل قوله عليه السلام ( إن منكم لمنفّرين إذا أمّ أحدكم فليخفف فإن وراءه الكبير والصغير والمريض وذا الحاجة ) لا ينبغي أن نُفسِّر هذا الحديث بالتخفيف الغير مطلوب غير مقيّد بالسنة بالكتاب والسنة وإلا عاد الأمر فوضى وربما يأتي زمان يطلب المتقدون من الإمام أن يقرأ بهم فقط بفاتحة الكتاب ويحتج بمثل هذه الأحاديث، الحجة عليه حينئذٍ هو السنة ( فإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأمرنا بالتخفيف وإن كان ليؤمنا بالصفات صفًا ) ولذلك رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما أنكر على معاذ بن جبلٍ إطالته الصلاة حتى خرج من صلاة ذلك الرجل صاحب النواضح أمره عليه السلام أن يقرأ بعد الفاتحة بالشمس وضحاها ونحو ذلك في صلاة العشاء ولم يأمره بأن يقتصر فقط على الفاتحة مع العلم أن الإقتصار عليها يجزي في الصلاة لأنها هي الركن أما القراءة بعدها فهي سنة الخلاصة أنه بعد أن يقرأ الإمام ما تيسر له من القرآن يُكبّر رافعًا يديه ثم يُسبّح على الأقل ثلاثة تسبيحات تحقيقًا للإطمئنان فلا يُخفف أكثر من ذلك مراعاة للمقتدين خلفه ثم يرفع يديه أيضًا مُكبرًا، يرفع يديه مكبّرًا كما ذكرنا ويتابع الصلاة على النحو المذكور في مطولات الكتب فهذا الحديث الذي يرويه لنا وائل بن حجر نأخذ منه أمرين إثنين أحدهما بمنطوق الحديث والآخر بفحواه ومضمونه أما منطوقة فهو أن الرسول عليه السلام جهر بآمين فهذه السنة أن يجهر الإمام بـآمين وأما ما يُفهم من فحوى الحديث هو أن المقتدين لا يجهرون بـآمين لأنه لو كان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لو كانوا يجهرون مع النبي صلى الله عليه وسلم حين جهره لما إقتصر وائلٌ على إخبارنا بجهر النبي صلى الله عليه وسلم فقط، بل ولقال جهر هو وأصحابه كما جاء في حديث أبي هريرة في سنن ابن ماجة من أنه قال أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قال آمين رفع بها صوته ورفع بها من خلفه أصواتهم حتى أن للمسجد للجّة فلو كان هذا الحديث الذي رواه ابن ماجة عن أبي هريرة إسناده ضعيفٌ لا تقوم به حجة فلو كان وائل بن حُجر سمع أيضًا أصحاب النبي يرفعون أصواتهم بآمين كما سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فالمقتضى بحسن الظن به من حيث النقل أولًا ومن حيث حسن حفظه ثانيًا مقتدين بأمين كالإمام بناءًا على عموم قوله عليه السلام ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) فذكر بعض الإخوان والأساتذة هنا أنه مادام هناك نص عام ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) ومادام أننا أثبتنا أن الرسول عليه السلام كان يجهر بـآمين، فإذًا علينا نحن في حالة الاقتداء به أن نجهر بآمين فكان الجواب أن جهر المقتدين بـآمين لم يكن واقعًا من الصحابة الذين كانوا يصلون وراء النبي بدليل أن وائل بن حُجر إنما روى لنا: جهر النبي صلى الله عليه وسلم بآمين ولم يرو لنا جهر أتباعه من بعده من خلفه بـآمين. فدل على أن هناك فرقًا بين الإمام فيجهر بـآمين وبين المقتدين فلا يجهرون بها غيرو