معنى قول السلف في الصفات: أمروها كما جاءت. والرد على المعتزلة والأشاعرة والماتردية في تعطيلهم للصفات أو بعضها. حفظ
الشيخ : والسلف كما قلنا ما خرجوا عن هذه القاعدة إنهم فسروا القرآن على ما يفهمه كل عربي وهذا هو المقصود في بعض العبارات التي تنقل عن بعض السلف كسفيان بن عيينه وغيره حينما يقولون أمروها كما جاءت، لا يعنون أمروها كما جاءت بدون فهم وإنما أمروها كما جاءت بدون تأويل لأن المعنى فيها واضح كما ضربنا مثلاً آنفًا بصفة السمع والبصر، فلا ينبغي أن نقف ها هنا ونتأول كما فعل بعض غلاة المعتزلة. قد لا يعلم بعض هؤلاء المتأخرين ممن خرجوا عن السلف وعن الخلف في وقوفهم أمام الجهل المطبق تجاه آيات الله وأحاديث رسول الله المتعلقة بالصفات قد لا يعلم هؤلاء أن بعض المعتزلة فسروا الآية السابقة (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ))، قالوا السميع البصير يعني العليم، وهذا المثال يوضح لإخواننا الحاضرين ما معنى كلمة تعطيل الصفات أي إنكارها ولا يكون إنكارها بطبيعة الحال إلا بطريق التعطيل ممن ينتمي للإسلام وهو التأويل فلما قالت المعتزلة وهو السميع البصير أي العلم فقد وضح لكل من كان عنده علم أن هذا إنكار لصفة السمع والبصر. ولماذا أنكروا المعتزلة هاتين الصفتين؟ للسبب الذي ينكره المتأولة بكثيرٍ من آيات الصفات كالإستواء واليد ونحو ذلك مما أشرنا إليه آنفًا، قالت المعتزلة إذا قلنا بأن لله سمعًا فقد شبهناه بنا وإذا قلنا بأن الله بصرًا فقد شبهناه بنا، ولذلك نحن نقول يعني المعتزلة أن الله لا يوصف بأنه سميع وبأنه بصير وإنما المقصود من هذه الآية في هاتين الصفتين أنه عليم، ما الذي إستفاده المعتزلة بهذا التأويل هو نفسه الذي إستفاده المتأولة بتأويلهم الكثيرة وهو في الحقيقة لا شيء لذلك لأنهم حين قالوا السميع البصير أي العليم، فنحن اليوم نقول فلان عليم والله عز وجل حكى عن يوسف عليه السلام حين قال لعزيز مصر (( قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ )) فما الذي إستفاده المعتزلة من هذا التأويل لتلك الآية المباركة (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ))، حينما قالوا لا سمع ولا بصر وإنما المعنى العليم ما إستفادوا شيئًا لأن هذه الصفة أيضًا مما يوصف به المخلوق. إذًا ما المخرج؟ المخرج هو التزام النص القرآني بتنزيهه وإثباته (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ))، هذا هو التنزيه (( وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ))، فنقول هو سميع لكن سمعه ليس كسمعنا، البصير بصره ليس كبصرنا، علمه ليس كعملنا ويكفي أن نقول إنه هو الخالق لهذه المخلوقات بما فيها من سمع وبصر كما قال (( فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا )) لكن كل أحد يعمل أن سمع هذا المخلوق الأول وهو آدم عليه الصلاة والسلام الذي وصفه الله نفسه بأنه جعله سمعيًا بصيرًا كلنا نعلم أن سمعه وبصره محدث وأن المحدث كله لا شبه الخالق سبحانه وتعالى ولذلك فالحق الذي يجب على المسلم أن يؤمن به أولًا ويستريح به من فتنة التشبيه والتعطيل الذي وقع فيه المعتزلة قديمًا ثم تبعه بعض من ينتمي إلى السنة من الأشاعرة والماترويدية هو الجمع بني التنزيه وبين الإثبات، لأنه لا مفر لأي شخصٍ أو أي طائفةٍ من أن تثبت لله عز وجل ولو بعض الصفات، ومهما أثبت لله عز وجل من صفة فسيجد هذه الصفة موجود في خلق من خلق الله تبارك وتعالى، فنحن نقول دبر كل صلاة مثلاً آية الكرسي الحي القيوم، وها نحن الآن أحياء هل إذا كنا نحن أحياء معنى ذلك أننا شبهنا أنفسنا في صفة الحياة بحياة الله عز وجل وهي أزلية لا أول لها ولا خالق لها بل هو كائن حيث لا شيء كما جاء في الأحاديث الصحيحة لا أحد يخطر في باله أبدًا مثل هذه الشبهة إلا على طريقة هؤلاء المعطلة التي أدت بهم إلى أن ينكروا حقائق واقعية بسبب إنحرافهم عن الشريعة الإسلامية الكتاب والسنة وبالأحرى انحرافهم عن منهج السلف الصالح. هؤلاء يلزمهم أن يكونوا أحد شيئين على طريقتهم في إنكار المعتزلة لصفة السمع والبصر وطريقة إنكار الأشاعرة وأمثالهم في صفة النزول والمجيء والإستواء ونحو ذلك يجب أن يكونوا على شيئين نحن الأحياء لسنا بأحياء لماذا؟ لأننا إذا قلنا أنا حي وأنت حي صار في مشاركة مع الحي سبحانه وتعالى القيوم، وهل يقول إنسان هذا لكي ينزه الله عز وجل عن مشابه للحوادث لا تلازم بين الأمرين أبدًا ولذلك هم لم يقعوا في هذه الطامة لم يقل أحدٌ منهم نحن لسنا أحياء وإنما يقولون حياتنا ليست كحياته تبارك وتعالى، حياته ذاتية وحياتنا مكتسبة بخلقه تبارك وتعالى أو أن يقولوا وهي أطم ما دمنا نحن أحياء فالله ليس بحي لأنه يصير في تشبيه، لا هذا بالذي يلزم أن يقوله الإنسان وما وقعوا في مثل هذه الطامة الكبرى أبدًا ولكن قالوا ما يشابهها تمامًا وتأملوا معي تجدون الأمر بهذا الوضوح التام، ما الفرق بين أن نقول الإنسان حي والله حي لكن حياة الله ليست كحياتنا وهذه بديهية، وما الفرق بين أن يقول الإنسان الله سميع وبصير لكن ليس كسمعنا وبصرنا؟ هذا مثل هذا تمامًا، لأنه وضعنا التنزيه ثم أثبتنا (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ))، ما الفرق إذًا بين أن نقول إستوى لا كإستوائنا ويجيء لا كمجيئنا، وينزل لا كنزولنا؟! وما معنى حينئذٍ أن السلف لم يفهموا معنى ينزل الله في كل ليلة في الثلث الأخير إلى السماء الدنيا؟ من يقول أن السلف لم يفهموا هذا؟ السلف فهموا وآمنوا كما قال تعالى: (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ))