ما هي الدعوة السلفية وهل يجب على كل مسلم أن يكون سلفياً وما الدليل على ذلك .؟ حفظ
السائل : يا شيخنا لقد كثر الكلام عن منهج السلف والناس أو كثيرٌ من الحاضرين في حاجة إلى أن يتعرفوا على الدعوة السلفية، ما هي الدعوة السلفية؟ وهل يجب على كل مسلم أن يكون سلفيًا؟ وما الدليل على ذلك؟
الشيخ : الذي حاولنا أن نفر منه وقعنا فيه، ... لأن هذا البحث هو الذي جرى في الأمس القريب، وكنت أستحب لو كان الشريط مع أخونا أبو عبد الله لتسمعوه، فإذا بقي شيء في النفس يقتضي الجواب عليه أجبنا عنه، وإلا فتكرار الأجوبة أمر يعني ممجوج عند المبتدئين بكثرة توجيه الأسئلة إليهم. فما عندك الشريط طبعًا، عندك؟
السائل : عندي
الشيخ : تجيبوا وتسمعوا الشريط.هوش وهو بيتكلم يعني. اليوم. اللي قبلتم الأذان من الشريط ... .
السائل : سأل ما يسمى في العقد الآن عقد توثيق الدواوين.كتبت أنك ... .
الشيخ : لا ،لا أنا أخيركم يعني أنا لابد من إجابة، لكن هذا السؤال وجّه منذ ليلة أو ليلتين وهو مسجّل فإن شئتم سمعتموه إذا واضحًا وإلا استأنفنا الجواب عن السؤال، وما أردت أن ننتقل إلى سؤال ثاني ونلغي الأول، ما أردت هذا
السائل : ... .
الشيخ : خيرا إن شاء الله ، نقول بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآله وصحبه ومن سار على هداهم وسبيلهم إلى يوم الدين، السؤال المطروح آنفًا الحقيقة هو موضوع الساعة، والسبب في ذلك أن الدعوة السلفية أخذت طريقها المفروض والمقدّر لها من الله تبارك وتعالى، لأنه السبيل الحق، وهو سبيل المؤمنين الذي أشار إليه ربنا عز وجل في القرآن الكريم في قوله عز وجل: (( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرًا )). وكل من كان على علمٍ بالكتاب والسنة وكان يفهمهما فهمًا صحيحًا لا يشك مطلقًا في أن سبيل المؤمنين المذكور في هذه الآية الكريمة ليس المقصود به سبيل المؤمنين في هذا الزمان، والسبب في ذلك يبدو بأدنى بيانٍ، ولذلك لا نطيل الكلام فيه، لأنكم تعيشون في مجتمع يسمى مجتمعًا إسلاميًا ولكن فيه أمور كثيرة يتبرأ الإسلام منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب كما يقال في الأمثال العربية القديمة. ثم إلى ذلك نجد هؤلاء المسلمين مختلفون أشد الاختلاف، اختلافًا جديدًا فوق الاختلاف القديم الذي توارثوه عن آبائهم وأجدادهم، فصار الأمر كما يقال أيضًا: ضغثًا على إبّالة، خلاف على خلاف. أما الخلاف القديم فهو على قسمين، وهذا ربما يخفى على بعض المسلمين اليوم الذين لم يُعنوا بطلب العلم، الخلاف القائم اليوم ينقسم إلى قسمين: قسمٌ يتعلق بالعقيدة، وقسمٌ يتعلق بالأحكام.
والمقصود بالعقيدة: هي الإيمان بالأمور العلمية الغيبية التي ليس لها علاقة بالأعمال البشرية خلاف الأحكام الشرعية فهي لها علاقة بالأعمال الإنسانية. فاصطلح العلماء على تقسيم ما جاءت به الشريعة إلى هذين القسمين: عقيدة وأحكام. فالمسلمون اختلفوا قديمًا في كلٍ من النوعين، في العقيدة وفي الأحكام. وكلكم يسمع بطائفة قديمة تعرف بالمعتزلة، أو مثلًا الطائفة الأخرى التي تُعرف بالخوارج، واليوم توجد طائفة منهم يُعرفون بالإباضية يعيشون في الجزائر وفي غيرها من البلاد العربية الإسلامية، كذلك من هذه الطوائف ما يُعرف باسم المرجئة، وأخرى باسم الجبرية، كل هذه فرق إسلامية قديمة قد يكون انقضى أو انقرضت أسماؤها لكن آثارها وأفكارها لا تزال باقية ومتوارثة في عقول وفي صدور كثيرٍ من المسلمين اليوم، وقد يكون الأمر تطور إلى أسماء أخرى. من هذه الأسماء التي اتفق عليها من يسمون اليوم بأهل السنة والجماعة مذاهب ثلاثة:
مذهب أهل الحديث كمذهب الإمام أحمد إمام السنة رحمه الله. ومذهب الماتوريدية نسب لأبي منصور الماتوريدي. ومذهب الأشعرية نسبة لأبي الحسن الأشعري. هذه مذاهب ثلاثة يتبناها المجتمع الإسلامي السني ولنا بحاجة أن نتعرض إلى الفرق الأخرى كالشيعة ونحوها. هذه المذاهب الثلاثة هي متخصصة في العقيدة، بينما هناك المذاهب الأربعة وهي معروفة عند المسلمين جميعًا وهي متخصصة في الأحكام الشرعية كما قلنا آنفًا فهي مذاهب أربعة. لا شك أن الاختلاف المشار إليه آنفًا بقسمية الاختلاف في العقيدة والاختلاف في الأحكام لا يمكن أن يكون مُنزّلًا من عند الله تبارك وتعالى، لأن الاختلاف ليس من طبيعة الإسلام بل هو مما يُباين الإسلام ويخالفه تمامًا. كيف لا وربنا تبارك وتعالى يقول في القرآن الكريم مذكرًا المسلمين بآية على أن هذا القرآن هو من عند الله، وليس من عند رسول الله كما كان الكفار يدّعون قديمًا ولا يزال الكثيرون منهم يزعمون ذاك الزعم نفسه، قال الله عز وجل: (( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا )).
لو كان هذا القرآن كما يزعم الكفار هو من عند غير الله، يعني نابعًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الأمي، ومع ذلك كابر الكفار المشركون من اليهود والنصارى وغيرهم فقالوا: إنه تلقاه من أهل الكتاب.
فالله عز وجل يرد على هؤلاء الكفار جميعًا بقوله: (( ولو كان من غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا )). إذًا هذه الآية نصٌ صريحٌ على أن الاختلاف لا يمكن أن يكون من عند الله، لأن الله عز وجل جعل من الدليل على أن هذا القرآن الكريم من الله أنه لا اختلاف فيه. إذًا حيث كان الاختلاف موجودًا لم يكن هناك حكم الله في هذا الاختلاف وإنما يكون حكم الله في جانبٍ من جوانب هذا الاختلاف، كما جاء في السنة الصحيحة من مثل قوله عليه السلام: ( إذا حكم الحاكم فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجرٌ واحد ). إذًا هناك صواب وخطأ وهناك حقٌ وضلال، وربنا عز وجل يقول في القرآن الكريم أيضًا: (( فماذا بعد الحق إلا الضلال )). فحينما نسمع قولين فأكثر سواءٌ كان ذلك في العقيدة أو كان في حكمٍ شرعي أن هذا من الإسلام لا ينبغي للمسلم أن يعتقد ذلك، بل ينبغي أن يتبرأ من الاختلاف، لأنه إن آمن به أنه من الله عطّل نصوصًا قرآنية من أوضحها بيانًا الآية السابقة الذكر (( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا )). نضرب مثلًا واضحًا لجميع الناس، هناك أمرٌ يُبتلى به المصلون وهو أن أحدهم يتوضأ ثم يخرج منه قطرة دم أو قطرات من الدم فتسمع أقوالًا متناقضة أشد التناقض، فمن قائل: أن هذا الدم لا ينقض الوضوء مطلقًا، ومن قائل: أنه ينقض الوضوء مطلقًا، ومن قائل: بالتفصيل، إن كان كثيرًا نقض وإن كان قليلًا لم ينقض.
هذه أقوالٌ ثلاثة في مسألة واحدة، كيف يكون الاختلاف إن لم يكن هذا اختلافًا، إذا كان هذا اختلافًا كما هو الواقع فهل يقال: هذا هو الشرع الإسلامي؟ يحكم به أقوال وأحكام ثلاثة في مسألة واحدة فيقال: وضوءك صحيح، وضوءك غير صحيح، وضوءك إن كان الدم قليلًا صحيح أو إن كان قليلًا غير صحيح. هذا أمرٌ مستحيل. هذه الأقوال تُنسب إلى قائليها لكن لا يجوز لنا أن ننسبها إلى الله عز وجل الذي قال: (( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه )) فماذا نقول إذا كان في بعض العقائد ليس الأحكام، العقائد المتعلقة بأمرٍ غيبي، أو أمور الغيب إذا كان فيها اختلاف، وأنا أضرب لكم على ذلك مثلين حسّاسين ومهمين جدًا، لأنهما يتعلقان بواقعنا اليوم الذي كثيرًا ما يجري الخلاف فيه.
المثال الأول: الإنسان من حيث هو مكلّف هل هو مسيّر أم مخيّر؟ تسمع كثير من الناس يقولون: إنسان ما في يده شيء، الإنسان مسيّر ما هو مخيّر، ومعنى كونه مسيّر مجبور، معنى كونه مخيّر يعني له إرادة بها يتصرف.
فهؤلاء مذهبان مش عاميين، مذهبان من المذاهب التي أشرنا إلى بعض الفرق السابقة، فالمعتزلة مثلًا يقولون: بأن الإنسان مخيرٌ اختيارًا مطلقًا. إلى هنا الكلام صحيح، لكن تمام الكلام من أبطل الباطل. هو مخيرًا تخييرًا تامًا بحيث أنه يفعل ما لا يشاء الله. أي: إنه كأنه يخلق أفعاله وأعماله بنفسه دون إرادة الله عز وجل ومشيئته.
المعتزلة خلطوا بين حقٍ وباطل، الحق هو أن الإنسان مختار، والباطل أنهم نفوا إرادة الله عز وجل لأفعال الإنسان الاختيارية، وهذا يخالف النص القرآني الكريم الصريح (( وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين )). يقابل هذا المذهب مذهب الجبرية، الجبرية الذين يقولون: الإنسان مسيّر وليس مخيّر، ليس بيده شيء، وحدثت نغمة حديثة مقيتة بغيضة صوفية بزعم التوفيق بين الرأيين فقالوا ماذا؟ قالوا: هو مختارٌ ظاهرًا مجبورٌ باطنًا. حتى قال بعضهم: إن الله عز وجل لمّا قال لآدم وحواء (( ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين )) قال لهما هذا في الظاهر لكن في الباطن أمرهما بأن يأكلا لأنه هكذا قضاء الله وقدره.
لا أريد أن أدخل في تفاصيل، لكن حسبي أن أقول: أن هذين مذهبين: مذهب الجبرية ومذهب المعتزلة، وكلاهما على طرفي نقيض، والمذهب الحق أن الإنسان مختارٌ في كثيرٍ من الأعمال، مختار اختيارًا مطلقًا في كثير من الأعمال وليس له إرادة ولا اختيار في بعض هذه الأعمال، فأينما وجد الاختيار وجد التكليف، وحيثما انتفى الاختيار انتفى التكليف، لأن الجبر والتكليف نقيضيان لا يجتمعان، لكن هما مذهبان جاءا في الفِرق الإسلامية المعتزلة والجبرية. هناك المذهب الحق كما قلنا: أن الإنسان له إرادة وله اختيار، ولكن بقيد أن هذا الاختيار هو بمشيئة الله وليس رغمًا عن الله عز وجل كما يُفهم من كلام المعتزلة، ولذلك جاء في بعض الأحاديث أن ( القدرية مجوس هذه الأمة )، القدرية هم المعتزلة، أي هم نفاة القدر مع أن الله عز وجل ذكر في القرآن الكريم غير ما آية تُصرّح بأن كل شيء بقدر، وكل شيء مستطر، والرسول يقول: ( كل شيءٍ بقدر حتى العجز والكيس ) الحديث في صحيح البخاري . فالفرق إذًا، أو فلنقل الفِرق هنا في مسألة واحدة ثلاثة: المعتزلة، يقابلهم الجبرية، توسطت أهل الحديث. والماتوريدية معهم في هذه القضية أن الإنسان له اختيار، لكن هذا الاختيار بإرادة الله عز وجل ومشيئته. هذا هو الحق في هذه المسألة. فماذا يكون موقف المسلم بالنسبة لهذا المثال، والمثال ليس مقصودًا بالذات فهناك عشرات بل مئات الأمثلة التي اختلف فيها العلماء قديمًا (( ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك )). أشرت آنفًا بأني سوف لا أطيل في ضرب الأمثلة وإنما أقتصر على مثالين اثنين ذكرت آنفًا أحدهما، والآن أذكر المثال الثاني وهو حسّاس وهامٌ جدًا، لأن أكثر المسلمين اليوم خاصتهم وعامتهم خرجوا عن سواء السبيل في هذه القضية ألا وهي جواب سؤال، هذا السؤال سنّه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لنتسلح به نحن الذين نحاول أن نكون مقتدين به عليه الصلاة والسلام في كل ما جاء به من الإسلام. هذا السؤال جاء في صحيح الإمام مسلم من رواية أحد الصحابة وهو المعروف بمعاوية بن الحكم السُلمي رضي الله عنه وهو بالطبع غير معاوية بن أبي سفيان الأموي المعروف خلافته وتاريخه.