عن عائشة رضي الله عنها (أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان كاشفا على فخذه فستأذن أبو بكر فأذن له وهو على حاله ثم استأذن عمر فأذن له وهو على حاله ثم استأذن عثمان فأرخى عليه ثيابه...) الحديث و في الحديث الآخر عن محمد بن جحش قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على معمر وفخذاه مكشوفتان فقال ( يا معمر غط فخذيك فإن الفخذين عورة) فهل هناك تعارض بين الحدثين؟ حفظ
الشيخ : سؤال عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم كان جالسا كاشفًا عن فخذه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على حاله ثم استأذن عمر فأذن له وهو على حاله، ثم استأذن عثمان فأرخى عليه ثيابه فلما قاموا قلت يا رسول الله استأذن أبو بكر وعمر فأذنت لهما وأنت على حالك فلما استأذن عثمان أرخيت عليك ثيابك فقال ( يا عائشة ألا أستحيي من رجلٍ والله إن الملائكة لتستحي منه ) ، رواه أحمد وذكره البخاري تعليقًا، عن محمد بن جحشٍ قال مر رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم على معمر وفخذاه مكشوفتان فقال ( يا معمر غط فخذيك فإن الفخذين عروة ) ، رواه أحمد والحاكم والبخاري في تاريخه فعلّقه في صحيحة.
السؤال هل هناك تعارض بين الحديثين أو هل يُفهم من الحديث الأول أن الفخذ ليس بعورة لأنه لو كان عورةٌ ما كشفها الرسول صلى الله عليه وأله وسلم؟
الجواب لو لم يكن في الباب الحديث الثاني لكان الحديث الأول بيدل على أنه فخذ الرجل بالنسبة للرجل ليس عورة، ولكن مادام جاء هذا الحديث الثاني وأحاديث في معناها كثيرة تُصرِّح بأن الفخذ عورة فحينذاك لا يؤخذ الحكم من الحديث الأول الذي فيه أن الرسول كشف عن فخذه في حضرة أبو بكر وعمر، وإنما يؤخذ الحكم من الحديث الثاني والسبب أن هناك قاعدة فقهية تقول إذا تعارض حديثان وكان أحدهما من قوله عليه السلام كحديث معمر هذا والأخر من فعله عليه السلام كحديث عائشة، في هذه الحالة يُقدّم القول على الفعل، هذه قاعدة أصولية من تفقّه بها فُتِح عليه فقه كبير جدًا واستطاع التوفيق بين أحاديث كثيرة وهي القول مُقدّمٌ على الفعل عند التعارض، والشاهد في ذلك أن القول الصادر من الرسول عليه السلام الموجه إلى الأمة هو شريعةٌ عامة، أما الفعل الذي يفعله هو فيمكن أن يكون شريعةً عامة حينما لا يوجد مُعارض له، ويمكن أن يكون أمرًا خاصًا به عليه الصلاة والسلام، ومن المعلوم أيضًا عند العلماء قولهم، الدليل إذا طرأ عليه الاحتمال سقط به الاستدلال، فهذا الفعل أيّ فعل فعله الرسول عليه الصلاة والسلام ممكن أن يكون شريعة عامة ويمكن أن يكون حكمًا خاصًا به عليه الصلاة والسلام (رد الشيخ السلام)، ويمكن أن يكون هذا الشيء الذي فعله الرسول عليه السلام لعذر، فمادام أن فعل الرسول عليه السلام يحتمل أسبابًا كثيرة تجعل هذا الفعل ليس شريعةً عامة وقد جاء به قوله عليه السلام ما يُخالفه حينذاك القول تَقدّم على الفعل، ولهذا أمثلة كثيرة جدًا مثلاً من المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وأله وسلم كان يواصل الصيام، يواصل صوم النهار مع الليل والليل مع النهار والنهار مع الليل هكذا، فرأه أصحابه فواصلوا معه الصيام يعني ما في إفطار مساءً، وإنما أربعة وعشرين ساعة ثمانية وعشرين ساعة وهكذا يتضاعف الرقم، فواصل الصحابة معه حتى ضعفوا ما عاد استطاعوا أنه يتابعوا الوصلا في الصيام، فنهاهم الرسول عليه السلام عن أن يوصلوا في الصيام، فقالوا يا رسول الله إنك لتواصل، فقال عليه الصلاة والسلام ( إني لست كهيئتكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني ) ، ( إني لست كهيئتكم ) لست كمثلكم يعني عندي طاقة وعندي قدرة ربانية، الله عز وجل يمكّنني بها من مواصلة الصيام والاستمرار فيه وأنتم لستم مثلي فأنتم لا تواصلون.
فهنا نأخذ الحكمة، القاعدة السابقة أن الرسول عليه السلام قد يفعل الفعل وهو خاص به فمادام نهى … عن شيء وهو فعله فنحن ما نفعله لأنه فعله خاص به وقوله شريعة عامة للمسلمين جميعًا، كذلك مثلا من الأمثلة المشهورة عند جميع الناس أن الرسول عليه السلام مات وتحته تسع نسوة بينما جاء في الحديث الصحيح أن رجلاً في الجاهلية تزوّج تسعة فلما أسلم جاء إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وذكر له ذلك فقال له ( أمسك منهن أربعًا وطلق غيرهن ) ، ما قال له أنت متزوج كذا لأنه بيعرف أنه هو له خصوصيات.
إذًا إذا اختلف القول من الرسول عليه السلام مع فعله فالقول مقدّمٌ على الفعل، فحديث عائشة هنا لا يعارض حديث معمر ( وغط فخذيك فإن الفخذين عروة ) هو المعتمد في هذه المسألة وليس حديث عائشة لأنه فعل من الرسول عليه السلام، هذا يمكن أن يكون قبل تحريم الكشف ويمكن أن يكون خصوصية للرسول صلى الله عليه وأله وسلم.
إذًا الاعتماد على قوله عليه السلام في هذه الحادثة وليس على فعله.