ما حكم إعطاء من لا يستحق الصدقة ؟ حفظ
الشيخ : جاء في الحديث أن الرجل كان يأتي الرسول عليه الصلاة والسلام فيسأله مالًا فيعطيه فإذا انطلق السائل يتأبّط المال قال عليه الصلاة والسلام لمن حوله ( إنه خرج أو سرق يتأبطها نارًا ) ، لماذا؟ لأنه يسأل وليس له حق السؤال، ومعنى يسأل يعني يشحذ، يجيء يطلب من الرسول عليه السلام مال وهو قويّ كما قاله عليه الصلاة والسلام في حديث صحيح ( لا صدقة لغني ولا لذي مرة سوي ) ، ( لغني ) واضح ( لذي مرة ) أي قوة ( سوي ) يعني سوي الخلق ما هو ناقص لا هو ضرير لا هو مقطوع اليد أو الرِجْل، فهذا لا صدقة، لا يجوز له أن يسأل ولا أن يُتصدّق عليه إلا إذا كان فقيرًا أو إذا كان عاجزا فحينما كان يأتيه الرجل هو من هذا النوع إما غني أو ذي مرةٍ سوي يسأل الرسول عليه السلام فيتحرّج عليه الصلاة والسلام من أن لا يُعطيَه، فما يسعه عليه السلام إلا أن يعطيه، ولكن مع ذلك يُبيّن أن هذا السائل الذي أخذ ما أتاه الرسول إنما تأبّط نارًا، لماذا؟ لأنه سأل ما ليس له حق فيه، فيقول الصحابة للرسول عليه السلام إذًا لمَ تعطيه مادمت ترى يا رسول الله أن هذا لا يستحق السؤال وبالتالي لا يستحق الإعطاء فلماذا تعطيه؟ في جواب الرسول عليه الصلاة والسلام الأتي بيان أنه عليه الصلاة والسلام له منزلة ومقام يُسوِّغ له من الأحكام ما يختصّ بها دون سائر الأنام، يقول الرسول عليه السلام ( وماذا أفعل إنهم يسألونني ويكره الله لي البخل ) ، ومعنى هذا أن مقام النبوة يجب أن تكون بعيدةً من أن يُقال فيها ما لا يليق بها ومن ذلك البخل، فلو أن الرسول عليه الصلاة والسلام كلما جاءه سائل من الذين لا يجوز لهم السؤال امتنع من إعطائهم لنشر هؤلاء بين الناس إن الرسول عليه السلام شحيح وبخيل بدليل أنه فلان جاءه وسأله فلم يعطه، فلان جاءه فسأله فلم يعطه ومثل هذه الإشاعة التي لها ظواهر قد يقتنع بها بعض الناس حيث امتنع الرسول من الإعطاء مما لا يُناسب مقام النبوة والرسالة، ولذلك فكان يترجّح عند الرسول عليه الصلاة والسلام أن يُعطي السائل ولو كان غنيًا، أن يعطي السائل ولو كان مستطيعًا للكسب حتى لا يقال إنه شحيح بخيل.
ومن هنا نستطيع أن نقول إن غير الرسول عليه الصلاة والسلام ليس له هذا الحكم، وأعني بهذا أن المسلم أن أحدنا إذا سأله سائل يعني جاء شحاذ وقال له من مال الله، فإذا كان المسؤول يعلم أن هذا السائل لا يحق له السؤال وأنه اتخذ السؤال والشحاذة مهنة فلا ينبغي أن يُعطيَه لأنه في إعطاءه إياه يساعده على ضلاله، يساعده على اتخاذه السؤال والشحاذة مهنة والمساعدة على الباطل باطل والمساعدة على الإثم أثم، كما قال تعالى (( وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )) [المائدة: 2]، أما الرسول عليه الصلاة والسلام فلا ... الحكم خصوصية له من دون الناس، يعني ما يؤثر فينا ولا تتأخّر دعوة الإسلام إذا أشاع الناس بالباطل إنه والله فلان بخيل، أما الرسول عليه السلام الذي هو الداعي الأولى للإسلام فقد تتأخّر الدعوة بسبب مثل هذه الإشاعة التي تكون قائمة على امتناع الرسول عليه السلام من إعطاء من لا يستحق الإعطاء، فهذا مثال يساعدنا على فهم هذا العطف في هذا الحديث ورب متخوّض في مال الله ورسوله، هذا المال الذي أعطاه الرسول هو ماله ومع ذلك فقد تصرف هذا السائل في هذا المال تصرّفًا غير مشروع لأنه أخذه بغير حق.
(انقطع الصوت).