شرح قول المصنف من كتاب الترغيب و الترهيب: وعن أبي هريرة أيضا رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( يخرج عنق من النار يوم القيامة له عينان يبصر بهما وأذنان تسمعان ولسان ينطق يقول إني وكلت بثلاثة بمن جعل مع الله إلها آخر وبكل جبار عنيد وبالمصورين ). رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح غريب، عنق بضم العين والنون أي طائفة لجانب من النار. حفظ
الشيخ : الحديث الحادي عشر وهو الأخير في هذا الفصل عن أبي هريرة أيضًا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يخرج عنقٌ من النار يوم القيامة له عينان يبصر بهما، وأذنان يسمعان، ولسان ينطق به يقول إني وكلت بثلاثة بمن جعل مع الله إلهًا آخر، وبكل جبار عنيد، وبالمصورين ) هذا العنق عبارة عن لهب من النار ، يخرج من النار جانب منها فيه عينان يبصر بهما وأذنان يسمع بهما ولسان ينطق به ) يقول إني وكلت ... أي بتعريفهم ... بمن جعل مع الله. إلهًا آخر، ( وبكل جبار عنيد وللمصورين ) رواه الترمذي وقال حديثٌ حسنٌ صحيح غريب. يُفسّر غريب الحديث فيقول عُنُق بضم العين والنون أي طائفة بجانب من النار هذا الحديث الأخير فيه غرابة من حيث ما تضمّن من خبرٍ من أخبار الغيب التي يجب الإيمان بها وهي أن الله عز وجل بقدرته يُخرج من نار جهنم طرفًا منها يتمثل في صورة رأس له عينان له أذنان له لسان ينطق به فيتكلم ويقول بأنه وكّل بتعذيب ثلاثة ، بمن اتخذ مع الله إلهًا آخر، وبكل متكبر جبار عنيد، وبالمصورين. هذا الحديث وهو الحديث العاشر من أحاديث الباب قرأتها كلها عليكم إلا الحديث التاسع ففي سنده ضعف، وكل الأحاديث التي قرأناها تغني في الباب عنه، وهي كما قلنا لفظة التصوير، المصورين مطلقًا فهي من حيث إطلاقها تشمل الصور المجسّمة وغير المجسمة، ومن حيث النظر إلى سبب ورود بعضها يدل على أن الرسول عليه السلام إنما قالها بمناسبة الصور غير المجسمة
ولذلك فالذي يحمل هذه الأحاديث على الصور المجسمة والتي لها ظِل ولا يُدخل فيها الصور المصورة على الثياب وعلى الستائر والجدران وعلى الورق اليوم فإنما هو أحد رجلين، إما أنه لم يطّلع على هذه الأحاديث ولاسيما البيان أن الرسول عليه السلام قصد بها مباشرة الصور التي لا ظل لها، وهذا النوع إنما يتصور بالنسبة لبعض العلماء المتقدمين الذين لم يكونوا في زمنهم قد جُمعت فيه سنة، أما النوع الآخر فهم الذين اطّلعوا على هذه الأحاديث بعد تدوينها و تيسير الاطلاع عليها وهم المعاصرون اليوم فإنما هم يتأولون هذه الأحاديث بتآويل باطلة يدل على بطلانها، وهذه التآويل يدل على بطلانها أمران اثنان معًا ، الأمر الأول : عموم وإطلاق الأحاديث كما سمعتم في بعضها ( كل مصور في النار )، فالذي يقول لا، ليس كل مصور في النار وإنما المقصود بالمصورين هنا الذين ينحتون الأصنام فإنما يعارض هذه الكلية الصريحة في حديث الرسول عليه السلام ومعنى هذه الكلية ( من صوّر صورة )، فمن أيضًا من ألفاظ الشمول، أي بمعنى كل مصور في النار هذا وجه والوجه الثاني وهو أوضح كما ذكرنا وقررنا أن الرسول عليه السلام ذكر هذه الأحاديث التي سمعتموها في الباب بالنسبة للصور التي صورت على الستائر ولم تُنحت نحتًا من الحجارة كما كان عليه الكفار في زمن الجاهلية فتأويل هذه الأحاديث إذن إنما هي صورة مجسمة ردا لهذه الأحاديث فنخشى أن يدخل من يتأولها بهذا التأويل الباطل بعد أن يتبين له هذا البطلان في عموم قول الله تبارك وتعالى (( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرًا )) ، فإذا كان الرسول يقول ( كل مصور في النار )، ( من صوّر صورة كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة وما هو بنافخ ) أو وهو ليس بنافخ ويقول ذلك ونحوه بمناسبة الصور التي لا ظل لها فكيف يقول مسلم مؤمن بالله ورسوله أن الصور المحرّمة في هذه الأحاديث إنما هي التي لها ظل أي الصور المجسمة إذًا نقطع بأن الصور المحرّمة هي على العموم و الشمول تشمل ما لها ظل وما لا ظل لها، تشمل المجسمة والغير مجسمة ومن الانحرافات والاحتيال على أحكام الله عز وجل في شريعته بعد الرد لمثل هذه النصوص التي تدل على أن الصور المحرمة هي أيضًا الصور غير المجسمة مع ذلك فقد احتال بعض الكتاب في العصر الحاضر حيلة أظن أنه سبق بها اليهود، أقولها صريحة وستقولونها معي حين تسمعون ماذا صنع وماذا فعل .جاء في حديث أبي هريرة الذي فصل لنا امتناع جبريل عليه السلام من الدخول إلى بيت الرسول مع أنه كان على وعد معه فذكر له أن هناك تماثيل ، أي صور على الباب وعلى الستارة فأمر بتغيير الصور التي على الستارة حتى تصير كهيئة الشجرة ، ومعنى ذلك أن هذه الستارة مطرزة وفيها تماثيل، أي صور الخيل ذوات الأجنحة كما في بعض الروايات فحين أمر جبريل عليه الصلاة والسلام بتغيير هذه الصورة حتى تصير كعرف الشجرة معنى ذلك إضافة قيود جديدة على هذه الصورة حتى يُقضى على معالم الصورة السابقة وتظهر أنها تمثل صورة شجرة. فأخذ العلماء من هذا الحديث أن الصورة إذا غيرت خرجت عن التحريم وصارت مباحة ولكن مع الأسف الشديد لم يقفوا على أو عند هذا التغيير الذي حدده جبريل للرسول عليهما الصلاة والسلام أي لم يقفوا عند هذا التغيير الكلي، هذا الذي به تنطمس معالم الصورة السابقة وتظهر بعد ذلك صورة أخرى كهيئة الشجرة المباحة، لم يقفوا عند هذا التغيير الشامل فقالوا مثلًا لو تغيرت الصورة، صورة على الورق مثلًا فخطّ خطًا على العنق. زعموا بأن هذه الصورة تغيّرت هيئتها، لماذا ؟ زعموا أنه أصبح رأسه منفصلًا عن الجسد ولو إيش الفائدة من هذه الصورة فإن هذه الصورة تغيّرت فصارت مباحة، وتسلسلت تغيير التغيير لو صح هذا التعبير، التغيير المطلق الشامل الذي ذكره الرسول عليه السلام عن جبريل هذا ضيّقوا دائرته فقالوا كما سمعتم في التغيير الأول أنه يخط خط على العنق فبقيت الصورة كما هي وهي صورة جائزة لأنها تغيرت، فهذا تغيير رقم واحد للتغيير الكلي الذي أمر به جبريل عليه السلام في الحديث السابق، ثم هذا التغيير ما قنعوا به فانتقلوا إلى مرحلة أخرى قالوا إذا كانت الصورة نصفية فهذا بلاء عم وطم فهذه صورة جائزة لأنه لا يعيش الإنسان نصفه إلا أن يكون معه المصارين والبطن وما إلى ذلك، هذه صورة مغيّرة ، ونحن نعلم جميعًا أن العبرة بكل شيءٍ وبصورة خاصة في الإنسان إنما هو رأسه فإذا بقي الرأس وذهب الرجلان مثلًا فلم يُقضى على الصورة وعلى أثرها في المجتمع الذي يخشاه الشارع الحكيم و لو في المستقبل البعيد ، ومن أجل ذلك فسبب من أسباب حكمة تحريم الصور حرّم الصور حتى لا تُعبد من دون الله عز وجل ولو في المستقبل البعيد .