سؤال عن حكم تعليم الأولاد القرآن بالراتب الذي يجمعه جماعة من أهل الخير؟ حفظ
السائل : ... تعليم الأولاد القرآن وعلومه و تحفظيه ذكرت دليل في هذا الأمر تكمل جزاك الله خيرا الأدلة وإضافة إلى السؤال في جميعة إحياء الترات ننوي دعوة المحسنين لدعم رواتب محفظين القرآن خارج الكويت ونعين نقول اكفل المحفظ أو معلم للقرآن بمبلغ عشرين دينار شهريا ثم ندعو ونتصل بالجمعيات الإسلامية في الخارج ونحدد لهم هذا الأمر وهم بالتالي يتعاقدون مع المحفّظين أو المعلمين فهل على هذ الأمر فيه خلاف في الشرع ؟
الشيخ : لا أعتقد في هذا الأمر إشكالا من الناحية الشرعية وإن كان هذا الواجب هو من واجبات الدولة لكن مع الأسف الدول الإسلامية اليوم أو بعبارة قد تكون أدق أكثر الدول الإسلامية لا تعطي هذا الجانب العناية اللائقة به فإذا قام بذلك بعض الأفراد من المسلمين فإنما هو واجب كفائي يسقطونه عن رقاب الأمة فهم يشكرون على ذلك ويجزون الجزاء الأوفى عند الله تبارك وتعالى ... فأقول القيام بعض الأفراد من المسلمين لهذا العمل فهو عمل جليل يسقطون به واجب عن الدولة وجمع التبرعات في هذا الصدد هو من باب قوله تعالى (( وتعاونوا على البر والتقوى )) لكن الحقيقة التي ينبغي الدندنة حولها ولفت نظر أفراد المسلمين إليها وبخاصة منهم هؤلاء الذين سيرتب لهم هذه الرواتب أن يجعلوا عملهم خالصا لله حتى نخلص من مشكلة أخذ الأجر لأنه لكثرة ما يتردد مثل ذاك السؤال هل يجوز أخذ الأجر على تعليم القرآن ؟ على إمامة الناس ؟ التأذين ونحو ذلك ، أشعر شعورا قويا جدا بأن الناس لا يفرقون بين ما يسمى أجرا وبين ما يسمى راتبا أو تعويضا وهذا التفريق أمر جوهري جدا لأنه تختلف النتائج اختلافا جذريا بين أن يأخذ أجرا على عبادة وبين أن يأخذ تعويضا أو مكافئة أو نحو ذلك وقد يتوهم بعض الناس بأن المسألة شكلية إيش الفرق سميته أجرا أو سميته مكافئة أو جعالة أو تعويضا أو راتبا أو نحو ذلك ؟ لا، الفرق كبير وكبير جدا كالفرق بين من يجاهد يخرج مجاهدا في سبيل الله يبتغي الشهادة في سبيل الله وبين آخر يخرج للجهاد ولكنه يطمع في الكسب المادي ولذلك جاء الحديث المشهور الصحيح الذي افتتح الإمام البخاري كتابه الصحيح به ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله وروسله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ) يذكر شراح الحديث أن سبب هذا الحديث أن رجلا خرج مع الرسول عليه السلام للجهاد في سبيل الله في الظاهر ولكن نيته كانت لعله يحظى بامرأة في تلك البلاد التي كانت الهمة متوجهة لغزوها وهي تعرف بأم قيس فهو خرج للجهاد لعله يحظى بهذه المرأة وصار ذلك معروفا عند علماء الحديث بحديث بمهاجر أم قيس يعني هذا هاجر بقصد الحصول على تلك المرأة ولم يخلص النية في الهجرة أو في الجهاد في سبيل الله عز وجل فسمي بمهاجر أم قيس قلت بأن علماء الحديث يذكرون هذه المناسبة وإن كانت هذه المناسبة لم تصح إسنادها على طريقة علماء الحديث بخلاف أصل الحديث فهو واضح وثابت ثبوتا يقينا لأن إسناده أولا صحيح لا غبار عليه وثانيا لأن الأمة بأجمعها تلقت هذا الحديث بالقبول حتى قال بعض العلماء كالنووي وغيره هذا الحديث ثلث الإسلام لأن الأعمال كلها تقوم على هذا الإخلاص الذي تضمن الحديث الحض عليه ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) إلى آخر الحديث ولذلك فينبغي لفت نظر هؤلاء المعلمين الذي يساعدون بمثل هذه المساعدات التي تجمع من كثير من المحسنين ألا يعتبروا ذلك أجرا فيحبط عملهم وإنما هذا يعتبر جعالة راتبا مكافئة مساعدة إلى آخره ولا شك أن العمل الواحد يختلف حكمه شرعا باختلاف النية و لذلك فلا ينبغي للمسلم أن يستصغر هذا التفريق بين أن يأخذ هذا المال أجرا وبين أن يأخذه تعويضا أومساعدة لا ينبغي أن يستصغر هذا التفريق لأنه تفريق جوهري ذلك لأنه من الثابت أن العمل الواحد يختلف أمره باختلاف النية ومن الأدلة على ذلك الحديث الصحيح الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للفقراء حينما شكوا أمرهم إليه وكانوا يغبطون الأغنياء على ما يقومون به من صدقات مع مشاركتهم للفقراء في العبادات في الصلاة و الصيام لكنهم يتفوقون عليهم بالصدقات فأجابهم عليه السلام في القصة المعروفة بقوله ( إن لكم في كل تسبيحة صدقة وفي كل تحميدة صدقة وفي كل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة وفي بضع أحدكم صدقة ) هنا الشاهد قالوا " يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته وله عليها أجر ؟ " قال ( نعم أرأيت إن وضعها في حرام أليس يكون عليه وزر ) قالوا " بلى " قال ( فكذلك إذا وضعها في الحلال يكون له عليها أجر ) فإذا هذا قضة شهوته وهذا قضى شهوته ذاك قضى شهوته وكتب له عليها أجرا والآخر قضى شهوته كتب عليه وزر و بناء على هذا التفريق بين نيةوأخرى في العمل الواحد فصل بعض العلماء الكلام على الحديث السابق ( إنما الأعمال بالنيات ... ) فضربوا بعض الأمثلة الموضحة لأهمية هذا النوع من الحديث قالوا لو أن رجلا سافر ثم رجع إلى بلده ودخل داره وجامع أهله و... وكحالة الرجل المسافر يكون تائقا لزوجته ثم تبين له فيما بعد أن هذه ليست زوجته لأمر ما الزوجة ذهبت عند أهلها حل محلها أختها أو امرأة أخرى إلى آخره وذاك يعني وقع في الأمر الخطأ لكن الرجل حينما جامعها في ظنه أنها حلاله هذا لا إثم عليه يقابله مثال آخر عكس هذا تماما رجل متزوج لكنه غير قانع بزوجته فخرج ذات ليلة يبتغي قضاء شهوته مع بعض النساء فلما دخل دارا كان يعرف أن هناك مومسات إليه قدمت إليه امرأة طبعا تحت أنوار خافتة قضى شهوته منها و إذا بها هي زوجته لأنه لما خرج من الدار لقضاء شهوته بالحرام هي بدروها أيضا خرجت تفتش عن مثل هذه الشهوة الحرام فالتقيا على غير ميعاد وعلى غير معرفة لكن هما زوجان لكنها آثمان ولو أن أحدهما قضى شهوته من زوجته وهي بالتالي قضت شهوتها من زوجها لكن النية كانت بالحرام فالأول مع أنه واقع غير حلاله فهو غير آثم والآخر مع أنه واقع حلاله فهو آثم لماذا لقوله عليه السلام ( إنما الأعمال بالنيات ) فإذا رجلان يعلمان العلم الشرعي أحدهما مأجور و الآخر مأزور وكلاهما لهما راتب فيختلفان باختلاف النية ولذلك في اعتقادي أنه يجب أن يقترن مع هذا المشروع لفت النظر إلى هذه الحقيقة و إلا تكون القضية مساعدة على عدم الإخلاص في طاعة الله عز وجل ومن ذلك تعليم الناس فلكي يكون القائمون على هذا المشروع قد أحاطوا بالمشروع من الناحية الشرعية من جميع جوانبه فكما أنهم يحسنون صنعا حينما يسعون حثيثا في جمع هذه المساعدات لتفريغ بعض الناس للتعليم أي علم كان من العلوم الشرعية كما ذكرنا آنفا في الوقت نفسه يجب أن يتولوا توجيه هؤلاء المعلمين إلى أن يخلصوا في تعليمهم لله رب العالمين هذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين إن شاء الله .