الجواب عن الشبهة الثانية لمن يقسم البدع إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة بقول عمر بن الخطاب: نعمة البدعة هذه - يعني جمع الناس في التراويح - حفظ
الشيخ : وهنا لبسط وشرح هذه القضية لأنه قد يرد إشكال من بعض من قد يكون على شيء من العلم والاطلاع في هذ المجال من مبسطات الكتب نحن نعتقد أن كل شيء أحدث في الدين يراد زيادة التقرب به إلى الله هو كله ضلالة ولا استثناء في ذلك ولكن قد يشكل هذا على بعض الناس بحوادث وقعت في عهد السلف فيظنون أن هذه الحوادث تنافي هذه الكلية والواقع أنه لا منافاة في ذلك مطلقا لها ولذلك فإني أذكر أول ما أذكر أثرا صحيحا أخرجه الإمام البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم خرج في العشر الأخير من رمضان في آخر رمضان من حياته المباركة فصلى في المسجد في زاوية من زوايا المسجد وفرشوا له هناك حصيرا فلما رآه بعض الصحابة يصلي اقتدى خلفه و عهدهم به عليه الصلاة والسلام أنه يحي الليل في بيته حيث لا يراه أحد إلا في تلك الليلة فلما رأوه يصلي في المسجد فاقتدى به من كان حاضرا وفي النهار انتشر الخبر فتجمع الناس في الليل فخرج الرسول عليه السلام وصلى كما فعل في الليلة الأولى صلاة القيام والركعات المعروفة في كل حياته عليه السلام أنها إحدى عشر ركعة فتجمع الناس في الليلة الثانية أكثر من تجمعهم في الليلة الأولى وهكذا في الليلة الثالثة غض المسجد وامتلأ بالمصلين ثم اجتمعوا في الليلة الرابعة وانتظروا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ليخرج إليهم كما فعل في الليالي الثلاث وإذا بهم لا يفاجؤون بخروجه عليه السلام إلا مغضبا بعد أن حصب بعض الصحابة بابه توهما منهم أنه عليه السلام قد أخذه النوم وما كان به عليه الصلاة والسلام النوم وإنما كان يقظانا وكان لم يخرج عن خطة شرعية ولذلك لما أطل عليهم رأوه مغضبا وقال لهم ( يا أيها الناس إنه لم يخف عليّ مكانكم هذا وإني عمدا تركت ذلك إني خشيت أن تكتب عليكم فصلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ) ، ثم توفي رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بعد هذا الرمضان ولم يدرك رمضان التالي لأنه مات كما تعلمون في ربيع الأول في رمضان الثاني والثالث وإلى ما شاء الله من الرمضانات كثيرة استمر أصحاب النبي صلى الله عليه و آله وسلم يصلون قيام رمضان في المسجد النبوي زرافات ووحدانا إلى أن جاءت خلافة عمر رضي الله عنه وخرج كعادته يتحسس أحوال الناس في المساجد وفي الطرقات دخل المسجد فوقع نظره على ما كان يراه من قبل متفرقين هنا وهنا فقال وهذا من إلهامات الله عز وجل للفاروق رضي الله عنه قال" لو أنا جمعنا هؤلاء وراء إمام واحد " ثم بدا له فيما بعد أن يجمعهم وراء إمام فصلى بهم بل أمر أبيّ بن كعب أن يصلي بهم جماعة واحدة إحدى عشرة ركعة ثم خرج عمر رضي الله عنه في الليلة الثانية أو التي بعدها فلما رآهم هكذا مجتمعين وراء إمام واحد أعجبه ذلك فقال " نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل " فيتشبت بعض الواهين بقول عمر هذا " نعمت البدعة هذه " أنه يوجد إذا في الإسلام بدعة ليس لها أصل فيما مضى من زمن الرسول عليه السلام وحياته . أجاب عن ذلك المحققون من أهل العلم كالإمام الشاطبي في كتابه العظيم الإعتصام الذي ننصح كل طالب علم يريد أن يكون على بينة من هذه القاعدة ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) وأن يتعرف على الشبهات التي يوردها المخالفون والجواب العلمي القوي عليها ننصح كل من يريد هذا أن يقتني هذا الكتاب العظيم الإعتصام للإمام الشاطبي في علم يتفقه حقيقة في ... رحمه الله في كتابه العظيم أيضا وهو المعروف باسم " اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم " فتعرض بمناسبة هذا العنوان العظيم أن الكفار من دأبهم الابتداع في الدين كما قال رب العالمين بالنسبة لرهبانية النصارى (( رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم )) فتعرض ابن تيمية للبدعة في الدين وفصّل القول في ذلك تفصيلا رائعا وكان مما تكلم هو والإمام الشاطبي أن قالوا أن عمر رضي الله عنه في قوله هذا لا يعني البدعة التي أرادها الرسول في القاعدة ( كل بدعة ضلالة ) أي كل بدعة في الدين ضلالة لا يريد عمر هذا المعنى بالذات لم ؟ لأن عمر رضي الله عنه إنما جمع الصحابة على سنة وليس على بدعة والحقيقة أن هذا الأثر يلتقي مع الحديث الأول من سن التقاء تاما من حيث أن الناس الذين أساؤوا فهم الحديث أساؤوا أيضا فهم الأثر وأن الذين أحسنوا فهم الحديث أحسنوا أيضا فهم الأثر وما خرجوا عن المناسبة التي قيل فيها الحديث والمناسبة التي قيل فيها ذاك الأثر ذكرنا آنفا أن في الحديث الصحيح أن الرسول عليه السلام أحيا قيام رمضان جماعة في ثلاث ليال ! فإذا هل يقال في شيء فعله الرسول صلوات الله وسلامه عليه إنه بدعة حاشا لمن هو دون عمر بمراحل أن يتوهم أن قيام الرسول عليه السلام في تلك الليال لا يرفع صبغة أو طبيعة البدعية عن هذه العبادة بل يجزم بأن القيام هذا هو سنة سنها الرسول صلوات الله وسلامه عليه بعمله في هذه الليالي الثلاث فإذا لا يمكن يستحيل أن يعني عمر أن صلاة الصحابة التراويح جماعة بدعة لا أصل لها في الشريعة وهذا أصلها من فعله عليه الصلاة والسلام وأكثر من ذلك إن صلاة القيام في رمضان ثبتت سنيتها بشيء زائد على فعل النبي صلى الله عليه وسلم إياها ذلك أنه جاء في سنن أبي داود مسند الإمام أحمد وغيرهما بالسند القوي من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من صلى العشاء في رمضان ثم قام قيام الليل مع الإمام كتب الله له في تلك الليلة قيام الليل كله " في هذا الحديث فائدة هامة جدا بالنسبة لهذ الموضوع الذي نحن في صدده أي أن هذا الحديث شرع للمسلمين من بعد الرسول عليه السلام أن يجتمعوا في صلاة القيام في رمضان لأنه جعل شريعة أبدية إلى يوم القيامة أن من صلى صلاة الليل في رمضان كتب له كأنما قام الليل كله هذا فإذا ضممنا هذا الحديث القولي إلى ذاك الحديث الفعلي ثبت لدينا يقينا أن صلاة التراويح جماعة مستحيل أن يقول عمر بن الخطاب إنها بدعة بالمعنى الذي يريده هؤلاء المتأولة لأثر عمر هذا أي لم يقل هذه العبادة لم تكن ثم حدثت من بعد ولذلك سماها عمر وأثنى عليها بقوله السابق الذكر هذا باطل .