شرح الحديث الرابع تحت باب البكاء من خشية الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب حفظ
الشيخ : ونحن الآن في فصل الترغيب في البكاء من خشية الله تبارك وتعالى ويقول في الحديث الرابع وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ( عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله ) رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب .
هذا الحديث واضح الدلالة على فضل بكاء الإنسان ليس حزنا ولا شفقة ولا حرصا على مال أو فقد شيء عزيز لديه وإنما كان بكاؤه من خشية الله تبارك وتعالى ذلك لأن مثل هذه الخشية تدل على قوة إيمان صاحبها وإلا فكثير من الناس لا يعرفون البكاء إلا بين الناس فهذا بكاء المنافقين الذين يتصنعون ويتكلفون البكاء فهم ليسوا من الذين يشمهلم هذا الحديث ( عينان لا تمسهما لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله ) . عين بكت من خشية الله كالحديث السابق في الدرس الأسبق الذي فيه ( سبعة يظلهم الله تبارك وتعالى تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله ... ) وذكر منهم ( ... ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه خاليا ) ليس لديه حتى يظن أو حتى هو يبكي بإيحاء الشيطان له وهو لا يحس ولا يشعر ليقال فلان من البكائين من خشية الله تبارك وتعالى فهذا الوهم أو الإيهام من الشيطان للإنسان للبكاء لا يتصور مطلقا حينما يبكي الباكي خاليا ليس لديه أحد . لذلك كان من هؤلاء السبعة الذين يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله كان منهم رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه .
هذا البكاء يصدر من المؤمن الخائف من الله تبارك وتعالى وإلا فلا يتصور البكاء إلا في حالة نادرة يكون هذا البكاء فرحا لكن بالنسبة لمن يذكر الله خاليا فالغالب أنه يكون بكاؤه من خشية الله تبارك وتعالى من خوفه من عذاب ربه فإذا لاحظنا هذه الفضيلة لهذا الباكي من خشية الله عز وجل خاليا تذكرنا أنه ليس من الإسلام في شيء ما ينقل عن رابعة العدوية أنها كانت تناجي ربها فتقول في مناجاتها إياه عز وجل " ما عبدتك طمعا في جنتك ولا خوفا من نارك وإنما عبدتك لأنك تستحق العبادة " فهذا الكلام كلام شعري خيالي ظاهره الرحمة وباطنه العذاب ! ذلك لأن المؤمن الصادق كلما كان إيمانه المتضمن معرفته لله عز وجل قويا كلما ازداد خوفا من الله تبارك وتعالى من جهة وكلما ازداد طمعا ورغبة فيما عند الله عز وجل من نعيم مقيم من جهة أخرى فإنسان نتصور فيه هذا الإيمان القوي لا يمكن أن يصدر منه لا أعبدك طمعا في جنتك ولا خوفا من عذابك لأنه معنى هذا أن المتكلم لم يعرف ربه والإيمان يستلزم المعرفة اما المعرفة فلا تستلزم الإيمان ، كل مؤمن عارف وهذه نقطة يجب عليكم أن تتنبهوا لها حتى لا تتأثروا بكثير من الآراء الفلسفية التي قد تقرأونها في الكتب أوتسمعونها منقولة عنها كل مؤمن فهو عارف بالله عز وجل لكن العكس ليس كذلك ليس كل عارف هو مؤمن ولذلك فمن الأخطاء الشائعة إذا أرادوا مدح رجل عالم فاضل مؤمن بالله عز وجل حق الإيمان وصفوه بأنه العارف بالله ربنا عز وجل وصف الكفار في كثير من المواضع بالمعرفة ولكن ما عندهم إيمان الله عز وجل يقول في حق أهل الكتاب ومعرفتهم بصدق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال فيهم (( يعرفونه كما يعرفون أبناءهم )) ما قال عنهم يؤمنون به لأن المعرفة شيء والإيمان شيء آخر كل مؤمن لا بد أنه عرف ما آمن به لكن ليس كل من عرف شيئا آمن به وهؤلاء هم اليهود والنصارى عرفوا النبي عليه السلام وأنه هو الذي بشر فيه كتبه ومع ذلك كذبوه وما صدقوه ولا آمنوا به كذلك (( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم )) هذا الاسيقان عين المعرفة ولكن لم يقترن معه الإيمان فلم يفدهم شيئا إذن إذا عرف المؤمن ربه بأنه غفور رحيم وأنه شديد العقاب وكانت هذه المعرفة معرفة جازمة آمن بها صاحبها إيمانا جازما لا يمكن هذا الإنسان أن يعبد الله دون أن يطمع فيما عنده من نعيم ودون أن يخشى ما عنده من جحيم لو أن إنسانا عاديا عاش تحت حكم ملك من البشر وكان هذا الملك جبارا بطاشا يظلم الناس لا بد أن يخشاه ويخاف منه لأنه يرى دائما وأبدا ينتقم من الناس من غير حق فهو لعلمه بهذا الواقع يأخذ حذره ويخشاه وبالعكس لو كان هناك ملك كريم سخي يجود على الناس بعطاءه بدون حساب وبدون سؤال لا يمكن أن يعيش الإنسان تحت راية هذا الملك ولا يرغب فيما عنده مجانا طبيعة الإنسان هكذا فماذا يقول بالنسبة لرب العالمين ملك الملوك قلوب الملوك كلها بيده تبارك وتعالى إذا عرفناه أنه غفور رحيم وأنه ذو الفضل العظيم كيف نتصور أننا نؤمن به حق الإيمان ثم لا نطمع فيما عنده تبارك وتعالى من خير ومن فضل و من ثواب ومن جنة عرضها السماوات والأرض هكذا لا يمكن أن يتصور إلا من إنسان إما إنه غير مؤمن أو غافل كذلك إذا عرفناه أنه عزيز ذو انتقام وأنه جبّار كيف نعيش نتعبد الله عز وجل ولا نخافه ولا نخشاه من هنا تفهمون السر في كون الرسول صلى الله عليه و سلم في بعض الأحاديث الصحيحة ( أما إني أخشاكم لله وأتقاكم له ) ، من هنا تفهمون السر في كون الرسول صلى الله عليه و سلم في بعض الأحاديث الصحيحة أما إني أخشاكم لله وأتقاكم لله ومن هنا تعرفون السر في وصف الله عز وجل بعض عباده المصطفين الأخيار بقوله (( يدعوننا رغبا و رهبا )) يطمعون فيما عند الله ويخشون ما عند الله كيف نتصور إنسانا يقوم بحق هذه العبودية التي أثنى بها الله عز وجل على هؤلاء العباد المصطفين الأخيارا كيف نتصور أن فردا منهم يقول ما عبدتك طمعا في جنتك ولا خوفا من عذابك ! هذا كلام ... أو كلام إنسان جاهل أوغير مؤمن بالله عز وجل البحث في هذا طويل لكن هناك نكتة في الأحاديث الصحيحة تفسيرا لمثل قول ربنا تبارك وتعالى (( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة )) جاء في الحديث الصحيح في تفسير (( وزيادة )) ، قال ( هي رؤية الله في الآخرة ) (( للذين أحسنوا الحسنى )) الجنة (( وزيادة )) أي رؤية الله عز وجل في الآخرة وجاء في أحاديث أخرى أن المؤمنين في الجنة حينما ينظرون إلى ربهم تبارك وتعالى ينسون كل نعيم رأوه وأحسوا به في جنة ربهم تبارك وتعالى حينذاك كيف نتصور إنسانا مؤمنا وعالما بمثل هذه النصوص وغيرها يعرف أن في الجنة رؤية الله عز وجل كيف يقول ما عبدتك طمعا في جنتك وهو يعلم أنه لا سبيل لرؤية الله عز وجل إلا في الجنة لهذا وهذا وكثير مما لم يذكر لا بد للمؤمن حقا أن يخشى الله عز وجل كما جاء في هذا الحديث ( عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله ... ) فهذا البكاء إنما هو أثر لهذا الإيمان المتسلط على هذا الباكي وهذا لا يكون إلا بمعرفته لربه عز وجل و فهمه لصفاته التي اتصف بها ربنا تبارك وتعالى .
بقي بيان بسيط للجملة الثانية وهي قوله عليه السلام ( وعين حرست في سبيل الله ) يجب أن نتذكر أن هذه الجملة مضاف ومضاف إليه ( سبيل الله ) إذا أطلقت في القرآن الكريم وفي الأحاديث الصحيحة يجب أن تفسر في الجهاد في سبيل الله يعني في القتال في سبيل الله ، أقول هذا لأسباب منها أن هذه الجملة أحيانا تأتي لمعنى أعم من ذلك في سبيل الله تأتي أحيانا لمعنى أكثر من القتال في سبيل الله قتال الكفار أن يعمل الإنسان عملا لله عز وجل أي عمل كان حتى ولو كان في سبيل الضرب في الأرض والسفر من أجل الحصول على رزقه وعلى رزق عياله وأطفاله من طريق الحلال هذا أيضا يطلق عليه أحيانا في الشرع " في سبيل الله " لكن يكون هناك قرينة كمثل الحديث الذي رواه الطبراني وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالسا يوما وحوله أصحابه حينما مر بهم رجل شاب جلد صاحب قوة وفتوة أعجب الصحابة به حينما رأوه فتمنوا أن يكون ذلك في سبيل الله إيش معنى قولهم في سبيل الله ؟ الأصل الجهاد في سبيل الله فقال لهم عليه الصلاة والسلام ( إن كان هذا خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين له وعلى أطفال صغار له فهو في سبيل الله ) في هذه الجملة بينت لنا أن الرسول عليه السلام عنى هنا في سبيل الله المعنى العام لكن لأنه وجدت هذه القرينة جواب الرسول على الصحابة لو كان هذا في سبيل الله فوضح لنا أنه عنى أن هذا الإنطلاق في السعي وراء الرزق على أبويه وعلى أولاده وعلى نفسه أيضا فهو في سبيل الله فإن بهذه المناسبة أنه في سبيل الله يعني في مرضاة الله فهو بمعنى أعم مما يأتي عادة في مثل هذا النص وفي غيره ومن ذلك قول الصحابة لوكان هذا في سبيل الله إذا حينما تردنا أو ترد أمامنا مثل هذه الجملة ماهو المعنى الذي ينبغي أن نستفيده منها أهو المعنى الأعم أم المعنى الخاص؟ المعنى الخاص في سبيل الله يعني في جهاد يعني في قتال الكفار في سبيل الله عز و جل، والواقع أني أهدف من وراء هذا البيان إلى لفت النظر إلى تفسير حديث والأحسن أن أقول إلى تفسير محدث أي مبتدع في تفسير آية مصاريف الزكاة (( إنما الصدقات للفقراء ... )) إلى آخر الآية وفي آخرها وفي سبيل الله فكيف نفسر هذه الجملة وكيف نفهم هذا المصرف في سبيل الله عرفتم القاعدة عند الإطلاق أي الجهاد في سبيل الله عز وجل ولا يجوز التعميم إلا لقرينة كقصة ذاك الشاب الجلد القوي إلى آخره .
هنا لا توجد قرينة مطلقا بل القرينة في نفس الآية بل قرائن في الآية نفسها تؤكد أن قوله تعالى في سبيل الله هنا على القاعدة أي الجهاد في سبيل الله لماذا ؟ لأن الله عز وجل صدّر هذه المصارف بقوله (( إنما )) أداة حصر ، كأنه يقول مصارف الزكاة محصورة في هذه الأنواع الثمانية ثم سردها واحدة بعد أخرى فلو فسرنا الآية (( في سبيل الله )) بالمعنى العام لألغينا هذا الحصر ولم يكن هناك فائدة من العد واحد ثلاثة أربعة ثمانية ، لأن سبيل الله يدخل في هذا المعنى لو كان المقصود به المعنى العام يشمل الأنواع السبعة ، وسبعين وسبعمائة ما شئتم يعني كل سبل الخير تدخل في سبيل الله حينذلك عطلنا دلالة القرآن وفصاحة القرآن إنما الصدقات للفقراء . ولما زين لبعض المعاصرين اليوم بأمر نعرفه أن يفسر هذا النص بالمعنى الأعم والأشمل سواء انتبهوا لهذا المحضور الذي ذكرنا به أو ما نتبهوا فعلوا ذلك لكي يظهروا الإسلام بمظهر يستحسنه و ... الكفار هؤلاء الأروبيون الذين اغتر بهم كثير من الكتاب المسلمين وشغفوا في دراستهم ومدنيتهم وتأثر كثير من هؤلاء الكتاب الإسلاممين بحضارتهم واعتبروا المسلمين متأخرين فعلا ، الكفار يسموننا رجعيين وهم معهم بتعبير ألطف متخلفين .في ماذا المسلمون متخلفون فيما ينفعهم في ديناهم هذا بلا شك وحينما ننقم على هؤلاء الناس أن يسموا المسلمين بالمتخلفين والمتأخرين لا نعني أنه ينبغي أن يظل المسلمون هكذا ولكن نعني أن الخطر الأكبر الذي ألمّ بالمسلمين اليوم ليس هو هذا التخلف الحضاري المدني الأوربي وإنما هو التأخر عن العمل بكتاب الله وبحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا التأخر أو هذا التخلف الحقيقي عن العمل بالشرع على ضوء الكتاب والسنة هو الذي يفسح المجال لبعض الكتاب الإسلاميين أن يهتموا بكلام الأوروبين وآراءهم في دينهم الإسلامي فما استحسنوه أولئك يستحسنوه هؤلاء فإذالم يجدوا نصا صريحا فيما يرغبهم ... الكفار حاولوا أن يتأولوا نصا ليس صريحا فيما يريدون ليظهرو للأوروبيين انظروا إلى ديننا هذه الآية لها ارتبط وثيق بما يسمونه بالضمان الاجتماعي وتحقيق العدالة الاجتماعية فيقولون ههو الإسلام فرض نصيبا معينا واجبا يأثم من لا يقوم به أن ينفق ماله في كل سبل الخير ، فالمدرسة مثلا التي بلا شك يحافظ الإسلام عليها لكن مو على حساب هذه المصارف الثمانية هم أدخلوا بناء المدراس من باب أولى أدخلوا بناء المساجد بل أدخلوا في هذه الآية تعبيد الطريق وإقامة الجسور وما شابه ذلك من المرافق العامة كل هذا ليظهروا أمام الناس بأن الإسلام قد أمر بهذه الأشياء أمرا تعبديا دينيا والإسلام بلا شك يأمر بذلك لكن لا نريد أن نخلط باب التطوع بباب الفريضة ولا نريد أن نفسر القرآن بمالم يفسره السلف الصالح فهنا الآية في سبيل الله كقوله تعالى (( وفي سبيل الله )) ، كقوله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث ( وعين حرست في سبيل الله ) ومن هنا ألفت النظر إلى أنه كما لا يحسن التوسع في الآية السابقة في تفسير وفي سبيل الله كما ذكرنا كذلك لا يحسن التوسع كما سمعت من بعض الشباب المسلم في تفسير وفي سبيل الله في الحديث بمعنى أن طائفة من الشباب من الكشافة مثلا كما اصطلحوا اليوم ولا أرى هذا الاصطلاح لأنه أجنبي خرجوا لرحلة وخططوا أن يقيموا مثلا ليالي معدودة في العراء فمن باب التمرن - ولا بأس - على الجهاد الذي أغلق سبيله مع الأسف على المسلمين جميعا لأسباب معروفة غير مجهولة فهم يريدون أن يتمرنوا على مثل هذه المقدمات ... البسيطة التي تتقدم الجهاد الحقيقي في سبيل الله عز وجل فينصبون الخيام ويقيمون حراسا هذا كله حسن لا يفهنّ أحدا استنكاري لذلك لكن هذا الحارس الذي يقوم ويحرس إخوانه من باب التمرن هذا لا يدخل في هذا الحديث هو خير هو تمرن هواستعداد مثل حمل الأثقال والركض وما شابه ذلك فهذا كلهمقدمات بتقوية يدن الإنسان المسلم ليكون كما ينبغي حينما يتحقق الجهاد في سبيل الله لكن هذا الحديث ( وعين حرست في سبيل الله ) إنما تعني الحراسة في الجهاد في سبيل الله عز وجل كحراسة ذاك الرجل الصحابي المجاهد حقا الذي وكّله الرسول عليه السلام لحراسة الجيش وفيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما نزلوا في واد بعد معركة قاتلوا فيها جماعة من المشركين في بلدتهم في قريتهم وكانوا أصابوا في هجومهم على القرية امرأة كان زوجها غائبا عن القرية فلما جاء وأخبر الخبر بأن زوجتك قتلها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم تتبع آثار الجيش المسلم حتى أدرك الجيش الظلام والمساء في واد فنزلوا فيه فقال عليه الصلاة والسلام تطبيقا لنظام الحراسة الليلية ( من يكلؤنا الليلة ) من يحرسنا الليلة فقام شابان من الأنصار أحدهما من الأوس والآخر من الخزرج قالا نحن يا رسول الله قال لهما ( كونا على فم الشعب ) طريق الجبل فانطلقا ويبدو أنهما اتفقا على الحراسة مناوبة نصف الليل هذا والنصف الثاني آخر فوضع أحدهما جنبه هناك وقام الآخر يحرس ثم بدا له أن يضم إلى حراسته هذه في سبيل الله عبادة أخرى لعلها من نوع ( و رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ) فكأنه قال أنا أحرس أستطيع أن أجمع حراستي عبادتي وصلاتي لربي فانتصب قائما يصلي وكان المشرك حينما تتبع الأثر يترقب فرصة تسمح له ليأخذ بثأر زوجته وإذا به يرى هذا الرجل الصحابي الجليل يقف منتصبا يصلي فما كان منه إلا أن أخرج من كنانته حربة فرماه بها فوضعها في ساقه هكذا يعبر الراوي وهو جابر بن عبد الله الأنصاري يقول فوضعها في ساقه وهذا مبالغة في دقة الرماية كأنه وضعها وضعا مش رماها رمية فما كان من هذا الصحابي المتعبد إلا أن أخذها و رماها أرضا وكأنه ينزع من بدنه شوكة فاستمر يصلي فلما رآه المشرك أن الرجل لا يزال قائما عرف أنه لم يصب منه مقتلا فرماه بالثانية فوضعها في ساقه فرماها أرضا وهكذا ثلاث مرات من ثلاث ... في كل مرة يصيبه في مكان في الساق أخيرا يقول الراوي إما استيقظ صاحبه النائم وإما هو صلى ركعتين وأيقظه ... ما بصاحبه من جراح قال ماهذا قال لقد كنت في سورة أقرأها والذي نفسي بيده لو لا أني أني خشيت أن أضيع ثغرا وضعني رسول الله صلى الله عليه وسلم على حراسته لكانت نفسي فيها يعني هذا رجل قام يصلي فلما ضربه ورماه ثلاث رميات كان هو يتمنى أن يستمر في صلاته ويستمر المشرك في رميه حتى يكون هلاكه في هذه الصلاة ولا يبالي بالموت للذة المناجاة وحلاوة دعائه ووقوفه بين يدي الله تبارك و تعالى لا يبالي بالموت ولكنه يتذكر أن الرسول عليه السلام قد أقامه على وظيفة على حراسة الجيش النائم الراجع من الجهاد تعبا ولذلك فهو لا يريد أن يضيع وظيفة أمره الرسول عليه السلام بالقيام عليها في سبيل إشباع ماذا نسمي هذه الرغبة الروحية السامية ولو أن يموت ويستمر المشرك في رميته لا . عليه أن يقنع بالمقدار الماضي من حلاوة مناجاة ليبقى حيا حتى يؤدي ما أمره الرسول عليه السلام بوظيفة tلذلك قال لو لا أني خشيت أني أضيع ثغرا وضعني رسول الله لحراسته لكانت نفسي أي هلاك نفسي في هذه الصلاة هذه هي الحراسة في سبيل الله عز وجل التي هي النوع الثاني من النوعين المذكورين في الحديث ممن لا تمسهما النار ( عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله ) ولئن كان قد فاتنا أن نkال النوع الثاني من الحراسة في سبيل الله بالمعنى الحقيقي الذي فسرناه آنفا فلا يفوتنّ أحدا منا أن ننال النوع الأول وهو البكاء خاليا من خشية الله تبارك وتعالى نرجوا الله عز وجل أن نكون من الخاشعين المخلصين لرب العالمين والحمد لله وحده والصلاة على من لا نبي بعده .
هذا الحديث واضح الدلالة على فضل بكاء الإنسان ليس حزنا ولا شفقة ولا حرصا على مال أو فقد شيء عزيز لديه وإنما كان بكاؤه من خشية الله تبارك وتعالى ذلك لأن مثل هذه الخشية تدل على قوة إيمان صاحبها وإلا فكثير من الناس لا يعرفون البكاء إلا بين الناس فهذا بكاء المنافقين الذين يتصنعون ويتكلفون البكاء فهم ليسوا من الذين يشمهلم هذا الحديث ( عينان لا تمسهما لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله ) . عين بكت من خشية الله كالحديث السابق في الدرس الأسبق الذي فيه ( سبعة يظلهم الله تبارك وتعالى تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله ... ) وذكر منهم ( ... ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه خاليا ) ليس لديه حتى يظن أو حتى هو يبكي بإيحاء الشيطان له وهو لا يحس ولا يشعر ليقال فلان من البكائين من خشية الله تبارك وتعالى فهذا الوهم أو الإيهام من الشيطان للإنسان للبكاء لا يتصور مطلقا حينما يبكي الباكي خاليا ليس لديه أحد . لذلك كان من هؤلاء السبعة الذين يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله كان منهم رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه .
هذا البكاء يصدر من المؤمن الخائف من الله تبارك وتعالى وإلا فلا يتصور البكاء إلا في حالة نادرة يكون هذا البكاء فرحا لكن بالنسبة لمن يذكر الله خاليا فالغالب أنه يكون بكاؤه من خشية الله تبارك وتعالى من خوفه من عذاب ربه فإذا لاحظنا هذه الفضيلة لهذا الباكي من خشية الله عز وجل خاليا تذكرنا أنه ليس من الإسلام في شيء ما ينقل عن رابعة العدوية أنها كانت تناجي ربها فتقول في مناجاتها إياه عز وجل " ما عبدتك طمعا في جنتك ولا خوفا من نارك وإنما عبدتك لأنك تستحق العبادة " فهذا الكلام كلام شعري خيالي ظاهره الرحمة وباطنه العذاب ! ذلك لأن المؤمن الصادق كلما كان إيمانه المتضمن معرفته لله عز وجل قويا كلما ازداد خوفا من الله تبارك وتعالى من جهة وكلما ازداد طمعا ورغبة فيما عند الله عز وجل من نعيم مقيم من جهة أخرى فإنسان نتصور فيه هذا الإيمان القوي لا يمكن أن يصدر منه لا أعبدك طمعا في جنتك ولا خوفا من عذابك لأنه معنى هذا أن المتكلم لم يعرف ربه والإيمان يستلزم المعرفة اما المعرفة فلا تستلزم الإيمان ، كل مؤمن عارف وهذه نقطة يجب عليكم أن تتنبهوا لها حتى لا تتأثروا بكثير من الآراء الفلسفية التي قد تقرأونها في الكتب أوتسمعونها منقولة عنها كل مؤمن فهو عارف بالله عز وجل لكن العكس ليس كذلك ليس كل عارف هو مؤمن ولذلك فمن الأخطاء الشائعة إذا أرادوا مدح رجل عالم فاضل مؤمن بالله عز وجل حق الإيمان وصفوه بأنه العارف بالله ربنا عز وجل وصف الكفار في كثير من المواضع بالمعرفة ولكن ما عندهم إيمان الله عز وجل يقول في حق أهل الكتاب ومعرفتهم بصدق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال فيهم (( يعرفونه كما يعرفون أبناءهم )) ما قال عنهم يؤمنون به لأن المعرفة شيء والإيمان شيء آخر كل مؤمن لا بد أنه عرف ما آمن به لكن ليس كل من عرف شيئا آمن به وهؤلاء هم اليهود والنصارى عرفوا النبي عليه السلام وأنه هو الذي بشر فيه كتبه ومع ذلك كذبوه وما صدقوه ولا آمنوا به كذلك (( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم )) هذا الاسيقان عين المعرفة ولكن لم يقترن معه الإيمان فلم يفدهم شيئا إذن إذا عرف المؤمن ربه بأنه غفور رحيم وأنه شديد العقاب وكانت هذه المعرفة معرفة جازمة آمن بها صاحبها إيمانا جازما لا يمكن هذا الإنسان أن يعبد الله دون أن يطمع فيما عنده من نعيم ودون أن يخشى ما عنده من جحيم لو أن إنسانا عاديا عاش تحت حكم ملك من البشر وكان هذا الملك جبارا بطاشا يظلم الناس لا بد أن يخشاه ويخاف منه لأنه يرى دائما وأبدا ينتقم من الناس من غير حق فهو لعلمه بهذا الواقع يأخذ حذره ويخشاه وبالعكس لو كان هناك ملك كريم سخي يجود على الناس بعطاءه بدون حساب وبدون سؤال لا يمكن أن يعيش الإنسان تحت راية هذا الملك ولا يرغب فيما عنده مجانا طبيعة الإنسان هكذا فماذا يقول بالنسبة لرب العالمين ملك الملوك قلوب الملوك كلها بيده تبارك وتعالى إذا عرفناه أنه غفور رحيم وأنه ذو الفضل العظيم كيف نتصور أننا نؤمن به حق الإيمان ثم لا نطمع فيما عنده تبارك وتعالى من خير ومن فضل و من ثواب ومن جنة عرضها السماوات والأرض هكذا لا يمكن أن يتصور إلا من إنسان إما إنه غير مؤمن أو غافل كذلك إذا عرفناه أنه عزيز ذو انتقام وأنه جبّار كيف نعيش نتعبد الله عز وجل ولا نخافه ولا نخشاه من هنا تفهمون السر في كون الرسول صلى الله عليه و سلم في بعض الأحاديث الصحيحة ( أما إني أخشاكم لله وأتقاكم له ) ، من هنا تفهمون السر في كون الرسول صلى الله عليه و سلم في بعض الأحاديث الصحيحة أما إني أخشاكم لله وأتقاكم لله ومن هنا تعرفون السر في وصف الله عز وجل بعض عباده المصطفين الأخيار بقوله (( يدعوننا رغبا و رهبا )) يطمعون فيما عند الله ويخشون ما عند الله كيف نتصور إنسانا يقوم بحق هذه العبودية التي أثنى بها الله عز وجل على هؤلاء العباد المصطفين الأخيارا كيف نتصور أن فردا منهم يقول ما عبدتك طمعا في جنتك ولا خوفا من عذابك ! هذا كلام ... أو كلام إنسان جاهل أوغير مؤمن بالله عز وجل البحث في هذا طويل لكن هناك نكتة في الأحاديث الصحيحة تفسيرا لمثل قول ربنا تبارك وتعالى (( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة )) جاء في الحديث الصحيح في تفسير (( وزيادة )) ، قال ( هي رؤية الله في الآخرة ) (( للذين أحسنوا الحسنى )) الجنة (( وزيادة )) أي رؤية الله عز وجل في الآخرة وجاء في أحاديث أخرى أن المؤمنين في الجنة حينما ينظرون إلى ربهم تبارك وتعالى ينسون كل نعيم رأوه وأحسوا به في جنة ربهم تبارك وتعالى حينذاك كيف نتصور إنسانا مؤمنا وعالما بمثل هذه النصوص وغيرها يعرف أن في الجنة رؤية الله عز وجل كيف يقول ما عبدتك طمعا في جنتك وهو يعلم أنه لا سبيل لرؤية الله عز وجل إلا في الجنة لهذا وهذا وكثير مما لم يذكر لا بد للمؤمن حقا أن يخشى الله عز وجل كما جاء في هذا الحديث ( عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله ... ) فهذا البكاء إنما هو أثر لهذا الإيمان المتسلط على هذا الباكي وهذا لا يكون إلا بمعرفته لربه عز وجل و فهمه لصفاته التي اتصف بها ربنا تبارك وتعالى .
بقي بيان بسيط للجملة الثانية وهي قوله عليه السلام ( وعين حرست في سبيل الله ) يجب أن نتذكر أن هذه الجملة مضاف ومضاف إليه ( سبيل الله ) إذا أطلقت في القرآن الكريم وفي الأحاديث الصحيحة يجب أن تفسر في الجهاد في سبيل الله يعني في القتال في سبيل الله ، أقول هذا لأسباب منها أن هذه الجملة أحيانا تأتي لمعنى أعم من ذلك في سبيل الله تأتي أحيانا لمعنى أكثر من القتال في سبيل الله قتال الكفار أن يعمل الإنسان عملا لله عز وجل أي عمل كان حتى ولو كان في سبيل الضرب في الأرض والسفر من أجل الحصول على رزقه وعلى رزق عياله وأطفاله من طريق الحلال هذا أيضا يطلق عليه أحيانا في الشرع " في سبيل الله " لكن يكون هناك قرينة كمثل الحديث الذي رواه الطبراني وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالسا يوما وحوله أصحابه حينما مر بهم رجل شاب جلد صاحب قوة وفتوة أعجب الصحابة به حينما رأوه فتمنوا أن يكون ذلك في سبيل الله إيش معنى قولهم في سبيل الله ؟ الأصل الجهاد في سبيل الله فقال لهم عليه الصلاة والسلام ( إن كان هذا خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين له وعلى أطفال صغار له فهو في سبيل الله ) في هذه الجملة بينت لنا أن الرسول عليه السلام عنى هنا في سبيل الله المعنى العام لكن لأنه وجدت هذه القرينة جواب الرسول على الصحابة لو كان هذا في سبيل الله فوضح لنا أنه عنى أن هذا الإنطلاق في السعي وراء الرزق على أبويه وعلى أولاده وعلى نفسه أيضا فهو في سبيل الله فإن بهذه المناسبة أنه في سبيل الله يعني في مرضاة الله فهو بمعنى أعم مما يأتي عادة في مثل هذا النص وفي غيره ومن ذلك قول الصحابة لوكان هذا في سبيل الله إذا حينما تردنا أو ترد أمامنا مثل هذه الجملة ماهو المعنى الذي ينبغي أن نستفيده منها أهو المعنى الأعم أم المعنى الخاص؟ المعنى الخاص في سبيل الله يعني في جهاد يعني في قتال الكفار في سبيل الله عز و جل، والواقع أني أهدف من وراء هذا البيان إلى لفت النظر إلى تفسير حديث والأحسن أن أقول إلى تفسير محدث أي مبتدع في تفسير آية مصاريف الزكاة (( إنما الصدقات للفقراء ... )) إلى آخر الآية وفي آخرها وفي سبيل الله فكيف نفسر هذه الجملة وكيف نفهم هذا المصرف في سبيل الله عرفتم القاعدة عند الإطلاق أي الجهاد في سبيل الله عز وجل ولا يجوز التعميم إلا لقرينة كقصة ذاك الشاب الجلد القوي إلى آخره .
هنا لا توجد قرينة مطلقا بل القرينة في نفس الآية بل قرائن في الآية نفسها تؤكد أن قوله تعالى في سبيل الله هنا على القاعدة أي الجهاد في سبيل الله لماذا ؟ لأن الله عز وجل صدّر هذه المصارف بقوله (( إنما )) أداة حصر ، كأنه يقول مصارف الزكاة محصورة في هذه الأنواع الثمانية ثم سردها واحدة بعد أخرى فلو فسرنا الآية (( في سبيل الله )) بالمعنى العام لألغينا هذا الحصر ولم يكن هناك فائدة من العد واحد ثلاثة أربعة ثمانية ، لأن سبيل الله يدخل في هذا المعنى لو كان المقصود به المعنى العام يشمل الأنواع السبعة ، وسبعين وسبعمائة ما شئتم يعني كل سبل الخير تدخل في سبيل الله حينذلك عطلنا دلالة القرآن وفصاحة القرآن إنما الصدقات للفقراء . ولما زين لبعض المعاصرين اليوم بأمر نعرفه أن يفسر هذا النص بالمعنى الأعم والأشمل سواء انتبهوا لهذا المحضور الذي ذكرنا به أو ما نتبهوا فعلوا ذلك لكي يظهروا الإسلام بمظهر يستحسنه و ... الكفار هؤلاء الأروبيون الذين اغتر بهم كثير من الكتاب المسلمين وشغفوا في دراستهم ومدنيتهم وتأثر كثير من هؤلاء الكتاب الإسلاممين بحضارتهم واعتبروا المسلمين متأخرين فعلا ، الكفار يسموننا رجعيين وهم معهم بتعبير ألطف متخلفين .في ماذا المسلمون متخلفون فيما ينفعهم في ديناهم هذا بلا شك وحينما ننقم على هؤلاء الناس أن يسموا المسلمين بالمتخلفين والمتأخرين لا نعني أنه ينبغي أن يظل المسلمون هكذا ولكن نعني أن الخطر الأكبر الذي ألمّ بالمسلمين اليوم ليس هو هذا التخلف الحضاري المدني الأوربي وإنما هو التأخر عن العمل بكتاب الله وبحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا التأخر أو هذا التخلف الحقيقي عن العمل بالشرع على ضوء الكتاب والسنة هو الذي يفسح المجال لبعض الكتاب الإسلاميين أن يهتموا بكلام الأوروبين وآراءهم في دينهم الإسلامي فما استحسنوه أولئك يستحسنوه هؤلاء فإذالم يجدوا نصا صريحا فيما يرغبهم ... الكفار حاولوا أن يتأولوا نصا ليس صريحا فيما يريدون ليظهرو للأوروبيين انظروا إلى ديننا هذه الآية لها ارتبط وثيق بما يسمونه بالضمان الاجتماعي وتحقيق العدالة الاجتماعية فيقولون ههو الإسلام فرض نصيبا معينا واجبا يأثم من لا يقوم به أن ينفق ماله في كل سبل الخير ، فالمدرسة مثلا التي بلا شك يحافظ الإسلام عليها لكن مو على حساب هذه المصارف الثمانية هم أدخلوا بناء المدراس من باب أولى أدخلوا بناء المساجد بل أدخلوا في هذه الآية تعبيد الطريق وإقامة الجسور وما شابه ذلك من المرافق العامة كل هذا ليظهروا أمام الناس بأن الإسلام قد أمر بهذه الأشياء أمرا تعبديا دينيا والإسلام بلا شك يأمر بذلك لكن لا نريد أن نخلط باب التطوع بباب الفريضة ولا نريد أن نفسر القرآن بمالم يفسره السلف الصالح فهنا الآية في سبيل الله كقوله تعالى (( وفي سبيل الله )) ، كقوله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث ( وعين حرست في سبيل الله ) ومن هنا ألفت النظر إلى أنه كما لا يحسن التوسع في الآية السابقة في تفسير وفي سبيل الله كما ذكرنا كذلك لا يحسن التوسع كما سمعت من بعض الشباب المسلم في تفسير وفي سبيل الله في الحديث بمعنى أن طائفة من الشباب من الكشافة مثلا كما اصطلحوا اليوم ولا أرى هذا الاصطلاح لأنه أجنبي خرجوا لرحلة وخططوا أن يقيموا مثلا ليالي معدودة في العراء فمن باب التمرن - ولا بأس - على الجهاد الذي أغلق سبيله مع الأسف على المسلمين جميعا لأسباب معروفة غير مجهولة فهم يريدون أن يتمرنوا على مثل هذه المقدمات ... البسيطة التي تتقدم الجهاد الحقيقي في سبيل الله عز وجل فينصبون الخيام ويقيمون حراسا هذا كله حسن لا يفهنّ أحدا استنكاري لذلك لكن هذا الحارس الذي يقوم ويحرس إخوانه من باب التمرن هذا لا يدخل في هذا الحديث هو خير هو تمرن هواستعداد مثل حمل الأثقال والركض وما شابه ذلك فهذا كلهمقدمات بتقوية يدن الإنسان المسلم ليكون كما ينبغي حينما يتحقق الجهاد في سبيل الله لكن هذا الحديث ( وعين حرست في سبيل الله ) إنما تعني الحراسة في الجهاد في سبيل الله عز وجل كحراسة ذاك الرجل الصحابي المجاهد حقا الذي وكّله الرسول عليه السلام لحراسة الجيش وفيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما نزلوا في واد بعد معركة قاتلوا فيها جماعة من المشركين في بلدتهم في قريتهم وكانوا أصابوا في هجومهم على القرية امرأة كان زوجها غائبا عن القرية فلما جاء وأخبر الخبر بأن زوجتك قتلها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم تتبع آثار الجيش المسلم حتى أدرك الجيش الظلام والمساء في واد فنزلوا فيه فقال عليه الصلاة والسلام تطبيقا لنظام الحراسة الليلية ( من يكلؤنا الليلة ) من يحرسنا الليلة فقام شابان من الأنصار أحدهما من الأوس والآخر من الخزرج قالا نحن يا رسول الله قال لهما ( كونا على فم الشعب ) طريق الجبل فانطلقا ويبدو أنهما اتفقا على الحراسة مناوبة نصف الليل هذا والنصف الثاني آخر فوضع أحدهما جنبه هناك وقام الآخر يحرس ثم بدا له أن يضم إلى حراسته هذه في سبيل الله عبادة أخرى لعلها من نوع ( و رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ) فكأنه قال أنا أحرس أستطيع أن أجمع حراستي عبادتي وصلاتي لربي فانتصب قائما يصلي وكان المشرك حينما تتبع الأثر يترقب فرصة تسمح له ليأخذ بثأر زوجته وإذا به يرى هذا الرجل الصحابي الجليل يقف منتصبا يصلي فما كان منه إلا أن أخرج من كنانته حربة فرماه بها فوضعها في ساقه هكذا يعبر الراوي وهو جابر بن عبد الله الأنصاري يقول فوضعها في ساقه وهذا مبالغة في دقة الرماية كأنه وضعها وضعا مش رماها رمية فما كان من هذا الصحابي المتعبد إلا أن أخذها و رماها أرضا وكأنه ينزع من بدنه شوكة فاستمر يصلي فلما رآه المشرك أن الرجل لا يزال قائما عرف أنه لم يصب منه مقتلا فرماه بالثانية فوضعها في ساقه فرماها أرضا وهكذا ثلاث مرات من ثلاث ... في كل مرة يصيبه في مكان في الساق أخيرا يقول الراوي إما استيقظ صاحبه النائم وإما هو صلى ركعتين وأيقظه ... ما بصاحبه من جراح قال ماهذا قال لقد كنت في سورة أقرأها والذي نفسي بيده لو لا أني أني خشيت أن أضيع ثغرا وضعني رسول الله صلى الله عليه وسلم على حراسته لكانت نفسي فيها يعني هذا رجل قام يصلي فلما ضربه ورماه ثلاث رميات كان هو يتمنى أن يستمر في صلاته ويستمر المشرك في رميه حتى يكون هلاكه في هذه الصلاة ولا يبالي بالموت للذة المناجاة وحلاوة دعائه ووقوفه بين يدي الله تبارك و تعالى لا يبالي بالموت ولكنه يتذكر أن الرسول عليه السلام قد أقامه على وظيفة على حراسة الجيش النائم الراجع من الجهاد تعبا ولذلك فهو لا يريد أن يضيع وظيفة أمره الرسول عليه السلام بالقيام عليها في سبيل إشباع ماذا نسمي هذه الرغبة الروحية السامية ولو أن يموت ويستمر المشرك في رميته لا . عليه أن يقنع بالمقدار الماضي من حلاوة مناجاة ليبقى حيا حتى يؤدي ما أمره الرسول عليه السلام بوظيفة tلذلك قال لو لا أني خشيت أني أضيع ثغرا وضعني رسول الله لحراسته لكانت نفسي أي هلاك نفسي في هذه الصلاة هذه هي الحراسة في سبيل الله عز وجل التي هي النوع الثاني من النوعين المذكورين في الحديث ممن لا تمسهما النار ( عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله ) ولئن كان قد فاتنا أن نkال النوع الثاني من الحراسة في سبيل الله بالمعنى الحقيقي الذي فسرناه آنفا فلا يفوتنّ أحدا منا أن ننال النوع الأول وهو البكاء خاليا من خشية الله تبارك وتعالى نرجوا الله عز وجل أن نكون من الخاشعين المخلصين لرب العالمين والحمد لله وحده والصلاة على من لا نبي بعده .