شرح حديث مطرف عن أبيه رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الرحى من البكاء رواه أبو داود والنسائي ولفظه :رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل يعني يبكي ورواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما نحو رواية النسائي إلا أن ابن خزيمة قال ولصدره أزيز كأزيز الرحى وحديث علي رضي الله عنه قال ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح رواه ابن خزيمة في صحيحه حفظ
الشيخ : نتابع قراءة ما تيسر من بعض الأحاديث المتعلقة بالترغيب في خشية الله تبارك وتعالى والخوف منه من كتابنا الترغيب والترهيب حسب النظام والقاعدة التي جرينا عليها منذ بدأنا هذا الكتاب ألا وهو اختيار الأحاديث الثابتة من كتاب الترغيب و الترهيب على قواعد علماء الحديث ، من ذلك قوله عن مطرف عن أبيه رضي الله عنه قال " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الرحى من البكاء " ، مطرف يروى هذا الحديث عن أبيه وهو عبد الله بن الشخير يقول هذا الصحابي الجليل " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وفي صدره أزيز " أي صوت كأزيز الرحى كصوت الطاحون الصغيرة ... لها أنين وأزيز فهذا الصحابي يصف أنين الرسول عليه السلام وبكاءه في الصلاة خوفا من الله تبارك وتعالى بأزيز الرحى من البكاء في لفظ آخر يأتي كأزيز المرجل والمعنى واحد .
يقول في تخريجه رواه أبو داود واللفظ له والنسائي وابن خزيمة وابن حبان صحيحه وقال بعضهم أي بعض هؤلاء المخرجين لهذا الحديث " ولجوفه أزيز كأزيز المرجل " أي القدر حينما يغلي ماؤه فيه قوله يفسر غريب الحديث فيقول أزيز كأزيز الرحى أي صوت كصوت الرحى يقال أزت الرحى إذا صوتت والمرجل القدر ومعناه أن لجوفه خنينا كصوت غليان القدر إذا اشتد .
ونحو هذا الحديث قوله رضي الله عنه قال " ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح " رواه ابن خزيمة في صحيحه .
في هذين الحديثين دلالة واضحة على أن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يبكي في صلاته خوفا من ربه وطمعا فيما عنده تبارك وتعالى من النعيم المقيم وليس في هذا شيء جديد فيما أعتقد على أكثر الحاضرين هنا فإن بكاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في صلاته أمر طبيعي جدا لأنه كما قال في غير ما حديث ( إني أخشاكم لله وأتقاكم لله ) ومعنى هذا وذاك أن المسلم كلما ازداد خوفا من الله تبارك وتعالى وخشوعا بين يديه كلما ازداد تقربا إلى الله عز وجل ومعرفة به وكلما قسى قلب الإنسان وجمد الدمع في عينه ولم يسل خوفا من ربه كان ذلك دليلا على بعده من ربه وقساوة قلبه .
لذلك جاء في صحيح البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ( لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاو لبكيتم كثيرا ) فإذا البكاء الكثير هو من صفات المؤمنين الصادقين وكدت أقول العارفين بالله لكن هذه لفظة صوفية لا تعطي المعنى الشرعي وهو العلم بالله تبارك و تعالى للسبب الذي كنت فصلته لكم مرة أن المعرفة شيء والعلم اليقيني شيء آخر .
فقد يجتمع الكفر و المعرفة ولذلك فوصف المسلم بأنه من العارفين بالله هذا وصف قاصر بغض النظر عن قصد المتكلم تكلم فكلما ازداد المسلم خوفا من الله تبارك وتعالى كلما ازداد بكاءه لذلك قال عليه السلام مخاطبا أمته ( لو تعلمون ما أعلم لضحتكم قليلا ولبكيتم كثيرا ) أي أن الرسول عليه السلام يبكي كثيرا فلماذا يبكي ؟ هذا له صلة ببحث كنت طرقته في بعض المناسبات تتعلق بتلك الجملة المروية عن رابعة العدوية ولا يهمنا صحة نسبة هذه الجملة إليها أو لا تصح لأنني أناقش الفكر والمعنى الذي تضمنته هذه الجملة وهو هذا المعنى الذي يتبناه كثير من غلاة المتصوفة وهم الذين يلهجون برواية هذه الجملة عن رابعة العدوية ... وهي التي تزعم أنها كانت تقول في مناجاتها لربها تبارك وتعالى " ربي ما عبدتك طمعا في جنتك ولا خوفا من نارك وإنما عبدتك لأنك تستحق العبادة " ، هذا الإنسان الذي يقول هذ الكلام مهما كان قائله فهو شخص لا يعلم ما عند الله عز وحل من نعيم مقيم ولا ما عنده من عذاب أليم بل هو لا يعلم أن أكبر نعمة يتنعم بها أهل الجنة إذا ما دخلوها هي لقاؤهم بربهم ورؤيتهم إلى وجهه الكريم رؤية الله تبارك وتعالى جاء فيها نصوص كثيرة من الكتاب والسنة معروفة عند أهل السنة حقا لكن يهمني أن أذكركم بآية واحدة التي تقول (( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة )فالحسنى في تفسير الرسول عليه السلام في صحيح مسلم هي الجنة والزيادة هي رؤية الله تبارك وتعالى في الآخرة . فإذا كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو أشد الناس خوفا من الله تبارك وتعالى بالتالي هو أكثرهم بكاء كما سمعتم فلماذا يبكي الرسول عليه السلام وهو بلا شك أعرف من رابعة بربه لذلك لأن النبي عرفه حقا عرفه بصفاته كلها بصفة أنه ذو الفضل العظيم وبصفة أنه منتقم جبار فهو عرفه كما هو تبارك وتعالى لكل صفاته العليا وأسماءه الحسنى فلذلك هو لا يستطيع هو عليه الصلاة والسلام لا يستطيع وهو عبد لله إلا أن يخشاه إلا أن يخافه إلا أن يبكي بين يديه أما الشخص الذي يقول ... ما عبدتك طمعا في جنتك ولا رغبة من مالك فهو إنسان لا يعرف ... المخاطب لأنه بقدر ما يعرفه حقيقة فهو يخشاه وهو هذا نبينا صلوات الله وسلامه عليه هو قدوتنا في كل شيء لا سيما في هذا الأصل الخطير وهو عبادة الله عز وجل مقرونا بخوف من جهة وبالطمع من جهة أخرى كما قال عز وجل (( يدعوننا رغبا ورهبا )) هذه صفة المؤمن كلما ازداد معرفة بربه كلما ازداد خوفا منه تبارك وتعالىلذلك ينبغي أن لا نعتر بمثل هذه الكلمات التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا كان يقوم يصلي فيبكي حيث لا يراه أحد وهو تحت الشجرة طيلة الليل يبكي حتى أصبح فهو إذا ينبغي أن نتخذه قدوة وأن نحاول أن نمرن أنفسنا على البكاء كما جاء في بعض الآثار " ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا " يعني تعاطوا الأسباب التي تسيل منكم الدمع ومن أكبر الأسباب في ذلك بلا شك هو تلاوة كتاب الله تبارك وتعالى ولذلك ما كان يسمعه الرسول عليه السلام حينما كان يقوم يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الرحى أو أزيز كأزيز المرجل فلنقتدي به عليه الصلاة والسلام في هذه الخصلة حتى ترق قلوبنا ولا تقس فتصبح كالجحارة أو أشد قسوة والعياذ بالله تبارك وتعالى لأجل ذلك أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه وبالتالي أمته للبكاء على خطايهم .