ذكر الشيخ لحديث ( المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم ...............) وشرحه وبيان مخالفة الصوفية لهذا الحديث . حفظ
الشيخ : باب الذي يصبر على أذى الناس، روى بإسناده الصحيح عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ( المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ) هذا الحديث يبين أن المسلم خير له أن يعاشر الناس وأن يعاملهم وأن يخالطهم لأن في هذه المعاشرة وفي هذه المخالطة خيرا له ولمن يخالطه ذلك لأن المخالِط إما أن يكون بحاجة إلى علم فهو بمخالطته للناس يستفيد مما عندهم لا سيما إذا كان هؤلاء الناس من أهل العلم والفضل والخلق الحسن وإن كان هو من هؤلاء أي من أهل العلم والفضل والخلق الحسن فأولى به أن يكون منفعة لغيره من هؤلاء الناس الذين يخالطهم ويعاشرهم والحقيقة أن هذا الحديث فيه رد على اتجاه يتجهه بعض الطوائف الإسلامية منذ سنين طويلة ألا وهم أولئك الذين يعرفون بالصوفية .
فإن هؤلاء الصوفية عرفوا من بين كل الجماعات أو الطوائف الإسلامية بأنهم منزوون على أنفسهم ويقبعون في زواياهم وفي بيوت كانوا يسمونها بأسماء خاصة، تكايا وزوايا بل غلى بعضهم حتى خرج عن مساكنة الناس مطلقا حتى في هذه الزوايا والتكايا فكان أحدهم يخرج يعيش مع الوحوش في الصحارى والبراري والقفار كل ذلك تهربا منهم من مخالطة الناس ذلك بأنهم يعتقدون أن هذه المخالطة لا تأتيهم بخير وإنما تجلب إليهم الشر ولذلك كانوا يؤثرون أن يعيشوا خارج البنيان ولهم في ذلك قصص وقصص كثيرة وكثيرة جدا تذكر في كتب الرقائق وكتب كرامات الأولياء والصالحين زعموا .
فهذا الحديث فيه رد صريح على هؤلاء الناس، لأن الإسلام لم يبعثه ربنا تبارك وتعالى ليعيش في صف واحد وإنما أنزل الله عز وجل دينه وبعث رسله لتكون هناك أمة يعيش بعضها مع بعض ويتعاون بعضهم مع بعض على الخير ويتناهون عن المنكر كما قال عز وجل (( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر )) فالرجل الذي يعيش لوحده ولا يعيش بين بني جنسه ليس لديه مجال أن يتصف بهذه الصفة الخيرية التي وصف الله عز وجل بها هذه الأمة وكان من أبرز صفاتها تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، فالرجل الذي يعيش في البراري والصحارى والقفار لا يجد أحدا يأمره بالمعروف، ينهاه عن المنكر، لا يجد أحدا يعلمه شيئا مما علمه الله إن كان على علم وإن كان على جهل فلا يجد أحدا يتعلم منه مما علمه الله تبارك وتعالى . لذلك يعيش طيلة حياته قفرا كالأراضي التي هو يعيش فيها، قفرا من العلم قفرا من الخلق ومن النعومة والليونة التي ينبغي على المسلم أن يتصف بها على اعتبار أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصف المؤمن بصفات كثيرة منها أنه قال ( المؤمن هين لين ) ، فهذه الصفة كونه هينا لينا لا يمكن أن ينطبع بها ذلك الإنسان الذي يعيش في الصحارى لذلك جاء في كثير من الأحاديث الصحيحة يصف فيها الرسول عليه السلام الأعراب الذين يعيشون في الصحارى ولا يعيشون في المدن بأنهم قساة القلوب غلاظ الأكباد .