مواصلة الشيخ في شرح أحاديث كتاب الصيام من بلوغ المرام وكلامه على حديث ابن عمر ( إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا....) والكلام على استعمال الآلات في الرؤية واستعمال الحساب الفلكي . حفظ
الشيخ : فآخر حديث مر بنا في الأمس القريب حديث بن عمر مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه و سلم ( إذا رأيتموه فصوموا و إذا رأيتموه فأفطروا ) إلى آخر الحديث هذا الحديث صريح الدلالة في أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم ربط الأمر بالدخول في شهر رمضان و صيامه برؤية هلاله فيقول ( إذا رأيتموه فصوموا ) و لا شك أن هذه الرؤية هي الرؤية البصرية وليست الرؤية العلمية و لا يحتاج هذا إلى تدليل لا سيما و في آخر الحديث ( فإن غم عليكم فاقدروا له ) وفي الرواية الأخرى كما سمعتم في درس الأمس ( فأتموا شعبان ثلاثين ) فإن غمّ يعني كان هناك في السماء غيم أو سحاب أو ضباب أو قتار أو نحو ذلك من الموانع الطبيعية الكونية التي تمنع الناس عادة من رؤية الهلال بأبصارهم إذا كان الأمر كذلك و عليهم أن يتموا شهر شعبان ثلاثين يوما سواء أفطروه أو صاموه و هنا يثار عادة بمثل هذه المناسبة المسألة التي كثر الخلاف فيها قديما و حديثا ألا و هي هل يجوز إثبات هلال رمضان إما بالرؤية البصرية مع الإستعانة بالآلات المكبرة أو بالرؤية الحسابية ؟ هذا خلاف معروف منذ القديم ولكن اشتد الخلاف في العصر الحاضر بسبب وجود الآلات المكبرة و المقربة و التي تساعد على رؤية الهلال بالعين العادية ليس بعلم الحساب و التقويم و الذي نراه أنه يجب على المسلمين أن يظلوا عند ظاهر هذا الحديث و هو الذي يقتضي إثبات الهلال بالرؤية العادية بدون استعانة بالآلات المكبرة أو بدون الإستعانة بالعمليات الحسابية و السبب في هذا يعود إلى أمور أولا ظاهر هذا الحديث حيث يقول عليه السلام ( إذا رأيتموه فصوموا و إذا رأيتموه فأفطروا ) و ثانيا أن الرسول صلى الله عليه و سلم قد أكد هذا الظاهر من هذا الحديث بقوله في حديث آخر ألا و هو قوله عليه السلام ( نحن أمة أمية لا نكتب و لا نحسب ) فحكم الرسول صلى الله عليه و سلم بهذا الحديث على الأمة الإسلامية تبعا لنبيها الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة و الإنجيل فألحق الرسول عليه الصلاة و السلام الأمة الإسلامية و لو كانت في واقعها في كثير من عصورها ليست أمية و لكن الرسول عليه السلام ألحق الأمة بنبيها من حيث أنه وصفها بأنها أمة أمية لا نكتب و لا نحسب لذلك فنحن يجب أن نلتزم هذا الوصف الذي طبع به رسول الله صلى الله عليه و سلم أمته من هذه الحيثية و هي من حيث أنه ينبغي الإقتصار في إثبات الهلال على الرؤية البصرية العادية و الإبتعاد عن العلوم الحسابية هذا هو الأمر الثاني ، و الأمر الثالث الذي يوجب علينا أن نتمسك في إثبات الهلال على الرؤية البصرية العادية الأمر الثالث من تلك الأمور هو أن الإسلام من طابعه أيضا أنه سمح سهل ميسر مذلل للناس بينما إذا تركنا هذا الأمر الميسر لكل الناس ( إذا رأيتموه فصوموا ) و أردنا أن نلتزم وسيلة من الوسائل التي هي خاصة ببعض الناس ، الناس الذين عندهم بعض الوسائل العلمية التي قد لا تتيسر لكل طائفة أو لكل شعب أو لكل أمة إذا نحن أعرضنا عن التمسك بهذه الوسيلة الميسرة صار الإسلام كأنه ليس دينا عاما ميسرا لكل الشعوب مهما كانت ثقافاتها ومدنياتها مختلفة بعضها عن بعض فلا شك أن هذا الخطاب ( إذا رأيتموه فصوموا و إذا رأيتموه فأفطروا ) يتوجه إلى كل شعب من الشعوب المسلمة على ما بين الشعوب من تفاوت في الحضارة و المدنية و الثقافة بينما إذا التزمنا إثبات الهلال بالرؤية المجهرية مثلا بالآلة المكبرة انحصر الإثبات في الدولة التي تتملك هذه الوسيلة الحديثة كذلك إذا أردنا أن نثبت الدخول في الصيام بالعمليات الحسابية انحصر أيضا طريق هذا الإثبات بمن يعلمون علم الحساب الدقيق و هذا ينافي شمول الإسلام و يشرع لجميع الشعوب و في جميع الأزمان و الأماكن و لا يقال هنا بأن الرؤية المجهرية و العمليات الحسابية دقيقة جدا بحيث أنه لا يبقى هناك مجال للتردد أو للتشكك فإننا نقول إن الإسلام من يسره قال إذا رأيتموه هذه الرؤية الطبيعية التي لا تحتاج إلى تكلف فصومو وسيأتي قريبا إن شاء الله بأن هذه الرؤية تثبت بشهادة رجل مسلم عدل و ليس بحاجة إلى استحضار شهود كثيرين هذا من تمام التيسير في إثبات الهلال و مع ذلك فإنه يقول في آخره ( فإن غم عليكم فأتموا الشهر ثلاثين يوما ) انتهت المشكلة فما تحتاج القضية إلى كثير من الجدل و المناقشة ما دام أن الإسلام أقام إثبات هلال رمضان ككل أهلة الشهور الباقية على هذه الرؤية الميسرة لكل إنسان عادي طبيعي و مجرد أن يشهد شاهد مسلم على أنه رأى الهلال كما سيأتي كما ذكرنا ثبت الهلال فإن كان هناك في السماء حائل قد حال بين الرؤية و ... بينه و بين الصيام أتموا الشهر السابق شهر شعبان ثلاثين يوما فيصبحون في اليوم الذي بعده صائمين قطعا فالفرق يبقى بين أن يكون شهر شعبان تسع و عشرين أو يكون ثلاثين حتى و لو فرضنا لو فرضنا الواقعة الآتية كان هناك في السحاب غمام و غمام شفّاف بحيث أنه يحول بين الرائي بالعين المجردة و بين رؤية هذا الهلال لكن إذا سلّط الآلة المكبرة المجهر أزال ذلك السحاب الشفّاف فرأى الهلال ورائه فحينما اعتمدنا على العين المجردة ماذا أصابنا من الناحية الشرعية ؟ لا شيء قال ( فإن غم عليكم فأتموا الشهر ثلاثين ) ما يكون خسرنا شيئا من الناحية الشرعية لأن الشرع لا يحاصص و لا يدقق مع المسلمين بحيث أنه ثبت فيما بعد بطريقة ما إن الهلال كان ظاهرا لكن ما رؤي بسبب ذلك السحاب ماذا يضرنا قد قال ( فإن غم عليكم فأتموا الشهر ثلاثين ) إذن ما أصبحنا في هذا اليوم صائمين و قد رؤي مثلا الهلال بالآلة المكبرة لكنه لم ير بالعين المجردة فلم يضرنا ذلك شيئا إطلاقا لأننا إن بان نراه بأعيننا العادية فنصوم أو لا نراه فنتم الشهر ثلاثين يوما و قد فعلنا أحد الأمرين حينما حاولنا أن نراه بالعين المجردة لم نره إذا قد غم علينا فأتتمنا شهر شعبان ثلاثين يوما لذلك فأنا في اعتقادي لا ضرورة ملحة لحمل المسلمين في العالم الإسلامي اليوم أن ... عن النظرة العادية بالنظرة العلمية سواء كانت بالآلة المكبرة أو كانت بالعملية الحسابية و نحن نعتقد أن الإسلام لا يزال ينتشر في الأرض انتشارا بالغا و في الوقت نفسه نعتقد أن الأماكن التي ينتشر فيها الإسلام لا يوجد فيها شيء من هذه الآلات و من هذه الوسائل العلمية و سيضل هذا الحكم سائرا إذا رأيتموه سائرا إلى الأبد ما وجد الإسلام على وجه الأرض و حينئذ الأولى بالمسلمين أن يوحدوا الوسيلة التي بها يثبتون هلال شعبان أو هلال رمضان و لا يختلفوا في هذه الوسائل ما دام أن الشارع وحّد الوسيلة لمثل هذا الحديث ( إذا رأيتموه فصوموا و إذا رأيتموه فأفطروا ) هذا ما كان بقي علي من الكلام حول هذا الحديث .