الكلام على فقه الحديث حفظ
الشيخ : و فيه كما هو واضح أن النبي صلى الله عليه و سلم أثبت هلال رمضان برؤية رجل واحد ألا و هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما فكان في هذا الحديث دلالة إلى المذهب الذي يقتصر في إثبات هلال رمضان على شاهد واحد و المسألة خلافية بين الفقهاء فمنهم من يقول بما دل عليه هذا الحديث ومنهم من يوجب أن يشهد اثنان فصاعدا و منهم من لا يقتصر في الشاهدين إثنين و إنما يوجب جماعة تحصل القناعة بصدقهم في رؤيتهم للهلال .
ونحن نقول إن هذا الحديث يعتبر أصلا في الإكتفاء بالشاهد الواحد لإثبات هلال رمضان و لكن الناس يختلفون من حيث التساهل في الإخبار بما رؤوا و التثبت في ما رؤوا و حتى في الصدق فهذا يختلف باختلاف الزمان و اختلاف المكان فالأمر حين ذاك يعود إلى القاضي الشرعي الذي أنيط به إثبات هلال رمضان فإذا جاءه شاهد و يعرفه جيدا و أنه صادق و أنه كيس فطن و ليس من الناس المغفلين الذين قد يقول أحدهم إنه رأى الهلال و الواقع أنه رأى شعرة من حاجبه بينه و بين الأفق فتوهمها هلالا فإذا جاء إلى القاضي رجل مسلم يعرف صدقه و يعرف نباهته و يقظته فيجوز له شرعا أن يثبت هلال رمضان بمجرد شهادة هذا المسلم الواحد أما إذا لم يطمئن لخبره فتثبت و أراد شاهدا ثانيا أو ثالثا على حسب الأشخاص الذين يأتون و يشهدون عنده فلا مانع من ذلك حتى لا يستبق الأمر و يثبت هلال رمضان والواقع أنه لم يثبت لأنه لم يأتِ عنده شاهد يثق بشاهدته و نحن نعلم اليوم أن هناك عند القضاة كما كان الأمر منذ قديما جماعة يعرفون بالمزكين يزكون الناس بتعرف بلال أي و الله أعرفه وشو معرفته به معرفة سطحية جدا فلا شك أن القاضي الحريص على إثبات شهر الصيام بطريقة رضية مطمئنة لا يقنع بمجرد أنه يقول فلان هذا و الله أعرفه رجل صادق إلا أن يتمكن هو من معرفته بطريقته الخاصة التي هو يقتنع بها خلاصة القول أن هذا الحديث يدل على أن الأصل في إثبات هلال رمضان يكفي فيه الشاهد الواحد و لكن ينبغي أن يكون هذا الشاهد معروفا عند الوالي المسؤول الذي يعلن إثبات هلال رمضان اعتمادا منه على هذا الشاهد الواحد و قد سمعتم أن الذي رأى الهلال في هذا الحديث هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما فهو صحابي ابن صحابي و هو معروف عند النبي صلى الله عليه و سلم تمام المعرفة فلا جرم أنه عليه الصلاة و السلام اعتمد على خبره لرؤيته لهلال رمضان و أثبت بناء عليه شهر الصيام لكن ليس كذلك هؤلاء الشهود الذين يشهدون في هذه الأيام لا سيما إذا أردنا أن نطبق شروط المسلمين العدول المنصوص عليها في كتب الفقه و بعضها بلا شك صواب لا ريب فيه فإننا لا نستطيع اليوم أن نثبت هلال رمضان إلا بواسطة أفراد قليلين جدا و لنذكر على ذلك مثلا نضربه و نحن كما يقال نرمي بذلك عصفورين بحجر واحد لقد جاء في كتب الأحناف التنصيص بأن الذي يحلق لحيته لا تقبل شهادته فهل الحكام اليوم إذا جاءهم مخبر بإثبات هلال رمضان و هو حليق يقبلون شهادته أم لا يقبلون ؟ يقبلون بينما منصوص عليه إن هذا لا يقبل شهادته و السبب في ذلك أن حلق اللحية معصية و هذه المعصية باتفاق الأئمة الأربعة لا فرق بين أبي حنيفة و مالك و الشافعي و أحمد فكل متفقون أن حلق اللحية معصية لأن في ذلك ارتكاب لمخالفات عديدة ثابتة في السنة يكفي في ذلك مثلا قول الرسول عليه الصلاة و السلام ( حفوا الشارب و أعفو اللحي و خالفوا اليهود و النصاري ) اليهود و النصاري يحلقون لحاهم فأنتم خالفوهم فالذين ابتلوا اليوم و لا مؤاخذة من الحاضرين المبتلين بهذه المعصية فإن ( الدين النصيحة ، الدين النصيحة ، الدين النصيحة ) كما قال عليه الصلاة و السلام قالوا " لمن يا رسول الله ؟ " قال ( لله و لكتابه و لرسوله و لأئمة المؤمنين و عامتهم ) فنحن من عامة المسلمين يجب على أحدنا أن ينصح الآخرين لأن الدين النصيحة كما سمعتم لذلك فحلق اللحية معصية باتفاق الأئمة الأربعة و نص الحنفية فيما علمت و قد يكون آخرون نصوا على ذلك بأن من حلق لحيته لمتقبل شهادته أما الآن فقد أصبح حلق اللحية أمر عاديا و على العكس من ذلك فأصبح الذي يوفر لحيته موضع نظر غريب جدا من جماهير الناس و كأنه متوحش و كأن كما يقولون اليوم رجعي و لا يحسون أبدا أن إعفاء اللحية هو من أمور الفطرة التي فطر الله الناس عليها و لذلك كان الأنبياء جميعا و بخاصة آخرهم محمد صلى الله عليه و سلم كانوا ذوي لحية ففي القرآن الكريم (( قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي و لا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل )) إلى آخر الآية فهارون عليه الصلاة و السلام كسائر الأنبياء كانوا محافظين على هذه الفطرة فجماهير المسلمين اليوم بسبب غلبة العادات الغربية حينما غزوا الأروبيون البلاد الإسلامية بأبدانهم و بعداتهم انتشرت هذه العادات الفاجرة الفاسقة و طبع بها جماهير المسلمين إلا القليل منهم ممن هداهم الله عز و جل يعرفوا أن نبيهم و أن أسوتهم الوحيدة كان له لحية جليلة و أن هذا النبي الكريم أمرهم بأن يعفوا عن لحاهم و لا يتشبهوا بالكفار لما أصبح أكثر الناس مبتلين اليوم رأى هؤلاء الحكام أن يتساهلوا في الموضوع و أن يقبلوا شهادة حليق اللحية و أريد من هذا المثال أن نقول أن هناك تساهل في تعديل الشهود و لذلك فإذا تثبت الحاكم و لم يقتصر في إثبات هلال رمضان على شهادة مسلم واحد فلا مانع من ذلك لأن هذا المسلم سوف لا يكون مثل عبد الله بن عمر بن الخطاب من حيث إيمانه و صدقه و نباهته من جهة و من جهة أخرى فسوف لا يكون هذا الشاهد في غالب معروفا عند الحاكم كما كان عبد الله بن عمر معروفا عند النبي صلى الله عليه و آله و سلم خلاصة القول يجب على القاضي الذي يريد إثبات هلال رمضان أن يتثبت في إثبات هذا الهلال فإن جاء رجل يعرفه معرفة جيدة و هو مسلم عدل أثبته بشهادة هذا المسلم الواحد كما يدل عليه هذا الحديث الصحيح .