بيان الشيخ لما ورد من النصوص مما فيه تحديد للمسافة وبيان وجهه عند العلماء . حفظ
الشيخ : و نحن حينما درسنا هذه المسألة من بطون الكتب الفقهية و الحديثية لم نجد هناك حديثا يمكن أن نقيّد به هذا الإطلاق الذي جاء في الكتاب في الآيتين السابقتين للسفر اللهم كلما ذكره المقيدون إنما هو حديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال " كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا سافر ثلاثة فراسخ أو أميال " هكذا جاء الشك " قصر عليه الصلاة و السلام " فقال بعض العلماء فهذه المسافة هي مسافة السفر الذي يجوز فيه القصر فما فوقها و قالوا أنه ما دون ذلك لا يجوز لأن الحديث يقول كان إذا سافر هذه المسافة وهي ثلاثة فراسخ أو ثلاثة أميال لكن أجيب عن هذا الحديث بأنه لا ينفي جواز القصر في سفر هو أقل من هذه المسافة التي قطعها الرسول عليه السلام و قصر فيها بمعنى أن هذا الحديث نص في جواز القصر في سفر تكون مسافته ثلاثة فراسخ أو ثلاثة أميال و لكن ليس نصّا في عدم جواز القصر في أقل من هذه المسافة لأن الصحابي يتحدّث عن ما شاهد و رأى فرأى الرسول صلى الله عليه و سلم يقصر في مثل هذه المسافة لكنّه ما علم أن الرسول عليه السلام قصر في أقل من هذه المسافة فيؤخذ بمنطوق الحديث و لا يؤخذ بمفهومه لأنه هذا المفهوم ليس صادرا من الرسول عليه الصلاة و السلام الذي إذا تكلّم أوعى و أحاط بالموضوع من كل النواحي و الصحابي ليس كذلك لأنه يتحدّث عن شيء شاهده ومن المستحيل أن يقول أي صحابي أنني سرت مع الرسول حيث سار و سافرت مع الرسول حيث سافر و أنه أحصى كل سفرة سافرها معه فتبين له أنه ما دون هذه المسافة لم يقصر و ما كان فيها أو أكثر منها فقد قصر هذا مستحيل عن أي إنسان لذلك فنحن نستطيع أن نحتجّ بمنطوق هذا الحديث أي التصريح بالثلاثة لا بمفهومه الذي هو دون الثلاثة هذا الحديث الذي يمكن أن يتمسّك به بعض من يقيّد السفر المجيز للقصر في السفر و الإفطار في رمضان ومع ذلك فيرد فيه ما يأتي وهو أن السّفر لا يكون الذي خرج من بلدته وانطلق يمشي لا يكون مسافرا بمجرّد أنه قطع هذه المسافة أو أكثر منها فلابد من أن تتوفّر في شخص هذا الخارج والذي قطع هذه المسافة لابد من أن تتوفّر فيه أمور أخرى ليصبح بمجموعها مسافرا تترتب عليه أحكام السفر أول ذلك وهذا أمر بدهي جدّا وهو أنه هذا الذي قطع هذه المسافة لابد أن يكون قد نوى السفر وهذا أمر واضح لأن إنما الأعمال بالنيات فرجل خرج للنزهة مثلا وقطع مسافة ثلاثة فراسخ فهذا لا يقال أنه مسافر لماذا ؟ لأنه ما نوى السفر و قد تكون المسافة أطول و أطول ما نوى السّفر فإذن هذه المسافة إذا قطعها الإنسان زايد مع أمور أخرى أولها أن ينوي بذلك السفر فلا يؤخذ أنه إنسان مجرّد ما خرج من بلدته و قضى هذه المسافة صار مسافرا لابد أن نلاحظ في ذلك كونه نوى السّفر ثم في كثير من الأحيان وهذا أظن يلحظه كل فرد منّا يخرج و يقطع مسافة أكثر من ذلك يخرج ليقضي أمرا في بلدة قريبة منه و يعود بعد أن ينتهي منها بساعة أو أقل فمع ذلك لا يمكننا أن نقول بأنه سافر .