بيان الجمع بين قوله تعالى" إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " وحديث أبي هريرة "كان رجل يسرف على نفسه لما حضره الموت قال لبنيه إذا أنا مت فأحرقوني....." الحديث . حفظ
الشيخ : قد يقول قائل كتوفيق بين هذا النّصّ القرآني القطعي الثبوت و القطعي الدلالة التوفيق بينه و بين هذا الحديث من ناحيتين ، الناحية الأولى أن الآية قالت لا تغفر الشرك أو أن الله لا يغفر الشرك و الكفر غير الشرك و بمعنى آخر إنما جاء في هذا الحديث ليس فيه شرك و إنما هو الكفر لأن هذا الإنسان مؤمن بالله عز و جلّ و إيمانه بالله حمله على هذه الوصية الجائرة لأنه شعر أنه يستحق العذاب ، فخلاصا من عذاب الله عز و جل له أوصى بها فهو يخاف الله وليس يؤمن به فقط بل ويخاف الله فكان أثر خوفه من الله أن أوصى بهذه الوصية فإذن هو مؤمن بالله و لم يشرك مع الله أحدا فالتوفيق بين هذا الحديث و هذه الآية بأن تبقى الآية على ظاهرها (( إن الله لا يغفر أن يشرك به )) أما الكفر الذي ليس شركا فيمكن أن يقال إن الله يغفره و الدليل على ذلك هذا الحديث قد يقول قائل هذا و يبدو لأول وهلة بأن هذا التوفيق مقبول و معقول لكن الأمر ليس كذلك لأن هناك حقيقة شرعية يجب أن نكون على علم بها أولا لأنه شرع يجب أن يفهم على وجهه و على حقيقته و ثانيا لأن هذا الفهم يساعدنا على التوفيق بين كثير من النصوص التي يبدو بينها تعارض و تضارب ، ماهي هذه الحقيقة الشرعية ؟ هي أن كل كفر شرك ، معلوم لدى جميع الناس على الأقل الفقهاء أو طلاب العلم أن كل شرك كفر لكن العكس ليس معلوما عندهم ، معلوم عندهم أن كل شرك كفر لكن أن كل كفر شرك فهذا غير معلوم عند جماهير الناس مع أن هذا حق مثل ما أنكم تنطقون أي كل كفر شرك ككل شرك كفر لا فرق بينهما إطلاقا ومن الأدلة على ذلك المحاورة التي ذكرها الله عز و جلّ في سورة الكهف بين المؤمن و المشرك قال الله عزّ و جلّ (( و اضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنّتين من أعناب و حففناهما بنخل و جعلنا بينهما زرعا كلتا الجنّتين آتت أكلها و لم تظلم منه شيئا و فجّرنا خلالهما نهرا * و كان له ثمر فقال لصاحبه )) قال صاحب الجنّتين وهو كافر مشرك كما ستسمعون لصاحبه المؤمن (( فقال لصاحبه و هو يحاوره أنا أكثر منك مالا و أعز تفرا * ودخل جنّته و هو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا * و ما أظن الساعة قائمة )) هذا بالتعبير العام و بالعرف العام أشرك أم كفر ؟ هذا كفر لأنه أنكر البعث و النشور (( قال ما أظن هذه أن تبيد أبدا * و ما أظن الساعة قائمة و لئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا * قال له صاحبه )) أي المؤمن (( قال له صاحبه و هو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثمّ سواك رجلا * لكنّ هو الله ربي و لا أشرك بربي أحدا )) ختم موعظته و محاورته لصاحبه بأنه لا يشرك كشركه ، (( و لا أشرك بربي أحدا )) ففي هذا بيان أن الرجل صاحب الجنّتين يعني البستانين حينما شكّ في البعث و النشور أشرك بالله عزّ و جلّ لذلك قال له صاحبه المؤمن أنت كفرت و أشركت أما أنا فلا أشرك بريبي أحدا و تمام القصّة أيضا تؤكّد هذا لأن في نهاية الآيات (( و أحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها و يقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا )) ما الذي أشرك ؟ الظاهر أنه أنكر البعث و النشور فأين الشرك ؟ هنا النكتة الشرك أن كل كافر لأي سبب كان كفره فقد اتّخذ إلهه هواه فمن هنا جاء الشّرك بالنسبة لكل نوع كفر به صاحبه من هنا قلنا إن هناك حقيقة شرعية وهي أن كل كفر فهو شرك وهذا السياق الذي نقلناه لكم أكبر دليل على ذلك و على هذا فلا يصحّ التوفيق بين الآية السابقة الذكر (( إن الله لا يغفر أن يشرك به )) و بين هذا الحديث على الوجه الذي حكيناه آنفا ذلك لأن معنى الآية بعد هذا الشرح هو إن الله لا يغفر أن يكفر به أي سواء أكان الكفر شركا لغة أو لم يكن فالله عزّ و جلّ لا يغفر الكفر مطلقا سواء كان شركا أو ليس بشرك وهذا البيان هو كما قلت لكم يفتح لنا حل مشاكل كثيرة ... فإذا ما عرفنا أن الشرك في لغة الشرع هو الكفر و الكفر هو الشرك فحينئذ تعود الآية دلالة صريحة على أن الله عزّ و جلّ لا يغفر الشرك بكل أنواعه اللهم إلا إذا كان شركا عمليا و ليس شركا قلبيا .