بيان الشيخ لحقيقة التوحيد وأقسامه . حفظ
عيد عباسي : أول هذه الأمور مسألة التوحيد، هذه المسألة أخطأ فيها جماهير المسلمين عامتهم وخاصتهم فقد شاع لديهم أن التوحيد الذي أمر الله به في كتابه وسنة نبيه هو الاعتقاد فقط بأن لهذا الكون خالقا مدبرا ورازقا حكيما يتصف بصفات الكمال وقد ملؤوا كتبهم وأتعبوا أنفسهم لإثبات هذه الحقيقة مع أنه كما سمعتم من أستاذنا أكثر من مرة هذه الحقيقة فطرية مركوزة في النفوس وفي الأذهان ولا تحتاج إلى كثير إثبات ولا إلى جهد كبير فقد قال الله تعالى مثلا (( أفي الله شك فاطر السماوات والأرض )) (( فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله )) وإنّ كل الذي ينظر إلى طريق البشر على مر العصور ليجد أن كل البشر يؤمنون بوجود، بإله خالق مدبر وحكيم إلا قلة نادرة من الملحدين على مر العصور كانوا يسمون دهريين قديما ويسمّون الآن ملاحدة أو زنادقة أو شيوعيين، هؤلاء نسبتهم قليلة جدا بالنسبة لبقية البشر، لا لا يقول قائل أنه والله الشيوعيين مثلا الأن هم سكان روسيا وسكان الصين وسكان الدول الشيوعية الأخرى الكثيرة لا يقل أحد هذا فإن سكان هذه الدول أكثرهم مؤمنون بالله، أكثرهم إما نصارى أو مثلا يهود أو وثنيون يؤمنون بإله ولكن الملاحدة منهم والشيوعيين مثلا هم قلة قليلة هم الحكّام فقط والذين يسيرون الأمور العسكريين وغيرهم يعني هم أعضاء الحزب الشيوعي لا غير، أما بقية الشعب فتعلمون لهم كنائسهم ولهم عباداتهم وكانوا يحدث، يجرون إحصاءات بين الحين والحين، أذكر من آخر الإحصاءات أن الشيوعيين في روسيا نحن ستة سبعة ملايين فقط فإذًا هم قلة، ما قيمة سبعة ملايين أو بس إليها مثلا البلدان الأخرى ... ملايين أخرى خمسة عشر مليون قل عشرين خمسين ما قيمتهم بالنسبة لسكان البشر الذين هم الآن أظن نحن ثلاثة ألاف مليون نسمة ؟
فإذًا إن عامة البشر وجماهير الناس على ممر العصور هم مؤمنون بإله فإذًا ماذا يحتاج هؤلاء؟ إن أحوج ما يكونون إليه هو أن يؤمنوا بالله الإيمان الصحيح الذي جاءنا به محمد صلى الله عليه وسلم والرسل السابقين، إنه هو الإيمان الذي يعتد به، هو الذي ينجي صاحبه من الخلود في النار إنه طريق دخول الجنة إنه هو وحده الإيمان الصحيح وما عداه كفر والمشركون كلنا نعرف أنهم كانوا يؤمنون بالإله الخالق إلا قلة نادرة جدا أيضا، أشار إلى ذلك القرآن حيث قال (( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله )) وبيّن سبب ضلالهم وشركهم أنه اعتقاد الشفعاء والوسطاء بينهم وبين الله (( ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله )) ، (( والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى )) وفي شعر الجاهليين تجد كثيرا لفظة الإله والخالق ويقسمون به ويعظمونه لكنهم يعتقدون أن هذه الأصنام هي وسائط وهي مقربات لهذا الإله وإن ذكرها ودعوتها هو ضمان ليستجيب لهم الله دعاءهم ويغيثهم إذا استغاثوا به، إذًا الدعوة السلفية تهتم بتبيين التوحيد الصحيح الذي يكون الناس أحوج ما يكونون إليه وهو ما استخلفه العلماء المحققون من أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أن هناك ثلاث أنواع للتوحيد ، التوحيد السابق واصطلحوا عليه أنه توحيد الربوبية، الإيمان بأن لهذا الكون خالقا رازقا متصفا بصفات الكمال والنوع الثاني من التوحيد هو توحيد الألوهية والنوع الثالث هو توحيد الصفات، هذه صحيح أسماء اصطلح عليها من هؤلاء الأئمة الأعلام ولكن مدلولها وحقيقتها موجود في ثنايا الكتاب والسنة وإنما هؤلاء وضحوها وميّزها واصطلحوا عليها لتتضح الأمور وتتبين الحقائق، توحيد الربوبية قلنا المراد به أما توحيد الألوهية فهو أيضا بصورة إجمالية أن يخص المسلم أصناف العبادة كلها لله عز وجل، هذا الخالق المدبر الذي آمن به وهذا في الحقيقة أمر طبيعي وإذا كان الله هو الخالق المدبر الرازق إلخ فلماذا يدعون غيره ؟ ولماذا يعبدوا سواه ؟ يعبدوا المخلوقين يعبدوا المحتاجين يعبدوا الذين لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا كما يقول الشاعر " ومن قصد البحر استقل السواقي " هذا الإنسان العبد الضعيف العاجر الذي لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا بعثا ولا حياة ولا نشورا كيف تدعوه وتترك ربك الذي بيده كل شيء، الذي إذا أراد شيئا قال له كن فيكون، هل هو ... ؟ هل هو لا يستجيب دعاءك؟ هل هو بعيد؟ هل هو ظالم حتى تخاف منه وتلجأ إلى سواه، إنه رحيم بر بعباده رؤوف بهم يجيب دعوة المضطر إذا دعاه، يقبل التوبة عن عباده، إنه أقرب إلى أحدكم من ...
الشيخ : عنق راحلته .
عيد عباسي : عنق راحلته إليه، إنه الذي يفرح بتوبة التائب أشد من فرحة الإنسان الذي كان في سفر وضلت راحلته ثم وجدها وعليها طعامه وشرابه بعد ما يئس بالهلاك فإذًا هذا الإله العظيم الحكيم الرحيم لم تتركه وتلجأ إلى غيره من هؤلاء الآلهة الذي، الضعفاء العجزة الذين لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا حياة ولا ضرا ولا نفعا، فإذًا ... طبيعي ولذلك فتوحيد الألوهية من أخص خصائص التوحيد وهو من أهم ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الحقيقة معنى قولنا لا إله إلا الله وحده لا شريك له فكلمة لا إله إلا الله هي التي تدخل الإنسان في الإسلام وهي الكلمة الطيبة وهي التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من قال لا إله إلا الله من قلبه مخلصا من قلبه دخل الجنة ) فإذًا علق دخول الجنة على من يقول هذه الكلمة مؤمنا بها مخلصا من قلبه، ما معنى هذه الكلمة؟ هل هي الألفاظ تقال باللسان هكذا دون فقه ولا اعتقاد ولا تطبيق، ليس كذلك، إن الأمور بحقائقها، هذه الكلمة معناها الإله المعبود، أله يأله أي عبد يعبد فالإله المعبود فلا إله إلا الله معناها لا معبود بحق إلا الله فإذًا من ألصق حقائق من ألصق معاني لا إله إلا الله توجيه وتخصيص العبادة كلها، العبادة كلها بأنواعها المختلفة لله عز وجل.
كثير من المسلمين يجهلون العبادة فيظنون أن لا إله إلا الله آمنا معك إلي هي المراد بها تخصيص العبادة لله ونحن أيضا نؤمن بذلك فلا نخصص ولا ولا نسجد لأحد إلا لله، وهذا يعني قصور في الفهم فإنهم يجهلون أن العبادة معنى أشمل وأوسع من ذلك، إن العبادة هي كل ما يحبه الله ويرضاه، العبادة تشمل أنواع التعظيم التي يجب أن تخصّ بالخالق الحكيم، إنها تشمل الدعاء وتشمل النذر وتشمل الذبح وتشمل التوكل وتشمل الإنابة وتشمل الاستعانة وتشمل الذبح قلناها والخوف والخشية والاستغاثة والرجاء والمحبة كل هذه الأنواع هي من العبادات وهؤلاء من جهلهم يظنونها مقصورة على الصلاة وعلى الحج مثلا ، فيدل على ذلك نصوص كثيرة أيضا لا نحصيها الآن لضيق الوقت وإنما نذكر بعض الأمثلة مثلا الدعاء والاستعانة فيقول الله عز وجل (( إياك نعبد وإياك نستعين )) وتقديم المفعول هنا يراد به التخصيص، إياك نعبد يعني لا نبعد غيرك، إيا نستعيد يعني لا نستعين بسواك وهذا هو الفرق بين قولنا إياك نعبدك وبين قولنا نعبدك، لم يقل نعبدك لاحتمال أن يراد بها أو تشمل نعبدك ولا ما نعبد غيرك فقدم المفعول بهذا التخصيص، كذلك قوله عز وجل (( ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين )) فقابل بين (( ادعوني ) و (( إن الذين يستكبرون عن عبادتي )) مبينا أن الدعاء هو عبادة ويوضح هذا تماما قوله صلى الله عليه وسلم الثابت ( الدعاء هو العبادة ) وهكذا الذبح في قوله تعالى (( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي )) ونسكي أي ذبحي ومحياي ومماتي لله رب العالمين والنصوص الأخيرة كثيرة تشمل الخوف والرجاء (( وإياي فارهبون )) (( فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين )) (( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين )) وما أشبه ذلك من النصوص الكريمة، هذه هذا النوع الثاني من أنواع التوحيد الذي يحهله المسلمون وتركز عليه الدعوة السلفية لأن من أخطأ فيه ولأن من جهله ولأن من اعتقد خلافه فهو مشرك ويحكم عليه بالخلود في النار إلا إذا كان لم يبلغ تبلغه هذه الدعوة فأمره إلى الله فيعذره الله ويوضح مصيره الحديث الذي رواه الإمام أحمد وغيره أنه يسأل يبعث إليه يوم القيامة رسول إلى آخر الحديث المعروف.
النوع الثالث من أنواع التوحيد الذي أيضا يجهله كثير من المسلمين يخالفون مضمونه ويشركون بالله به هو توحيد الصفات وهو اعتقاد أن أحدا يشارك الله في صفة من صفاته، الله من صفاته يعلم الغيب وحينما يعتقد إنسان أن بشرا من البشر يعلم الغيب كما يعتقد الصوفية أن شيوخهم يكاشفون فيعلمون ما في نفسه ويطلعون على أحوالك ولو كنت في مشرق الأرض وهم في مغربها فهذا لا شك شرك في الصفات وكذلك حينما يعتقدون في بعض مشايخهم أنهم يقدرون على كل شيء وأنهم يقولون للشيء كن فيكون كما ورد في بعض كتبهم وحينما يعتقدون صفات أخرى هي من أخص خصائص الله عز وجل في أوليائهم وفي مشايخهم أو في الأنبياء والرسل فإنما هم يكونون قد أشركوا بالله عز وجل ومع الأسف هذا انتشر في على كلام، في كلام المتأخرين كثيرا الشعراء منهم الذين يسمّون، لا المدّاح للنبي صلى الله عليه وسلم الذين كتبوا قصائد في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام ويختصون ، يختص الناس بتلاوتها في الموالد والاحتفالات الدينية، هذه تكثر فيها الاستغاثة، هذه الصفات وهذه، نسبة هذه الأمور التي لا يجوز إلا لله نسبتها إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وإلى مشايخهم وإلى أوليائهم والرسول عليه الصلاة والسلام قد حذر كثيرا من هذا وقد أمر بعدم المبالغة في مدحه عليه الصلاة والسلام خشية من الوقوع في هذا الانحراف الخطير، قال عليه الصلاة والسلام مثلا ( لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح بن مريم فقو، فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله ) وحينما جاء بعض الناس وقال له أنت سيدنا وابن سيدنا قال له عليه الصلاة والسلام ( قولوا بقولكم هذا أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان ) فكلمة سيدنا وابن سيدنا الرسول عليه الصلاة والسلام وجد فيها شططا لأن ابن سيدنا نسبة أن عبد الله والد رسول الله هو سيد لهم مع أنه كان مشركا كما في الأحاديث المعروفة، كما في الحديث المعروف فهذا من الشطط وقد حذرهم منه وحينما سمع بعض الجواري والأولاد ينشدون وفينا نبي يعلم ما في غد نهاهم عن ذلك أيضا وقال ( لا يعلم ما في غد إلا الله عز وجل ) فمع هذا التنبيه ومع هذا التحذير من النبي صلى الله عليه وسلم خالفه الناس صراحة وقال قائلهم البوصيري مثلا :
" دع ما ادعته النصارى في نبيهم ***واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم " ، معنى البيت أنك دع لا تقل إن محمدا بن الله وقل ما شئت فيه من الأقوال، وهذا واضح ضلاله وواضح انحرافه وشططه ... فتوحيد الصفات من أخطر أنواع التوحيد التي جهلها المسلمون وخالفوها ومعروف مسألة التوحيد هي الفيصل بين الإسلام والكفر كما قلنا فلو كان إنسان متعبدا أعظم درجات التعبد يصوم النهار يقوم الليل يتصدق يزكي ويقوم بأنواع النوافل المختلفة ويتقرب إلى الله بشتى القربات ويصل الأرحام إلخ ولو أشرك في عمره كله مرة واحدة استغاث بغير الله، قال كلمة فيها وصف أحد المخلوقات بصفة لله فإنها كل عمله باطل وإنه خالد مخلد في النار إذا لم يتب منه قال الله عز وجل (( لئن أشركت ليحبطن عملك )) فإذًا المسألة خطيرة وخطيرة جدا ولذلك يوليها السلفيون الاهتمام الكبير ومن عجب أن باقي المشايخ والعلماء لا يدندون حولها بل يخاصموننا فيها ويقولون ما فيها شيء والمسألة تتعلق بالنية واسألوا نيته هذا الإنسان يريد إنما يريد بذلك وجه الله ويريد التقرب والتحبب وتعظيم هذا النبي وهؤلاء الأولياء مع أنهم يعلمون أن النية لا تشفع للعمل مهما كانت صالحة فلا بد أن يكون العمل صالحا والنية صالحة مصداقا لقول الله عز وجل (( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا )) (( لا يشرك )) أي لتكن نيته صالحة (( فليعمل عملا صالحا )) أي موافقا للسنة كما فسرها بذلك الأئمة والمفسرون مثل ابن كثير وغيره فإذًا يجب الاهتمام بمسألة التوحيد بأنواعه الثلاثة وخاصة النوعين الأخيرين اهتماما بالغا لإنقاذ الناس من الهاوية ومن الضلال .
فإذًا إن عامة البشر وجماهير الناس على ممر العصور هم مؤمنون بإله فإذًا ماذا يحتاج هؤلاء؟ إن أحوج ما يكونون إليه هو أن يؤمنوا بالله الإيمان الصحيح الذي جاءنا به محمد صلى الله عليه وسلم والرسل السابقين، إنه هو الإيمان الذي يعتد به، هو الذي ينجي صاحبه من الخلود في النار إنه طريق دخول الجنة إنه هو وحده الإيمان الصحيح وما عداه كفر والمشركون كلنا نعرف أنهم كانوا يؤمنون بالإله الخالق إلا قلة نادرة جدا أيضا، أشار إلى ذلك القرآن حيث قال (( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله )) وبيّن سبب ضلالهم وشركهم أنه اعتقاد الشفعاء والوسطاء بينهم وبين الله (( ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله )) ، (( والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى )) وفي شعر الجاهليين تجد كثيرا لفظة الإله والخالق ويقسمون به ويعظمونه لكنهم يعتقدون أن هذه الأصنام هي وسائط وهي مقربات لهذا الإله وإن ذكرها ودعوتها هو ضمان ليستجيب لهم الله دعاءهم ويغيثهم إذا استغاثوا به، إذًا الدعوة السلفية تهتم بتبيين التوحيد الصحيح الذي يكون الناس أحوج ما يكونون إليه وهو ما استخلفه العلماء المحققون من أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أن هناك ثلاث أنواع للتوحيد ، التوحيد السابق واصطلحوا عليه أنه توحيد الربوبية، الإيمان بأن لهذا الكون خالقا رازقا متصفا بصفات الكمال والنوع الثاني من التوحيد هو توحيد الألوهية والنوع الثالث هو توحيد الصفات، هذه صحيح أسماء اصطلح عليها من هؤلاء الأئمة الأعلام ولكن مدلولها وحقيقتها موجود في ثنايا الكتاب والسنة وإنما هؤلاء وضحوها وميّزها واصطلحوا عليها لتتضح الأمور وتتبين الحقائق، توحيد الربوبية قلنا المراد به أما توحيد الألوهية فهو أيضا بصورة إجمالية أن يخص المسلم أصناف العبادة كلها لله عز وجل، هذا الخالق المدبر الذي آمن به وهذا في الحقيقة أمر طبيعي وإذا كان الله هو الخالق المدبر الرازق إلخ فلماذا يدعون غيره ؟ ولماذا يعبدوا سواه ؟ يعبدوا المخلوقين يعبدوا المحتاجين يعبدوا الذين لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا كما يقول الشاعر " ومن قصد البحر استقل السواقي " هذا الإنسان العبد الضعيف العاجر الذي لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا بعثا ولا حياة ولا نشورا كيف تدعوه وتترك ربك الذي بيده كل شيء، الذي إذا أراد شيئا قال له كن فيكون، هل هو ... ؟ هل هو لا يستجيب دعاءك؟ هل هو بعيد؟ هل هو ظالم حتى تخاف منه وتلجأ إلى سواه، إنه رحيم بر بعباده رؤوف بهم يجيب دعوة المضطر إذا دعاه، يقبل التوبة عن عباده، إنه أقرب إلى أحدكم من ...
الشيخ : عنق راحلته .
عيد عباسي : عنق راحلته إليه، إنه الذي يفرح بتوبة التائب أشد من فرحة الإنسان الذي كان في سفر وضلت راحلته ثم وجدها وعليها طعامه وشرابه بعد ما يئس بالهلاك فإذًا هذا الإله العظيم الحكيم الرحيم لم تتركه وتلجأ إلى غيره من هؤلاء الآلهة الذي، الضعفاء العجزة الذين لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا حياة ولا ضرا ولا نفعا، فإذًا ... طبيعي ولذلك فتوحيد الألوهية من أخص خصائص التوحيد وهو من أهم ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الحقيقة معنى قولنا لا إله إلا الله وحده لا شريك له فكلمة لا إله إلا الله هي التي تدخل الإنسان في الإسلام وهي الكلمة الطيبة وهي التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من قال لا إله إلا الله من قلبه مخلصا من قلبه دخل الجنة ) فإذًا علق دخول الجنة على من يقول هذه الكلمة مؤمنا بها مخلصا من قلبه، ما معنى هذه الكلمة؟ هل هي الألفاظ تقال باللسان هكذا دون فقه ولا اعتقاد ولا تطبيق، ليس كذلك، إن الأمور بحقائقها، هذه الكلمة معناها الإله المعبود، أله يأله أي عبد يعبد فالإله المعبود فلا إله إلا الله معناها لا معبود بحق إلا الله فإذًا من ألصق حقائق من ألصق معاني لا إله إلا الله توجيه وتخصيص العبادة كلها، العبادة كلها بأنواعها المختلفة لله عز وجل.
كثير من المسلمين يجهلون العبادة فيظنون أن لا إله إلا الله آمنا معك إلي هي المراد بها تخصيص العبادة لله ونحن أيضا نؤمن بذلك فلا نخصص ولا ولا نسجد لأحد إلا لله، وهذا يعني قصور في الفهم فإنهم يجهلون أن العبادة معنى أشمل وأوسع من ذلك، إن العبادة هي كل ما يحبه الله ويرضاه، العبادة تشمل أنواع التعظيم التي يجب أن تخصّ بالخالق الحكيم، إنها تشمل الدعاء وتشمل النذر وتشمل الذبح وتشمل التوكل وتشمل الإنابة وتشمل الاستعانة وتشمل الذبح قلناها والخوف والخشية والاستغاثة والرجاء والمحبة كل هذه الأنواع هي من العبادات وهؤلاء من جهلهم يظنونها مقصورة على الصلاة وعلى الحج مثلا ، فيدل على ذلك نصوص كثيرة أيضا لا نحصيها الآن لضيق الوقت وإنما نذكر بعض الأمثلة مثلا الدعاء والاستعانة فيقول الله عز وجل (( إياك نعبد وإياك نستعين )) وتقديم المفعول هنا يراد به التخصيص، إياك نعبد يعني لا نبعد غيرك، إيا نستعيد يعني لا نستعين بسواك وهذا هو الفرق بين قولنا إياك نعبدك وبين قولنا نعبدك، لم يقل نعبدك لاحتمال أن يراد بها أو تشمل نعبدك ولا ما نعبد غيرك فقدم المفعول بهذا التخصيص، كذلك قوله عز وجل (( ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين )) فقابل بين (( ادعوني ) و (( إن الذين يستكبرون عن عبادتي )) مبينا أن الدعاء هو عبادة ويوضح هذا تماما قوله صلى الله عليه وسلم الثابت ( الدعاء هو العبادة ) وهكذا الذبح في قوله تعالى (( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي )) ونسكي أي ذبحي ومحياي ومماتي لله رب العالمين والنصوص الأخيرة كثيرة تشمل الخوف والرجاء (( وإياي فارهبون )) (( فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين )) (( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين )) وما أشبه ذلك من النصوص الكريمة، هذه هذا النوع الثاني من أنواع التوحيد الذي يحهله المسلمون وتركز عليه الدعوة السلفية لأن من أخطأ فيه ولأن من جهله ولأن من اعتقد خلافه فهو مشرك ويحكم عليه بالخلود في النار إلا إذا كان لم يبلغ تبلغه هذه الدعوة فأمره إلى الله فيعذره الله ويوضح مصيره الحديث الذي رواه الإمام أحمد وغيره أنه يسأل يبعث إليه يوم القيامة رسول إلى آخر الحديث المعروف.
النوع الثالث من أنواع التوحيد الذي أيضا يجهله كثير من المسلمين يخالفون مضمونه ويشركون بالله به هو توحيد الصفات وهو اعتقاد أن أحدا يشارك الله في صفة من صفاته، الله من صفاته يعلم الغيب وحينما يعتقد إنسان أن بشرا من البشر يعلم الغيب كما يعتقد الصوفية أن شيوخهم يكاشفون فيعلمون ما في نفسه ويطلعون على أحوالك ولو كنت في مشرق الأرض وهم في مغربها فهذا لا شك شرك في الصفات وكذلك حينما يعتقدون في بعض مشايخهم أنهم يقدرون على كل شيء وأنهم يقولون للشيء كن فيكون كما ورد في بعض كتبهم وحينما يعتقدون صفات أخرى هي من أخص خصائص الله عز وجل في أوليائهم وفي مشايخهم أو في الأنبياء والرسل فإنما هم يكونون قد أشركوا بالله عز وجل ومع الأسف هذا انتشر في على كلام، في كلام المتأخرين كثيرا الشعراء منهم الذين يسمّون، لا المدّاح للنبي صلى الله عليه وسلم الذين كتبوا قصائد في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام ويختصون ، يختص الناس بتلاوتها في الموالد والاحتفالات الدينية، هذه تكثر فيها الاستغاثة، هذه الصفات وهذه، نسبة هذه الأمور التي لا يجوز إلا لله نسبتها إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وإلى مشايخهم وإلى أوليائهم والرسول عليه الصلاة والسلام قد حذر كثيرا من هذا وقد أمر بعدم المبالغة في مدحه عليه الصلاة والسلام خشية من الوقوع في هذا الانحراف الخطير، قال عليه الصلاة والسلام مثلا ( لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح بن مريم فقو، فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله ) وحينما جاء بعض الناس وقال له أنت سيدنا وابن سيدنا قال له عليه الصلاة والسلام ( قولوا بقولكم هذا أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان ) فكلمة سيدنا وابن سيدنا الرسول عليه الصلاة والسلام وجد فيها شططا لأن ابن سيدنا نسبة أن عبد الله والد رسول الله هو سيد لهم مع أنه كان مشركا كما في الأحاديث المعروفة، كما في الحديث المعروف فهذا من الشطط وقد حذرهم منه وحينما سمع بعض الجواري والأولاد ينشدون وفينا نبي يعلم ما في غد نهاهم عن ذلك أيضا وقال ( لا يعلم ما في غد إلا الله عز وجل ) فمع هذا التنبيه ومع هذا التحذير من النبي صلى الله عليه وسلم خالفه الناس صراحة وقال قائلهم البوصيري مثلا :
" دع ما ادعته النصارى في نبيهم ***واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم " ، معنى البيت أنك دع لا تقل إن محمدا بن الله وقل ما شئت فيه من الأقوال، وهذا واضح ضلاله وواضح انحرافه وشططه ... فتوحيد الصفات من أخطر أنواع التوحيد التي جهلها المسلمون وخالفوها ومعروف مسألة التوحيد هي الفيصل بين الإسلام والكفر كما قلنا فلو كان إنسان متعبدا أعظم درجات التعبد يصوم النهار يقوم الليل يتصدق يزكي ويقوم بأنواع النوافل المختلفة ويتقرب إلى الله بشتى القربات ويصل الأرحام إلخ ولو أشرك في عمره كله مرة واحدة استغاث بغير الله، قال كلمة فيها وصف أحد المخلوقات بصفة لله فإنها كل عمله باطل وإنه خالد مخلد في النار إذا لم يتب منه قال الله عز وجل (( لئن أشركت ليحبطن عملك )) فإذًا المسألة خطيرة وخطيرة جدا ولذلك يوليها السلفيون الاهتمام الكبير ومن عجب أن باقي المشايخ والعلماء لا يدندون حولها بل يخاصموننا فيها ويقولون ما فيها شيء والمسألة تتعلق بالنية واسألوا نيته هذا الإنسان يريد إنما يريد بذلك وجه الله ويريد التقرب والتحبب وتعظيم هذا النبي وهؤلاء الأولياء مع أنهم يعلمون أن النية لا تشفع للعمل مهما كانت صالحة فلا بد أن يكون العمل صالحا والنية صالحة مصداقا لقول الله عز وجل (( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا )) (( لا يشرك )) أي لتكن نيته صالحة (( فليعمل عملا صالحا )) أي موافقا للسنة كما فسرها بذلك الأئمة والمفسرون مثل ابن كثير وغيره فإذًا يجب الاهتمام بمسألة التوحيد بأنواعه الثلاثة وخاصة النوعين الأخيرين اهتماما بالغا لإنقاذ الناس من الهاوية ومن الضلال .