كلام الشيخ على قوله " إن المشركين كانوا يعتقدون في الله أنه حكيم " ورده على الأشاعرة الذين ينكرون هذه الصفة . حفظ
الشيخ : التنبيه الثاني جاء كلام الأستاذ عيد عباسي في صدد تحدثه عن توحيد الربوبية وأن هذا التوحيد يعتقده جماهير الناس والأمم حتى المشركين وهذا كلام حق ولكن جاء في أثناء كلامه بأنهم يعتقدون بالله أنه خالق مدبر حكيم، فأنا أريد أن ألفت النظر ولي هدف غير الهدف الظاهر من كلمتي هذه، قوله أن المشركين كانوا يعتقدون بأن لهذا الكون خالقا مدبرا لوقف إلى هنا لكان الكلام مسلما ولكنه أضاف إلى ذلك وصفا وصفة أخرى وهي صفة حق لله تبارك وتعالى ولكنه نسب إلى الكفار أنهم كانوا يعتقدون بالله هذه الصفة أيضا وهي أنه حكيم، من المؤسف أن أقول وهذا هو الشيء الآخر الذي أرمي إليه في هذا الكلام، أن اعتقاد أن الله حكيم ليس فقط مما لا يعتقده المشركون الذين كانوا يشركون في توحيد الألوهية وفي توحيد الصفات كما سمعتم شيئا من التفصيل في ذلك، ليس المشركون هؤلاء وحدهم كانوا لا يعرفون الله حكيما، يعرفونه خالقا مربيا مدبرا أمّا أنهم يعرفونه حكيما فلا ولكن مع الأسف الشديد هناك جماهير من المسلمين اليوم لا يعقتدون هذه الصفة لله رب العالمين، هذا ما أردت التنبيه عليه يعني وصف المشركين بأنهم يعتقدون بأن الله حكيم هذا خطأ لأننا نعلم أن هذه الحكمة هي في كثير من الأمور إيمانية ومن أجل ذلك شك في هذه الصفة بعض الطوائف الإسلامية، بعض المذاهب الإسلامية ولا أكتم الحق ولذلك أقول إن كتب الأشاعرة طافحة بأن الله عز وجل لا يوصف بأنه حكيم مع علمهم بأن هذا الاسم الكريم مذكور في القرآن الحكيم الكريم ولكنهم يتأولون هذا الإسم حكيم بأنه من الحُكم وليس من الحكمة فهو حكيم على وزن فعيل بمعنى فاعل أي إنه حاكم أما أنه حكيم بمعنى أنه يضع الشيء في محله مقرونا بالحكمة فهذا مع الأسف الشديد لا أقول إن الأشاعرة لا يؤمنون به بل يصرحون بنفيه وكتبهم طافحة بذلك وشبهاتهم معروفة لأنهم يتساءلون فيقولون ما الحكمة من تعذيب الأطفال ؟ أين الحكمة في تعذيب الأطفال ؟ أين الحكمة في تعذيب الحيوانات ؟ لا شك أن المسلم المؤمن بحكمة الله عز وجل يقول والله قد لا أدري ما الحكمة في تعذيب الأطفال وإن كان بعض علماء التوحيد المؤمنون بهذا الاسم حكيم وبمعناه الصحيح يحاولون أن يوجدوا حكمة ظاهرة في تعذيب، في تأليم الأطفال وتعذيب الحيوانات ولكن أنا في اعتقادي ليس كل مسلم يستطيع أن يستكشف الحكمة الإلاهية في كل تصرف إلاهي ولذلك فلا بد من نهاية الأمر من الإيمان، الإيمان الذي هو الشرط الأول في وصف المؤمنين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة، فالإيمان بالغيب هو الفصل الحق بين المؤمن الصادق والمؤمن الكاذب فإذا نحن عرفنا الله عز وجل أنه وصف نفسه بأنه حكيم فيجب أن نؤمن سواء ظهرت لنا الحكمة أو لم تظهر على أن حكمة الحكيم العليم واضحة بينة في كثير من هذا الخلق المشهود لا سيما المتخصصين في دراسة نظام هذا الكون لكن تبقى هناك أمور كثيرة أو قليلة يخفى الحكمة فيها على كل الناس أو جل الناس أو أقل الناس فما الذي يمنعنا أن نقول (( ويسلموا تسليما )) عجز الأشاعرة عن أن يقفوا على الحكمة في بعض تصرفات الله عز وجل فيما يخلق حملهم إلى انحراف عن هذا النص القرآني فيقول الله قال (( فعّال لما يريد )) (( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون )) فهموا ذلك بأنه لا يسأل عما يفعل لأنه يفعل ما لا حكمة فيه، يفعل ما لا عدل فيه، فعال لما يريد يعني كأي جبار من جبابرة الأرض يتصرف في حدود جبروته دون أن يتقيد بعدل أو بحكمة، هكذا وهم يقولون (( ليس كمثله شيء )) ويغالون في ذلك حتى نفوا عنه الصفات التي وصف الله بها نفسه في كتابه ووصفه بها نبيه في حديثه مع ذلك يتأولون هذه الصفات لماذا ؟ قال تنزيها لله رب العالمين ثم ينسون هذا كله فيصفون الله عز وجل بمثل ما يصفون به الجبابرة، إنه فعال لما يريد بدون عدل وبدون حكمة ومن هنا توصلوا إلى التصريح بقولهم في عقيدة الجوهرة المشهورة عند الأشاعرة، " لله تعذيب الطائع وإثابة العاصي " وشرح هذا عند بعضهم ممن لا يستحيي ولا يخجل أن الله تبارك وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا له أن يدخل محمدا عليه الصلاة والسلام وأن يلقيه في الدرك الأسفل من النار مكان إبليس الرجيم وأن يرفع إبليس الرجيم ويجعله في الدرجة الوحيدة التي قال الرسول عليه السلام ( أرجو أن أكون أنا هو ) في الحديث المعروف لديكم جميعا، قالوا هذا في كتبهم، له إثابة العاصي وتعذيب الطائع فلماذا لا يعذب الحيوان ولماذا لا يعذب الطفل الذي لا يعرف الطاعة من المعصية، وهم يقولون لله أن يعذب الطائع أن يدخل الرسول في الدرك الأسفل من النار ويرفع إبليس في أعلى درجات الجنان.
قالوا هذا صراحة، من أين أخذوا هذا؟ من إطلاقات الآيات الكريمة (( فعال لما يريد )) بلا شك هو فعال لما يريد، هل أحد يستطيع أن يحول بينه وبين ما يريد لكن هل فعال لما يريد بمعنى أنه لا عدل عنده حاشا لله، هل فعال لما يريد بمعنى أنه لا حكمة عنده حاشا لله ولذلك يجب كما نقول دائما وأبدا كل مسألة يجب أن تضم النصوص فيها بعضها إلى بعض وتؤخذ الخلاصة من مجموع هذه النصوص ففعال لما يريد إنما يريد الله عز وجل من هذا النص وأمثاله أن لا أحد يستطيع أن يحول بينه وبين ما يريد أن يفعله لكن هذا ليس معناه أنه ليس بحكيم وليس بعادل كيف والله عز وجل يقول (( أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون )) الجبابرة من العبيد قد يفعلون هذا كما هو الواقع اليوم والمشاهد يرفعون السفلة المجرمين في وظائف وفي منازل رفيعة جدا ويعكسون فيضعون الناس الصالحين في وظائف يستطيع أن يقوم بها الأطفال الصغار.
هذا شأن الجبابرة أن الله عز وجل الجبار بحق الحكيم العليم فهو منزه عن كل شيء ينافي صفة الكمال فيه تبارك وتعالى، هذا ما أردت التنبيه عليه بالمناسبة وأنا أريد كما قلت أن أرمي عصفورين بحجر واحد، العصفور الأول أن لا نصف الكفار بأنهم كانوا يعتقدون بأن الله حكيم لأن هذا بعض المسلمين ما آمنوا به مع أن الله عز وجل أنزل هذه الصفة في القرآن الكريم والعصفور الثاني إلفات النظر إلى أهمية الدعوة السلفية التي تدعو الناس جميعا إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة دون انحراف إلى الأخذ بأقوال علماء الكلام ففي علماء الكلام ما هو إلحاد وكفر بالقرآن وهذا مثاله قد جاءكم من باب التحذير عن وصف الكفار بأنهم يؤمنون بأن الله في الوقت الذي يقولون بأن الله خالق ومدبر للكون يؤمنون بأنه حكيم هذا إذا أمن به المسلمون فهذا هو واجبهم لأن الله ذكر لهم في القرآن أن الكفار الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر فلا يمكن أن يؤمنوا بأن الله حكيم لأن حكمته تخفى في كثير من الأمور من أجل ذلك وقعت الأشاعرة في هذا الانحراف الخطير.