كلمة لبعض المشايخ السلفين بعنوان " الإسلام والقضية الفكرية " . حفظ
الشيخ : ... وهو الداعية المشهور في إدلب للدعوة السلفية المحمدية الطاهرة، نغتنم فرصة وجوده هو وصديقه الأستاذ ... فنطلب منهم أن يفيدونا بكلمة يوجهون يوجهون إليها جميعا فلعل فيها فائدة وذكرى والذكرى تنفع المؤمنين إن شاء الله، وكان فضيلة الأستاذ الشيخ محمد نافع ألقى كلمة في ... ألقيت عنه بالنيابة فلربما سيلقيها علينا لما فيها من فوائد بلا شك نافعة ولكننا لا نقتصر في هذا القدر منه بل نرجو أن يلقيها بكلمة أخرى يوجهها إلى إخواننا السلفيين يضمنها ما ... لا سيما بالنسبة للظرف الذي نحن فيه وهو شهر رمضان المبارك فليتفضل إذا شاء .
الشيخ محمد نافع : بارك الله فيك، الكلمة التي أذيعت في الراديو .
السائل : السلام عليكم .
محمد نافع : والتي اخترتها من أربع كلمات خيرنا في معالجة واحد منها وعنوانها الإسلام والحرية الفكرية .
بسم الله الرحمن الرحيم، لا شيء كالإسلام يربي أتباعه ومعتنقيه على حرية الفكر فهو الدين الوحيد الذي حرر العقول من الأباطيل والخرافات ومن أسر التبيعة العمياء كما حرر النفوس بعبوديتها لله من حبائل الشيطان و ... الشهوات وجعل من المؤمنين به خير أمة أخرجت للناس، من الواضح أن الحرية الفكرية تعني انطلاق الفكر ليقوم بوظيفته الطبيعية من الفهم والعلم فهما ميدانه الفسيح إذ الفكر هو إعمال النظر في الأمر سعيا وراء الحقيقة المنشودة والإنسان بحكم فطرته ميّالا لمعرفة الحقيقة من كل ما يرى ويسمع والله سبحانه إذْ منح الإنسان قوى الحس والتعرف ، جعله مسؤولا عنها حتى لا يستسهل إهمالها فقال جل شأنه (( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا )) وعاب عليه أن ... على منوال ما تقدم من غير تأمل وتعقل حيث قال ... رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم ... الجاهل من الأمم السابقة (( وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا ءاباءنا على أمة وإنا على ءاثارهم مقتدون قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه ءاباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون )) وفي عدة مواطن من القرآن الكريم نعى على المقلدين تقليدهم الخالي من التفكير .
و ... تعاليم الإسلام نجده أطلق العنان للعقل ليستنبط الأحكام من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم و ... النظر إلى الكون ليستفيد مما أودعه الله فيه من كنوز ومعادن ومنافع ونواميس جعلها الله متاعا بين عباده ينال حظه منها كل من أدرك سر العمل والسعي و ... (( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون )) فهو يلفت النظر إلى ما خلف (( أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء )) ثم يأمره بالحث على التفكر والتدبر فيقول (( أفلا تتفكرون )) (( أفلا تعقلون )) (( أولم يتفكروا في أنفسهم )) (( إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون )) (( إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون )) (( وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون )) (( كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون )) (( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا )) أترونه خلق من ذلك ليهملوه؟ أم ليستفيدوا منه ؟ ومن يعرف وفرة المستفيدين من الآيات مثل الإسلام سواء من الصحابة ومن التابعين وتابعيهم يدرك أنهم ما سلكوا طريق الاجتهاد إلا لأن الإسلام سهل لهم وكلفهم أن يجتهدوا في كل أمر فاتهم فيه نص من الشارع فلم يحظوا به أو يطلعوا عليه أو محتملا أكثر من وجه، قال الله تعالى (( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها )) وقال أيضا (( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم )) وقال صلى الله عليه وسلم ( إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر ) وكفى الإسلام شرفا أنه فتح مغاليق العقول وحطم قيودها حضها على الانطلاق ... ولم يحجر ... العلوم التجريبية ... ولا أدل على ذلك من ... المسلمين في الطب والفلك وطبقات الأرض وعلوم البحر و ... وأحوال الحيوانات وسائر العلوم ولم ... لأنه يرى ذلك دينا كما لو سد حاجة الأمة من الصناعات التي تغنيهم عن الاحتياج إلى غيرهم فرض كفاية تأثم الأمة كلها جميعها على ذلك، وقد تأثم أيضا إن لم تفكر في مصدر أسباب القوة المادية الحربية وغير الحربية وتنجزها مصداق قول الله جل شأنه (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة )) و ... رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته بإعمال الفكر ... حياة أمرا يربي الإنسان خشية الله في السر والعلانية وعدّ منها وأن يكون ... فيها فكرا و ... ذكرا كما علمهم أن لا يتقبلوا قولا بغير دليل (( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين )) وذم الاسترسال مع الأهواء ذما شديدا وخفض من شأن من يهمل فكره ولا يستفيد من سمعه وبصره حتى جعله في مستوى الأنعام بل أحط منهم فقال جل شأنه ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم أذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون )) وإذ أوضحنا مدى الحرية الفكرية في الإسلام وإذ أوضحها مدى الحرية الفكرية في الإسلام وتشجيعه للتحرر الفكري واحترامه للعقلاء المفكرين نرى من الضروري التلميح بما أصاب المسلمين في فترات الضعف من انحراف عن التربية الإسلامية القويمة أساء به مسببوه إلى الإسلام والمسلمين عن قصد أو غير قصد فشّل عقولهم وعطل تفكيرهم وحوّل استسلامهم فجعله للشيوخ والمربين بعد أن كان لله وللرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
فلا يتم للمريد وصف الصالح إلا بتمام استسلامه لشيخه بحيث يصبح بين يديه كالميت بين يدي الغاسل وعلّموه بأنه لا يفلح مريد يقول لشيخه لم مع أن كبار أئمة الدين والعلم كانوا لا يسمحون لمقلديهم أن يأخذوا باجتهاداتهم أن يفتوا بها حتى يعلموا دليلهم فيها.
فانظر يا أخي المسلم إلى هذا الانقلاب العظيم الذي قطع الإجتهاد وعطل التفكير ومسخ الحرية الفكرية ومنع التلميذ أن يعترض على شيخه ولو رأه يفعل المنكر كما صرحت بذلك شيوخهم نطقا وكتابة وهم بذلك قد مهدوا للاستعمار حيث استغل المستعمر هذه التربية المنحرفة التي أعطيت صفة الدين فاشترى من المسلمين ضمائر أناس متبوعين وبحكم الطاعة العمياء لهم وصل إلى الكثير من متطلباته وفرض الكثير من سلطانه فأرعب وأخاف وسكت كثير منهم عن الجهر بالحق وأغفلوا الكلام على الآيات المحرر والأحاديث الموقظة وتفاقمت الغفلة في المسلمين من جراء السكوت الناجم عن ظلم الحاكم وتعسفه وتضاءلت الحرية الفكرية ودفعت الحاجة كثيرا من أحرار الفكر أن يصانعوا المتحكمين في رقابهم وأن يكيّفوا أبحاثهم حسب رغبات المستبدين فاختلطت فلسفة الفكر بسياسة الأمر وأنتجت توجيها عقيما لم يلد إلا تفريق الكلمة وتوسيع الخلاف وتعديد الميول والاتجاهات ورزحت الشعوب المسلمة تحت نور الاستعمار المباشر وغير المباشر بمختلف أنواعه العسكري والسياسي والاقتصادي والثقافي ولكن الردى أصبح قويا بأجيالنا الصاعدة التي بدأت يقظتها الفكرية أول القرن العشرين على أيدي بعض المجددين الإسلاميين وسترد الحق إلى نصابه بعون الله تعالى وتجثت داء الجمود والغفلة من العقول والنفوس وتصحح السلوك المعوج الذي ملأ أوساط المسلمين بالفجور والاستهتار والله المستعان على ذلك وهو حسبنا ونعم الوكيل.
السائل : جزاكم الله خيرا .