شرح الشيخ لأثر سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : " إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله..." . حفظ
الشيخ : نعود إلى أحاديث الترغيب والترهيب ونحن على شرطنا السابق الذي نبهنا عليه مرارا أن نختار منه ما ثبت من الحديث، حديثنا الليلة هو في نسختي ذو الرقم السابع والستين قال وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله ولقد كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لنا طعام إلا ورق الحبْلى وهذا السّمُر حتى إن كان أحدنا ليضع كما تضع الشاة ما له خِلْط، رواه البخاري ومسلم.
يفسر بعض غريبه فيقول الحُبْلى بضم الحاء المهملة وإسكان الباء الموحدة والسّمُر بفتح السين المهملة وضم الميم كلاهما من شجر البادية يعني لا ثمر له كان هذا طعامهم، كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لنا طعام إلا ورق الحبْلى وهو شجر في البراري والصحاري وهذا السّمُر أيضا نوع آخر من شجر تلك البلاد وهذا النوع من الشجر يعطي قبضا في باطن الإنسان ولذلك يصف هذا الإمساك الذي يصابون به بسبب أكلهم من هذا الورق لا يجدون مكانا أو بديلا له من الطعام، قال " حتى إن كان أحدنا ليضع كما تضع الشاة ما له خِلط " ، تضع يعني يصير معه إمساك وكأنه امرأة تضع ولدها كم تلاقي من الصعاب، هذا يشعر به بعض المبتلين بالإمساك المزمن فهو يعالج كثيرا وكثيرا حتى يُخرج فضلات طعامه وكان مر معنا في بعض الأحاديث كانوا يُبعِّرون بعرا يعني مثل بعر الماعز لماذا؟ ما له خلط ليس هناك طعام آخر يأكلونه فيختلط مع ذلك الطعام فيلين منه وإنما هو يابس كالحجر ولذلك كانوا إذا خرجوا لقضاء حاجتهم فإنما هم يضعون كما تضع الشاة، فيجدون صعوبة بسبب هذا الإمساك الناتج من أكلهم لورق الشجر الذي ليس فيه حلاوة وليس فيه من الأغذية التي تلين الباطن .
هذا كان طعام من ؟ طعام أولئك الصحابة الغزاة الذين فتحوا لنا هذه البلاد ومن هنا نأخذ عبرة بأن الجيل الذي ينشأ على الترف وعلى النعيم وعلى التمتع بكل ملذات الحياة فهذا من الصعب أن يجاهد هذا الجهاد في سبيل الله عز وجل ذلك لأن الإنسان بطبيعة كونه إنسانا له غرائزه وله طبائعه كلما تأدب على الحب للدنيا والإقبال عليها والرغبة فيها كلما كان معرضا عن كل ما ينافي هذه الحياة ولا سيّما الموت في سبيل الله عز وجل، فهما أمران مرتبطان كلما تشبع الإنسان من دنياه كلما أعرض عن آخرته وكل ما يؤدي إليها وأعظم ما يؤدي إلى الآخرة ويعجل الإنسان إليها إنما هو الجهاد في سبيل الله عادة والعكس من ذلك إذا كان الإنسان ليس مقبلا على الدنيا فإقباله على الآخرة هو ديدنه وهو شأنه ونحن نرى حوادث ونقرأ في كل يوم أن بعض الذين يصابون بشيء مما يزعجهم في الدنيا وليس عندهم إيمان بالآخرة وليس عندهم شيء من الصبر الذي أمر المسلم أن يتمتع إما إذا أصيب بشيء من مصائب الدنيا نجد بعض هؤلاء الناس يعجلون على أنفسهم بالموت وذلك بأن يقتلوا أنفسهم، لماذا ؟ لأنه لم يعد له رغبة في هذه الدنيا لأي أمر كان فإذًا الرغبة في الدنيا تصرف الإنسان عن الآخرة والرغبة على الآخرة تصرفه عن الدنيا وليس معنى هذا أن لا يعمل لدنياه مطلقا وهنا يتدخل الإيمان والإسلام فيعدّل من واقع الإنسان فلا هو بالذي يُقبل على دنياه بحيث ينسى آخرته ويخسرها ولا هو بالذي يقبل على الآخرة بالكلية فينسى دنياه وإذا به أيضا خسر آخرته لأن الله عز وجل جعل هذه الدنيا مزرعة الآخرة والشاهد من الحديث أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعيشون حياة شديدة جدا ولذلك فهم كانوا صابرين كل الصبر على الموت لا يبالون أي مبالاة بأن ما ادّخر الله لهم في الآخرة من النعيم المقيم كان ذلك ينسيهم ما يلقونه من شدة العيش وشظف الحياة في دنياهم حتى وهم خارجون غزاة في سبيل الله عز وجل .
من فضائل سعد كما يشهد هو بنفسه وهو من أصدق الناس أنه قال " إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله عز وجل " النفس تتوق في الواقع لمعرفة تفصيل هذا الأمر ولكني فيما استطعت لم أجد رواية تشرح هذه الأسبقية متى كانت وكيف كانت لكن على كل حال هو يخبر عن هذه المنقبة التي خصه الله عز وجل بها وهي أنه كان أول من رمى بسهم في سبيل الله عز وجل، هل كان هذا في معركة من المعارك المعروفة أم كان في غير معركة في مناسبة أخرى ذلك مما لم أقف عليه .
فهذا الرجل الذي هو كما تعلمون جميعا أحد العشرة المبشرين بالجنة يقول ولقد كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لنا طعام إلا ورق الحبْلى وهذا السمر شجرتان كما ذكرنا حتى إن كان أحدنا يضع كما تضع الشاة ما له من خِلْط.