أرجوا أن توضحوا لنا رأيكم في تحقيق الشيخ ابن القيم رحمه الله في مسألة الهوي إلى السجود على الركبتين " في زاد المعاد " ؟ حفظ
الشيخ : نرجوا أن توضحوا لنا رأيكم في تحقيق الشيخ ابن القيم الجوزية في مسألة الهويّ إلى السجود حيث أفاد في زاد المعاد أن الصحيح وضع الركبتين على الأرض قبل اليدين أرجوا مناقشة. والسلام عليكم.
ولولا أن هذا السؤال تكرر فعلا عشرات المرات ولولا كثرة الابتلاء بمخالفة السنة الصحيحة لما فرّغنا أنفسنا للإجابة على رغبة السائل التي هي مناقشة أدلة ابن القيم.
وابن القيم قد كتب نحو أربع صفحات في هذه المسألة وأطال فيها النفس جدا ولكنه مع الأسف الشديد في هذه المسألة كان بعيدا كل البعد عن تحقيق الصواب فيها ووجدت له عذرا في ذلك حيث أنه ذكر في مقدمة الكتاب وهذا ما ذكره في الواقع وحده يكفي ليدلنا على كون هذا الرجل علّامة ولكن إذا أخطأ في بعض المسائل وقد ألّف الكتاب وهو مسافر فلا غرابة في أن يقع في مثل هذه الأوهام التي سننبه عليها الأن إن شاء الله.
يقول في مطلع هذه المسألة وكان صلى الله عليه وأله وسلم يضع ركبتيه قبل يديه ثم يديه بعدهما ثم جبهته وأنفه قال " هذا هو الصحيح الذي رواه شريك عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر : رأيت رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه ولم يرد في فعله ما يخالف ذلك " .
هنا نلاحظ في هذه الكلمات القصيرة نلاحظ أمرين اثنين غريبين جدا، الأمر الأول يقول هذا هو الصحيح الذي رواه شريك بإسناده الذي ذكره، شريك هذا هو شريك ابن عبد الله القاضي وهو معروف عند علماء الجرح والتعديل بأنه ضعيف بسبب سوء حفظه، وطبعا الوقت لا يتسع لنقرأ عليكم كلمات الأئمة في تجريح هذا الراوي وهو شريك ولكن نكتفي بنقلين اثنين النقل الأول هو أنّ ممن أخرج هذا الحديث الحافظ الإمام الدراقطني في سننه ولما انتهى من سياق إسناده ومتنه قال "وشريك ليس بالقوي" فهذا مُخرِّج أو أحد مُخرِّجي الحديث يُضعِّف هذا الحديث ويعلله بأن شريكا هذا ليس قويا في الحديث، ثم نقْل أخر ننقله مباشرة من كتاب لأحد المؤلفين الذين لا يشك مبتدأ في علم الحديث فضلا عن غيره بأن له قدم صدق في هذا العلم ألا وهو علم الجرح والتعديل وأعني بذلك الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني، فاسمعوا قوله فيه يقول "صدوق يخطئ كثيرا، تغيّر حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة وكان عادلا فاضلا عابدا شديدا على أهل البدع" هذا ترجمة الحافظ ابن حجر لشريك بن عبد الله القاضي رواي هذا الحديث، فهو يعطيه ما يستحق من الفضل من العبادة من الصلاح من نحو ذلك وهو أهمه فيما يتعلق بعلم الحديث الصدق أي إنه لا يكذب ولكنه غُلِبَ على أمره فكان يخطئ كثيرا وتغيّر حفظه أي ازداد سوء حينما ولي القضاء بالكوفة، وهذا أمر طبيعي معروف أن كل عالم اتجه إلى ناحية قوي فيها وعلى العكس من ذلك ضعف في النواحي الأخرى التي انصرف عنها.
فنستغرب بعد هذا قول ابن قيم الجوزية أنه هذا هو الصحيح الذي رواه شريك وشريك لا يروي الصحيح لأنه ضعيف الحفظ لذلك ذكر الحافظ الذهبي نفسه في خاتمة ترجمة شريك هذا من كتابه الميزان "ميزان الاعتدال في نقد الرجال" قال وأخرج مسلم له متابعة يعني أن مسلم لم يحتج بشريك وذلك لسوء حفظه وإنما روى له مقرونا أو متابعة من غيره، كلمة "المتابعة" وحدها تكفي المشتغل بعلم، بهذا العلم أن يعلم أن الرواي لا يحتج بحديثه حتى يأتي من يتابعه أو من يقارنه في رواية الحديث نفسه، والواقع ها هنا أن شريكا تفرّد بهذا الحديث، هذا أول ما يؤخذ على الإمام ابن القيم في الجملة السابقة.
والشيء الثاني والأخير قوله "ولم يرد في فعله ما يخالف ذلك" هذا سبق قلم لانشغال الرجل، قضية سفر، كتابة في أثناء السفر، لماذا؟ لأنه هناك حديثا، أظن أنه ذكره هو نفسه وهو حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وأله وسلم كان يضع يديه قبل ركبتيه هو نفسه أورد هذا الحديث وسيأتي الكلام في محلّه إن شاء الله فيُستغرب قوله أنه لم يُرْوَ في أو "لم يرد في فعله ما يخالف ذلك"، ثم يقول ابن القيم مجيبا عن سؤال يرد في خاطر الدارس لكتابه فيقول وأما حديث أبي هريرة يرفعه ( إذا سجد أحدهم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه ) يجيب عن هذا الحديث الصريح في مخالفة حديث وائل الذي ادّعى ابن القيم أنه هو الصحيح، فيعارضه حديث أبي هريرة مرفوعا للنبي عليه السلام ومن قوله ( إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير ) أي لا يضع ركبتيه قبل يديه لأنه يقول عليه السلام في تمام الحديث ( وليضع يديه قبل ركبتيه ) اسمعوا جواب ابن القيم فإنه في مطلعه تشعرون بضعفه فيقول "فالحديث والله أعلم قد وقع فيه وهم من بعض الرواة فإن أوله يخالف أخره فإنه إذا وضع يديه قبل ركبتيه فقد برك كما يبرك البعير فإن البعير إنما يضع يديه أولا"، هذه شبهة كل الناس وكأنها شبهة ليست مستوحاة فقط من كلام ابن القيم بل شبهة تغلب على عامة الناس الذين لا يشاهدون البعير حين هويِّه دائما وأبدا، فلنناقش ابن القيم في هذه الدعوى، هو يقول "أن البعير حينما يسجد، حينما يبرك فإنما يضع يديه قبل ركبتيه" أرجو إنما يضع ركبتيه.
السائل : هو يقول يديه.
الشيخ : هو يقول يديه نعم، قال "فإن أوله يخالف أخره فإنه إذا وضع يديه قبل ركبتيه - أي المصلي - فقد برك كما يبرك البعير فإن البعير إنما يضع يديه أولا"، هو يقول البعير يضع يديه أولا فنحن نتذكّر الحقيقة المشاهدة دائما وأبدا أن البعير ككل الحيوانات ذوات الأربع يمشي على أربع فهو لا يَتصوّر أن يقاس به الإنسان أو هو يقاس بالإنسان، الإنسان يمشي على رجلين أما البعير فهو يمشي على أربع ولذلك فقوله بأن البعير أول ما يضع إذا برك يضع يديه، هنا فيه قفزة أو فيه غفلة لأننا نقول البعير هل هو حينما يمشي يكون غير واضع لرجليه؟ طبعا لا يقول إنسان غير واضع لرجليه، هو واضع رجليه.
طيب هل يمشي وهو غير واضع يديه؟ الجواب نفسه هو يمشي واضع يديه ورجليه فهو يمشي على أربع.
إذًا للانتباه لهذا الخطأ و الغريب العجيب يجب أن نتهيأ للإجابة عن سؤال بسيط جدا ومع ذلك فالناس أكثرهم غافلون عن الإجابة الصحيحة عليه، ما هو إذا برك البعير، ما هو أول شيء يتلقى الأرض به من بدنه؟ لا يصح أن يقول يداه لأن يديه موضعتان كرجليه إذًا ما هو أول شيء يتلقى به الأرض البعير إذا سجد إذا برك؟ الركبتان لا يصح أن يقال اليدان كما يقول ابن القيم، أن البعير أول ما يبرك إنما يضع يديه، غلط هذا لأنه هو واضعهما الأبد من يوم يسقط من بطن أمه يقع على أربع لا يميل لا يمينا ولا يسارا ثم يمشي هكذا فهو يمشي على أربع، كيف يقال أول ما، إذا برك أول ما يضع يضع يديه وهما موضوعتان؟ إذًا الجواب الصحيح إذا برك البعير فأول ما يضع ولا نقول ركبتيه الأن لأنه هنا في مناقشة من نفس المصنف وسنناقشه في ذلك، إنما نقول إنما يضع على الأرض أول ما يبرك المفصل الذي في مقدمتيه، المفصل الذي في مقدمتيه، هذا المفصل ما اسمه؟ علماء اللغة والحديث والسيرة النبوية كلهم مطبقون على أن هاذين المفصلين في مقدمتي البعير هما ركبتان لكن المصنف لا يسلّم بهذا فاسمعوا قوله تماما من كلامه السابق، قال "ولمّا علم أصحاب هذا القول - يعني الذين يقولون بالحديث الثاني الذي قال إن فيه وهم وهو حديث أبي هريرة ( وليضع يديه قبل ركبتيه ) شو بيقول ابن القيم رحمه الله؟ "ولما علم أصحاب هذا القول ذلك قالوا ركبتا البعير في يديه لا في رجليه فهو إذا برك وضع ركبتيه أولا فهذا هو المنهي عنه"، فعلا ابن القيم يحكي رأي علماء الحديث وعلماء اللغة وغيرهم ممن ذكرنا أنهم يقولون ركبتا البعير في يديه.