كلام الشيخ عن الفرق التي أنكرت صفة العلو لله تعالى وتأويلهم للنصوص التي جاءت في ذلك . حفظ
الشيخ : ويهمنا الأن البحث بصورة خاصة في صفة من هذه الصفات التي اختلف فيها المسلمون منذ أن وُجِدَت المعتزلة وتأثّر من تأثّر بهم ممن ينتمي إلى مذهب أهل السنة كالأشاعرة بصورة خاصة، فالمعتزلة أنكروا كثيرا من الصفات الثابتة في الكتاب والسنة.
يهمنا البحث الأن في صفة العلو لله العلي الغفار، فقد ذهبت المعتزلة وتبعتهم الأشاعرة ثم لحقهم في ذلك جميع المسلمين الذين هم اليوم على وجه الأرض إلا قليلا منهم وهم أهل الحديث.
فالمعتزلة والأشاعرة و أكثر المسلمين اليوم يُنكرون أن يكون الله تبارك وتعالى فوق مخلوقاته كلِّها بل يُصَرِّحون بأن الله عز وجل في كل مكان وأن الله تبارك وتعالى موجود في كل الوجود، أما في الأيات الكثيرة والأحاديث الأكثر التي تثبت لله صفة عُلُوِّهِ على خلقه فهم يتأولونها بتآويل يُعطِّلون معانيها أي هذه التآويل تؤدي بهم إلى إنكار حقائق هذه المعاني التي تضمّنتها النصوص المشار إليها من الكتاب والسنّة.
فمثلا من هذه النصوص الصريحة في إثبات العلوّ لله عز وجل الأية السابقة (( الرحمن على العرش استوى )) فهم يُؤوّلون هذه الأية فيُعطِّلون معنى العلو فيها بقولهم (( الرحمن على العرش استوى )) أي استولى، هكذا يُفسّرون الأية (( الرحمن على العرش استوى )) يعني استولى من الإستيلاء ويحتجون على ما ذهبوا إليه من التأويل المذكور بشعر معروف وهو :
" استوى بِشْر على العراق *** بغير سيف ودم مهراق " .
"استوى بشر على العراق" بمعنى استولى هكذا يُفسِّرون الأية الكريمة (( الرحمن على العرش استوى )) معناه عندهم استولى.
وهم حينما يُفسّرون هذا التفسير لا يتنبّهون مع الأسف الشديد إلى أنهم صحّ فيهم المثل العامي " كان تحت المطر صار تحت المزراب " لأنهم بزعمهم نزّهوا الله من أن يكون فوق المخلوقات بزعمهم أنه هذا لا يليق بالله عز وجل لأننا إذا قلنا إنه فوق المخلوقات حصرناه في مكان، هذه شبهتهم وسنأتي على إبطالها قريبا إن شاء الله، فرارا من هذا الزعم الذي زعموه أنه يلزم من وصف الله بأنه فوق المخلوقات تحجيزه في مكان فرّوا بزعمهم من هذا ووقعوا فيما هو شر منه، وذلك حينما فسّروا استوى بمعنى استولى، فإن معناه أن الله عز وجل قبل ذلك لم يكن مستوليا لأنه في بعض الأيات المتعلقة باستواء الرب على عرشه قال تعالى (( ثم استوى العرش )) ، (( خلق سبع سموات ثم استوى على العرش )) وكلنا يعلم أن ثم تفيد التراخي فبعد أن خلق السموات والأرض استولى على العرش ومعناه أن قبل ذلك لم يكن مستوليا ولازم هذا أنه كان عاجزا عن الإستيلاء شأن الخالق الأكبر سبحانه وتعالى كشأن بِشْر الذي ضربوا به المثل فقالوا في الشعر : " استوى بِشْر على العراق " هذا بلا شك معناه لم يكن قبل ذلك مستويا، ولماذا؟ لأنه لم يكن قادر على الإستيلاء ولذلك قال " استوى بِشْر على العراق *** بغير سيف ودم مهراق " ، فكلمة استوى بمعنى استولى فيه تعجيز لرب العالمين لم يتنبهوا له لأنه (( ثم استوى )) أي ثم استولى وقبل ذلك ماذا كان؟ كان غير مُسْتول، مع أن المسلم بمجرد أن يستحضر عظمة الله تبارك وتعالى وأنه قادر على كل شيء، مجرد استحضاره لهذا المعنى يعلم أنه ما يخلق شيئا إلا وهو مسيطر عليه لا تنفك سيطرته عنه لحظة مهما دَقَّت وصغُرت.
فإذًا هم بزعمهم في سبيل تنزيه الله عن المعنى الخاطئ الذي قام في نفوسهم وقعوا في تنقيص الله عز وجل وفي نسبتهم له إلى العجز والتقصير لأنه لم يكن مستوْليا على العرش ولو لحظة من الزمن ثم استولى على العرش وهذا ضلال لا يحتاج إلى كبير شرح.