قلتم يجب علينا اتباع الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح، لكن هناك من الناس من يقول: ما لنا وللصحابة هم رجال ونحن رجال وقد اختلفوا فيما بينهم، فكيف نرجع إليهم وهم قد اختلفوا في عدة مسائل ؟ حفظ
السائل : وهناك بعض الأسئلة الجديدة هي مجمل الأسئلة تدور على أساس فضيلة الشيخ أنكم قلتم أننا يجب أن نتّبع الكتاب والسنّة لكن هناك من الناس من يقول بأننا يعني ما لنا والصحابة فهم رجال ونحن رجال وهم اختلفوا فيما بينهم فكيف يكون نرجع لهم وهم مختلفين فيما بينهم في أمور متعددة؟
الشيخ : أنا أشرت في كلمتي السابقة أن الصحابة إذا كانوا على تفسير واحد لا يجوز الخروج عليهم أما إذا كان كما في سؤال السائل إذا الصحابة أنفسهم اختلفوا فحينذاك وجب على أهل العلم أن يُقوموا بتحقيق نص من نصوص الكتاب الكريم ألا وهو قوله تبارك وتعالى (( فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر ذلك خير وأحسن تأويلا )) بحثنا السابق كان - يا إخواننا يجب أن تفهموا علينا جيدا ما نطرحه عليكم من النصائح والعلم - نحن نقول أية (( وفي سبيل الله )) قد فسّرها المفسّرون قديما صحابة وتابعين وأئمة مجتهدين وبَنوا عليها بعض الأحكام الفقهية على أن المقصود بها الجهاد في سبيل الله، قول أخر للإمام أحمد أنه أيضا يدخل فيه الحجّ في سبيل الله، ما أحد من الصحابة خالف في هذا إطلاقا ولذلك فهذا السؤال لا يرد فيما نحن فيه، قد يرد في مكان أخر فجوابه أنهم إن اختلفوا فصحيح حينذاك نحن رجال وهم رجال لكن هذا الذي يقول نحن رجال ما وزنه في العلم؟ هل هو هذا الذي قلنا إنه يفتي بما قال الله وما قال رسول الله ويَدْرس أقوال السلف ويعرف إنه المسألة هذه فيها قولان وإلا ما فيها إلا قول واحد إن كان كذلك فقد يجوز أن يقول الإنسان هم رجال ونحن رجال، وإن كان هذا فيه شيء من التزكية للنفس وذلك طبعا محضور شرعا ولكن على كل حال إذا ما قاله بلسان القال فيمكن أن يقوله بلسان الحال فمن الذي يجوز أن يقول عن نفسه بلسان الحال نحن رجال ومتى يجوز له أن يقول نحن رجال كما هم رجال؟ الجواب أولا إنما يجوز أن يقول القائل من المتأخّرين هُم الصحابة رجال نحن رجال إذا كان جرى على سَنَنِهم وعلى خطتهم وعلى من منهجهم من حيث عدم الإفتاء بالرأي وإنما بما جاء في الكتاب والسنّة فإن كان هذا الذي يقول هم رجال ونحن رجال سار على المنهج الذي جرى عليه أولئك الرجال جاز له أن يقول ولو بلسان الحال نحن رجال وهم رجالز
هذا أولا وثانيا متى يقول هذا؟ يقول هذا إذا اختلفوا أما إذا اتفقوا فليس هو برجل بل قول ونحن رجال دليل على أنه ليس من الرجال لأن الله عز وجل قد ذكر في الأية السابقة التي احتججت بها على أنه لا يجوز لأحد اليوم أن يأتي بتفسير جديد بنصّ من قرأن الله القديم فُسّر على وجه سبق، فلا يجوز الأن أن نُفسّر نحن هذا النص بتفسير جديد لم يُسبق إليه.
هذا يكون قد خرج على ما كان عليه أولئك الصحابة وهناك يتحقّق فيه قول الله عز وجل وقول الرسول عليه السلام معروف، أما قول الله فهي الأية السابقة (( ومن يشاقق الرسول من بعد تبيّن له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولّى ونصله جهنم وساءت مصيرا )) لماذا ذكر الله عز وجل في هذه الأية (( ويتبع غير سبيل المؤمنين )) ؟ لماذا لم تكن الأية "ومن يشاقق الرسول من بعد تبين له الهدى نولّه ما تولى"؟ لماذا زاد هذه الجملة المعطوفة على الرسول فقال (( ويتبع غير سبيل المؤمنين )) ذلك لما ذكرناه أنفا أن الصحابة الذين تلقوا العلم أي القرأن والحديث من الرسول عليه الصلاة والسلام مباشرة كانوا أفهم الناس عقولا وأطهر الناس قلوبا وأزكى الناس نفوسا ولذلك كانوا يُبادرون إلى تطبيق أحكام الله عز وجل مهما كانت شديدة على النفس لاسيما إذا كانت حديث عهد بالإسلام، هؤلاء الصحابة هم الذين تلقوا القرأن والسنّة وفهموه وطبّقوه إذا نحن جئنا في أخر الزمان فخالفناهم في فهمهم في عملهم انطبقت علينا تلك الأية (( ومن يشاقق الرسول من بعد تبيّن له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين )) فنكون قد اتبعنا سبيل غير سبيل المؤمنين، والمثال الأن بين أيديكم إذا لم يوجد في السلف من قال (( وفي سبيل الله )) يدخل فيه كل المشاريع الخيرية فمعنى الذي يُفتي ويُفسّر الأية بهذه الكليّة أنه خالف سبيل المؤمنين، أما إذا اختلفوا كما جاء في السؤال فحينذاك لنا جواب ثاني وهو منصوص أيضا في القرأن الكريم (( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر ذلك خير وأحسن تأويلا )) ، نعم.
ومشكلة جديدة اليوم إن كثيرا من الناس يعلمون أن المسألة فيها خلاف فعلا، فكيف يتبنّون قولا ويرجّحونه على قول؟ ليس اعتمادا على هذا الأمر الإلهي وتنفيذا له (( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول )) لا يرجعون إلى الله والرسول ومعنى الأية كما هو معلوم لدى الجميع الرجوع إلى كتاب الله وإلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذًا إلى ماذا يرجعون؟ والله هذا الأيسر، هذا الأصلح وهذا يعني بيشجّع الناس على التمسّك بالدين، أهكذا أمر رب العالمين في الأية؟ لا (( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر ذلك خير وأحسن تأويلا )) ، فمن لم يرجع هذا المرجع ما يكون يعني فيه إشعار في الأية أنه في قلبه زغل وفي إيمانه ضعف، لذلك ينبغي نحن معشر المسلمين جميعا بالقسمين السابقين، من كان من أهل العلم حقا فسبيله أن يرجع إلى كتاب الله وحديث رسول الله وما اتفق عليه أصحاب رسول الله، فإن تنازعوا رجع إلى كتاب الله وحديث رسول الله بحكم هذه الأية، ومن كان من عامة الناس ليس من أهل العلم يرد الأية السابقة الذكر (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) من هم أهل الذكر؟ عرفنا بوضوح كما قال ابن القيم " العلم قال الله قال رسوله " ، أهل الذكر أهل العلم بالقرأن وبالسنّة أما السؤال هذا فعما تنازعوا فيه، لقد تنازع الصحابة كثيرا في بعض المسائل الفرعية ولم يختلفوا والحمد لله في شيء من العقيدة بخلاف الخلف، فلما تنازعوا رجع العلماء المسلمين وبخاصة منهم المجتهدين إلى القرأن وإلى السنّة فرجّح كل منهم ما تبيّن له أنه الراجح.
فأرجو أن لا يختلط الأمر على أحد من الحاضرين بين وجوب اتباع الصحابة فيما اتفقوا عليه وعدم الخروج عليهم برأي جديد وبينما إذا كانوا اختلفوا فحين ذلك نقول أو يقولون هم رجال ونحن رجال بالشرط السابق أن يكونوا يتحاكمون إلى كتاب الله وحديث رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم.