رد الشيخ على بعض الشبهات المتعلقة بإفراد النبي صلى الله عليه وسلم بالمتابعة . حفظ
الشيخ : فهناك بعض الشبهات تقوم حجر عثرة في طريق البقاء على هذا الإفراد الذي أشرت إليه في مطلع كلمتي هذه وهي كما نوحد الله في عبادته فعلينا أن نفرد الرسول عليه السلام في الإقتداء به وقف أمام تحقيق هذا الاقتداء بعض الشبهات ففتح بعض الناس على المسلمين الاقتداء أيضا بغير ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعنى ذلك فتحوا باب الإشراك مع الرسول في اتباعه وفي الاقتداء به وهذا إخلال بالشهادة الثانية " وأشهد أن محمدا عبده ورسول " تمسكوا ببعض الشبهات فأذكر الآن شبهة واحدة وأجيب عليها ليقاس على غيرها ما قد تسمعون من شبهات أخرى لا تقلقل هذا الركن الثاني من الشهادتين " وأن محمدا عبده ورسوله " ذلك الدليل أو الشبهة التي استندوا عليها من الحديث ما جاء في صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد وغيرهما من كتب السنة من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أجورهم شيء ... ) إلى آخر الحديث، يقولون في تفسير هذا الحديث ( من سنّ في الإسلام ) أي من ابتدع في الإسلام ( سنة حسنة ) أي بدعة حسنة ( فله أجرها ) إلى آخر الحديث فالذي أريد بيانه الآن في هذه الساعة المباركة إن شاء الله أن أقول ليس معنى الحديث كما يزعمون ليس الحديث من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة وإنما معنى الحديث من فتح طريقا إلى سنة حسنة مشروعة معروفة في الإسلام وليست محدثة كما يزعمون فله أجر إحيائه لهذه السنة وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أجورهم شيء والدليل على هذا الذي نقول أمور أولها : سبب ورود الحديث وقد تعلمنا من علمائنا علماء التفسير خاصة أن من عرف سبب نزول الآية فقد عرف نصف معناها فعليه أن يتعرف على النصف الأخر من اللغة العربية وأدابها فاقتبست من قولهم هذا أن من عرف سبب ورود حديث ما، حديث ما من عرف سبب ورود حديث ما سهل عليه فهم نصف المعنى ولم يبق عليه إلا أن يفهم النصف الآخر ونحن نذكر الآن سبب ورود هذا الحديث لتتأكدوا معي أن تفسيرهم للحديث بما حكيناه آنفا من أبطل الباطل لا يليق برجل أعجمي أن يفسر ذلك التفسير فضلا عن رجل عربي فضلا عن أن ينسب ذلك المعنى إلى أفصح من نطق بالضاد صلى الله عليه وآله وسلم سبب ورود الحديث قال جرير رضي الله تبارك وتعالى عنه كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجاءه أعراب مجتابي النمار متقلدي السيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر فلما رأهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تمعّر وجهه تمعّر وجهه أي تغيرت ملامح وجهه عليه الصلاة والسلام حزنا وأسى وأسفا على فقر هؤلاء الأعراب فقال عليه الصلاة والسلام فقام عليه الصلاة والسلام خطيبا في الصحابة وتلا قوله عز وجل (( يا أيها الذين ءامنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين )) ثم قال عليه الصلاة والسلام ( تصدق بدرهمه بديناره بصاع شعيره فما كان من أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن نهض بعد أن سمع هذه الخطبة المباركة ليذهب إلى داره ويعود وقد حمل في طرف ثوبه ما تيسر له من طعام أو دراهم ودنانير فوضعها أمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك قام كل منهم إلى داره ليعود بما تيسّر له من طعام ودراهم فاجتمع أمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات كأمثال الجبال أكوام فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تنوّر وجهه عليه الصلاة والسلام كأنه مذهبة أي كأنه فضة مطلية بالذهب تلألأ فرحا عليه الصلاة والسلام باستجابة أصحابه لحثه إياهم على الصدقة وقال بهذه المناسبة ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أجورهم شيء ... ) إلى آخر الحديث وهنا نقول كيف يصح تفسير الحديث بالتفسير السابق وهو لا يتلاءم بل يتنافر تمام التنافر مع ما وقع من الصدقة في مجلس النبي صلى الله عليه وأله وسلم بعد أن سمعتم سبب ورود الحديث لا تجدون هناك بدعة حدثت بعد أن لم تكن معروفة بينهم، لا شيء من ذلك أبدا لا شيء إلا الصدقة كما سمعتم وقد تلا على أصحابه عليه السلام الآية الكريمة التي تأمر بالصدقة ثم أكّد ذلك بقوله عليه السلام ( تصدق رجل بدرهمه بديناره بصاع بره بصاع شعيره ) فإذًا هذا كله يدل على أن القصة ليس فيها بدعة وإنما فيها سنة مشروعة ألا وهي الصدقة، الإنفاق على هؤلاء الفقراء الذين جاؤوا ضيوفا على أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذه المناسبة قال عليه الصلاة والسلام ( من سن في الإسلام سنة حسنة ) في تمام الحديث اختصرته اختصارا ( ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها يوم القيامة دون أن ينقص من أوزارهم شيء ) .