هنالك من يقول إذا عارض الحديث آية من القرآن فهو مردود مهما كانت درجة صحته وضرب مثالا على ذلك بحديث ( إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ) واحتج بقول عائشة رضي الله عنها في ردها الحديث بقول الله عزوجل (ولا تزر وازرة وزر أخرى ) فكيف يرد على من يقول ذلك ؟ حفظ
السائل : سؤال آخر فضيلة الشيخ هنالك من يقول إذا عارض الحديث آية من القرآن فهو مردود مهما كانت درجة صحته وضرب مثال على ذلك بحديث ( إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم واحتج بقول عائشة في ردها الحديث بقول الله عز وجل (( ولا تزر وازرة وزر أخرى )) فكيف يرد على من يقول ذلك ؟
الشيخ : رد هذا الحديث هو من مشاكل رد السنة بالقرآن وقد فصّلنا آنفا الكلام على انحراف ذلك عن الخط المستقيم أما الجواب عن هذا الحديث وبخاصة من تمسك بحديث عائشة فهو أولا من الناحية الحديثية حديث ( إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ) هذا الحديث لا سبيل لرده من الناحية الحديثية لسببين اثنين الأول أنه قد جاء بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنه والسبب الثاني أن ابن عمر لم يتفرد به بل تابعه على ذلك عمر بن الخطاب وهو وابنه لم يتفردا به فقد تابعهم المغيرة بن شعبة وهذا مما يحضرني في هذه الساعة لأن هذه الروايات عن هؤلاء الصحابة الثلاثة في الصحيحين صحيح البخاري وصحيح مسلم أما لو أن الباحث بحث بحثا خاصا في هذا الحديث فسيجد له طرقا أخرى وكل هذه الأحاديث الثلاثة كلها أحاديث صحيحة الأسانيد فلا تردّ بمجرد دعوى التعارض مع القرآن الكريم ذلك لأن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ) قد أجاب أو قد فسر العلماء هذا التفسير بوجهين اثنين، الوجه الأول أن هذا الحديث إنما ينطبق على الميت الذي كان في قيد حياته يعلم أن أهله بعد موته سيرتكبون مخالفات شرعية يعلم ذلك ثم هو لم ينصحهم ولم يوصهم أن لا يبكو عليه لأن هذا البكاء يكون سببا لتعذيب الميت، بعبارة عربية ( إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ) الميت هنا ال للتعريف ليست للاستغراق والشمول أي ليس الحديث بمعنى إن كل ميت يعذب ببكاء أهله عليه وإنما ال هنا ال العهد أي الميت الذي لا ينصح أهل بأن لا يرتكبوا بعد وفاته ما يخالف الشرع فهذا الذي يعذب ببكاء أهله عليه أما من قام بواجب النصيحة وبواجب الوصية الشرعية أن لا يبكوا أن لا ينوحوا عليه وأن لا يأتوا بالمنكرات التي تفعل خاصة بهذا الزمان فإذا لم يوص ولم ينصح عذّب وإذا نصح ووصّى لم يعذب، هذا التفصيل هو الذي يجب أن نفهمه من التفسير الأول لكثير من العلماء المعروفين والمشهورين كالنووي وغيره .
وإذا عرفنا هذا التفصيل وضح أن لا تعارض بين هذا الحديث وبين قوله تعالى (( ألا تزر وازرة وزر أخرى )) إنما يظهر التعارض فيما لو فهم الميت أن الـ هناك إنما هو للاستغراق و الشمول أي كل ميت يعذب حينئذ يشكل الحديث ويتعارض مع الآية الكريمة أما إذا عرفنا المعنى الذي ذكرناه آنفا فلا تعارض ولا إشكال لأن الذي يعذب إنما يعذب بسبب عدم قيامه بواجب النصح والوصية، هذا هو الوجه الأول مما قيل في تفسير هذه الحديث لدفع التعارض المدعى، أما الوجه الثاني وهو الذي فهو الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بعض مصنفاته أن العذاب هنا ليس عذابا في القبر أو عذابا في الآخرة وإنما هو بمعنى التألم وبمعنى الحزن أي إن الميت إذا سمع بكاء أهله عليه أسف وحزن لحزنهم هم عليه هكذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية وهذا لو صح لاستأصل شأفة الشبهة لكني أقول إما هذا التفسير يتعارض مع حقيقتين اثنتين لذلك لا يسعنا إلا أن نعتمد على التفسير الأول للحديث، الحقيقة الأولى إن في حديث المغيرة بن شعبة الذي أشرت إليه آنفا زيادة تبيّن أن العذاب ليس بمعنى التألم وإنما هو بمعنى العذاب المتبادر أي عذاب في النار إلا أن يعفو الله تبارك وتعالى كما هو صريح قوله عز وجل (( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) ما هو رواية المغيرة قال ( إن الميت ليعذب ببكاء أهله يوم القيامة ) يعذب بسبب بكاء أهله عليه يوم القيامة وليس بالقبر الذي فسره ابن تيمية بالألم والحزن، الحقيقة الأخرى هي أن الميت إذا مات فالذي تدل عليه أدلة الكتاب والسنة أنه لا يحس بشيء يجري من حوله سواء كان هذا الشيء خيرا أم شرا اللهم إلا في بعض المناسبات التي جاء ذكرها في بعض الأحاديث إما كقاعدة لكل ميت أو لبعض الأموات حيث أسمعهم الله عزّ وجل بعض الشيء الذي يتألمون به .
من الأول الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( إذا وضع الميت في قبره وانصرف الناس عنه إنه ليسمع قرع نعالهم وهم عنه مدبرون ) يسمع قرع نعالهم وهم عنه مدبرون في هذا الحديث الصحيح إثبات سمع للميت خاص في وقت دفنه وحين ينصرف الناس عنه أي في الوقت الذي يجلسه الملكان الذان يسألانه عن ربه عن دينه عن نبيه فقد أعيدت الروح إليه فهو في هذه الحالة يسمع قرع النعال فلا يعني الحديث بداهة أن هذا الميت وكل الأموات هكذا تعاد إليها أرواحهم إنهم يظلون يسمعون قرع نعال المارة بين القبور إلى يوم يبعثون لا إنما هذا وضعٌ خاص وسماع خاص من الميت لأنه أعيدت روحه إليه وحينئذ لو أخذنا بتفسير ابن تيمية وسّعنا دائرة إحساس الميت بما يجري حوله سواء عند نعشه قبل دفنه أو بعد وضعه في قبره معنى ذلك أنه يسمع بكاء الأحياء عليه هذا يحتاج إلى نص، النص أولا مفقود وثانيا بعض نصوص الكتاب والسنة الصحيحة تدل على أن الموتى لا يسمعون وهذا بحث طويل ولا أريد أن أضيع عليكم الجواب عن بقية الأسئلة بل لا أستطيع الإجابة عن بقية الأسئلة إنما على الأقل عن بعضها ولكني سأذكر شيئا أو حديثا واحدا وأنهي الجواب عن هذا السؤال، لا شك أنكم قرأتم أو سمعتم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام ) ( إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام ) سيّحين طوّافين على المجالس فكلما صلى مسلم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهناك ملك موكل يوصل هذا السلام من ذاك المسلم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلو كان الأموات يسمعون لكان حق هؤلاء الأموات أن يسمع هو؟ نبينا صلى الله عليه وآله وسلم لم فضله الله تبارك وتعالى وخصه بخصائص على كل الأنبياء والرسل والعالمين .
فلو كان أحد يسمع لكان سمع الرسول صلى الله عليه وسلم ثم لو كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسمع شيئا بعد موته لسمع صلاة أمته عليه ومن هنا تفهمون خطأ بل ضلال الذين يستغيثون ليس بالنبي صلى الله عليه وسلم بل وبمن دونه سواء كانوا رسلا أو أنبياء أو صالحين لأنهم لو استغاثوا بالرسول عليه السلام لما سمعهم كما هو صريح القرآن (( إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم )) إلى آخر الآية.
فإذًا الموتى بعد موتهم لا يسمعون إلا ما جاء النص في قضية خاصة كما ذكرت أنفا من سماع الميت قرع النعال وبهذا ينتهي الجواب عن هذا السؤال .