بيان الشيخ أن الظن لا يجوز مطلقا لا في الأحكام ولا في العقائد . حفظ
الشيخ : ولو كان الظن المنعي على المشركين في هذه الآيات هو الظن الغالب كما يزعم أولئك المستدلون لم يجز حينئذ الأخذ به في الأحكام أيضا وذلك بسببين اثنين .
الأول أن الله أنكره عليهم إنكارا مطلقا لم يخصه بالعقيدة دون الأحكام والآخر أنه تعالى صرح في بعض الآيات أن الظن الذي أنكره على المشركين يشمل القول به في الأحكام أيضا التي كانوا يظنون فيها ظنا فاسمع إلى قوله تعالى الصريح في ذلك (( سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا )) فهذا عقيدة (( ولا حرّمنا من شيء )) وهذا حكم (( كذلك كذّب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون )) ويفسّرها قوله تبارك وتعالى (( قل إنما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ))، فثبت مما تقدم أنّ الظن الذي لا يجوز الأخذ به إنما هو الظن اللغوي المرادف للخرص والتخمين والقول بغير علم وأنه يحرم الحكم به في الأحكام أيضا كالعقائد و ... وإذا كان الأمر كذلك فقد سلم لنا القول المتقدم أن كل الآيات والأحاديث المتقدمة الدالة على وجوب الأخذ بحديث الآحاد في الأحكام تدل أيضا بعمومها وشمولها على وجوب الأخذ به في العقائد أيضا ...
والحق أن التفريق بين العقيدة والأحكام في وجوب الأخذ فيها بحديث الآحاد فلسفة دخيلة في الإسلام لا يعرفها السّلف الصالح ولا الأئمة الأربعة الذين يقدرهم جماهير المسلمين اليوم في العصر الحاضر .
وإن من أعجب ما يسمعه المسلم العاقل اليوم هو هذه الكلمة ... كلما ضعف إيمانهم عن التطبيق بحديث حتى ولو كان متواترا عند أهل العلم بالحديث كحديث نزول عيسى عليه السّلام في آخر الزمان فإنهم يتسترون بقولهم حديث الآحاد لا يثبت به عقيدة و ... العجب أن قولهم هذا هو في نفسه عقيدة كما قلت مرة لبعض من ناظرتهم في هذه المسألة وبناء على ذلك فعليهم أن يأتوا بالدليل القاطع على صحة هذا القول وإلا فهم متناقضون فيه وهيهات هيهات فإنه لا دليل لهم إلا مجرد الدعوى والظن والخرص ومثل ذلك مردود في الأحكام ... العقيدة وبعبارة أخرى لقد فروا من القول بالظن الراجح في العقيدة فوقعوا فيما هو أسوأ منهم وهو قولهم بالظن المرجوح فيها (( فاعتبروا يا أولي الأبصار )) وما ذلك إلا بسبب البعد عن التفقه في الكتاب والسنة والاهتداء بنورها مباشرة والانشغال عنه بآراء الرجال فإن هناك أدلة أخرى أخص في الدلالة مما سبق، ترى أنه لا بد .