بيان سبب وقوعهم في هذا المنحدر وهو تقديم القياس على الحديث . حفظ
الشيخ : ومنشأ الخطأ في تقديمهم إياها والسنة إليهم إنما هو نظرتهم إلى السّنة أنها بمرتبة دون المرتبة التي أنزلها الله تبارك وتعالى فيها من جهة وفي شكّهم في ثبوتها من جهة أخرى وإلا كيف جاز لهم تقديم القياس عليها علما بأن القياس رأي على الرأي والاجتهاد وهو معرض للخطأ كما هو معلوم ولذلك لا يُضطر إليه عند الضرورة كما تقدم في كلمة الشافعي " لا يحل القياس والخبر موجود " وكيف جاز لهم تقديم أهل بعض البلاد عليها وهم يعلمون أنهم مأمورون بالتحاكم إليها عند التنازع كما سلف وما أحسن قول الإمام السبكي في ... المتمذهب بمذهب يجد حديثا لا يأخذ به مذهبه ولا علم قائلا به من غير مذهبه قال " فالأولى عندي اتباع الحديث و ... الإنسان نفسه بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد سمع ذلك منه فيسعه التأخر عن العمل به لا والله وكل أحد مكلف بحد فهمه " .
قلت وهذا يعيد ما ذكرنا من أن الشك في ثبوت السنة هو مما رماهم في ذاك الخطأ وإلا فلو كانوا على علم بها وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قالها لم يتفوهوا بتلك القواعد فضلا عن أن يطبقوها وأن يخالفوا بها مئات الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا مستند لهم في ذلك إلا الرأي والقياس أو اتباع عمل طائفة من الناس كما ذكرنا وإنما العمل الصحيح ما وافق السّنة والزيادة على ذلك زيادة في الدين والنقص منه نقص في الدين قال ابن القيم فالأول القياس والثاني التخصيص الباطل، وكلاهما ليس من الدّين، ومن لم يقف مع النصوص فإنه تارة يزيد في النص ما ليس منه ويقول : هذا قياس، ومرة ينقص منه بعض ما يقتضيه ويخرجه عن حكمه ويقول : هذا تخصيص، ومرة يترك النص جملة ويقول : ليس العمل عليه، أو يقول : هذا خلاف القياس، أو خلاف الأصول .
قال ونحن نرى أن كلّما اشتد توغل الرجل في القياس اشتدت مخالفته للسنن، ولا نرى خلاف السنن والآثار إلا عند أصحاب الرأي والقياس، فلله كم من سنة صحيحة صريحة قد عطلت به ؟ ، وكم من أثر درس حكمه بسببه ؟
فالسنن والآثار عند والآرائيين والقياسيين خاوية على عروشها، معطلة أحكامها، معزولة عن سلطانها وولايتها، لها الاسم ولغيرها الحكم، لها السّكة والخطبة ولغيرها الأمر والنهي، وإلا .