شرح حديث : ( إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه ) فما ذنب الميت ؟ حفظ
الشيخ : إن الميت يُعذب ببكاء أهله فما ذنب الميت؟ هذا حديث صحيح متفق عليه، للحديث عند العلماء تفسيران، التفسير الأول يُعذب ببكاء أهله عليه بسبب أنه لم يحذرهم ولم ينصحهم ولم يعلمهم آداب الأقارب مع ميّتهم إذا مات، هذا هو القول الأول فإذًا على هذا التفسير يؤاخذ الميت بكسبه لأنه لم يقم بواجبه تجاه أقاربه، فإذًا الحديث يتمشّى على هذا التفسير مع قوله تعالى (( ألا تزر وازرة وزر أخرى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى )) فبكاء الأولاد وبكاء الزوجة والأقارب على الميت إذا كان بسبب تقصير الميت في عدم نهيه إياهم عن البكاء فهو يعذّب أما إذا قام بواجبه تجاههم ثم مع ذلك خالفوا تعليمه إياهم فهو ليس مؤاخذ، هذا التفسير الأول، هو عندي مرجوح عفوا راجح .
التفسير الثاني وهو التفسير المرجوح ( إن الميت ليعذب ) ليس المقصود هنا بالعذاب هو الذي يعلمه الإنسان يعذب بالنار يعذب بالجلد بالضرب إلخ وإنما العذاب هنا هذا التأويل الثاني معناه التألم، إن الميت ليعذب أي ليتألم ببكاء أهله عليه، على هذا التأويل لا إشكال في الحديث فيما يتعلق بآية (( ألا تزر وازرة وزر أخرى )) والحقيقة أنني عشت سنين وأنا مطمئن لهذا التأويل ثم بدا لي بطلانه من حيث الرواية ومن حيث الدراية، أما الرواية فقد وجدت في صحيح مسلم في هذا الحديث في رواية له بزيادة يوم القيامة ( إن الميت ليُعذب ببكاء أهله عليه يوم القيامة ) التأويل الثاني مهضوم بعض الشيء لولا الأمر الثاني الذي سأذكره فيما لو تصورنا أن التألم في القبر، أما وقد جاءت الزيادة تقول يعذب يوم القيامة فقد بطل التأويل الثاني وتأكدنا من أن التأويل الأول هو الصحيح، يعذّب يعني يضرب يجلد في النار إلى آخر ما هنالك من أنواع من العذاب فليس هو بمعنى التألّم، هذا هو من حيث الرواية بزيادة يوم القيامة ... يوم القيامة يعذب، يعذب بالنار يعذب بجهنم كلمة جملة زيادة يوم القيامة تؤيد أن العذاب على ... الميت الذي لم يوص أهله ولم ينههم عن البكاء عليه يُعذّب يوم القيامة وليس فقط هو يتألم، يعذّب عذاب العذاب المعروف أما الذين ذهبوا إلى تأويل العذاب هنا بمعنى التألم فقد نزعوا إلى قوله عليه السلام ( السفر قطعة من العذاب ) هل معنى العذاب هنا العذاب على التأويل الأول أي العقوبة؟ لا التألم يعني المشقة والتعب و ... إلخ لكن ليس هو بمعنى العقوبة، هذا هو منزع من ذهب إلى التفسير الثاني في الحديث ( إن الميت ليعذب ) أي لا يتألم قياسا على حديث ( السفر قطعة من العذاب ) لكن زيادة ( يوم القيامة ) تؤكد المعنى الأول الي هو بمعنى العقوبة، الشيء الثاني الذي يمنعنا من أن نتأول العذاب في الحديث يمعنى التألم أن هذا التأويل يأتينا بشيء لا عهد لنا به في الكتاب ولا في السنة ألا وهو أن الميت له اتصال بعالم الميت بعالم الدنيا وهو في البرزخ فهو يحس إن لم نقل كما يقول الجمهور اليوم يسمع، من أين نثبت هذه الحقيقة للميت؟ ( إن الميت ليُعذب ) أي ليتألم ببكاء أهله عليه، هذا يتضمن أنه ذو إحساس بما يفعل أهله من بعده مما يؤلمه وهذا معنى جديد لا يمكن أن نسلم به بمثل هذا التأويل لا سيّما وهو مرجوح.