رجاء إعطائنا فكرة حول مشروعية التبرك بآثار الأنبياء وهل ثبت أنه نسخ وما الناسخ وأين هو ومن ذهب إلى صحته ؟ حفظ
السائل : الرجاء إعطاؤنا فكرة عن مشروعية التبرك بآثار الأنبياء وهل ثبت أنه نُسخ؟ وما الناسخ؟ وأين هو؟ ومن صححه أو ذهب إلى صحّته؟
الشيخ : الذي نراه في هذه المسألة ما كتبناه في كتاب "التوسل أنواعه وأحكامه " الذي صدر حديثا وهو أن التبرك بآثار الرسول عليه السلام كان أمرا معروفا لدى الصحابة في حياته عليه الصلاة والسلام وبعد وفاته عند بعضهم فهذه حقيقة لا يمكن إنكارها لكن نحن وجدنا هناك حديثا ثبت عندنا بمجموع طرقه حيث جاء مرسلا وجاء موصولا بطريق وأكثر من طريق أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما رأى الصحابة يوما يتبادرون إلى التبرك بوضوئه كما كانت عادتهم لم يتركهم كما كانت عادته هو عليه الصلاة والسلام وإنما أخذ ينقلهم إلى وضع جديد غير وضعهم السابق الذي كان عليه الصلاة والسلام قد أقرهم عليه فقال لهم ( ما الذي يحملكم على هذا ؟ ) قالوا " حب الله ورسوله " فقال عليه الصلاة والسلام ( إن كنتم تحبون الله ورسوله فاصدقوا في الحديث وأدوا الأمانة ) أو كما قال عليه الصلاة والسلام فنأخذ من هذا الحديث بأن النبي عليه الصلاة والسلام قد لفت نظر الصحابة إلى أن موضوع التبرك بآثاره عليه الصلاة والسلام هو موضوع له علاقة بالعواطف عواطف الصحابة وحب الرسول عليه السلام منهم له ولذلك من باب السياسة الشرعية أقرهم ما شاء الله على ذلك ثم أخيرا في هذه الحادثة لفت نظرهم أن الذي يدل دلالة صادقة على حب المحب لمحبوبه إنما هو اتباعه لأمره وهذا هو صريحة كلام الله عز وجل في كتابه حين قال (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله )) فلفت الرسول عليه السلام نظرهم إلى أن اتباعه عليه السلام ومما جاء به ما قاله عليه السلام في الحديث الصحيح ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) فمن محبة الرسول عليه السلام التمسك بأخلاقه كالصدق في الحديث وأداء الأمانة ونحو ذلك من مكارم الأخلاق فلفت الرسول عليه السلام نظرهم إلى أن هذه هي الدليل القاطع على صدقهم في حبهم للرسول عليه السلام، ولكني أعتقد أن الرسول عليه السلام استعمل منتهى الحكمة في صرفهم عما كان أقرهم عليه سابقا لأن المسألة لها علاقة بالعواطف الباطنة في نفوس الناس فلم يرد ولم يحب عليه الصلاة والسلام أن يصدهم صدا صريحا عن تلك العادة وإنما بأسلوب ناعم ولطيف جدا جدا حيث قال لهم ( ما يحملكم على هذا ؟ ) قالوا حب الله ورسوله فقال عليه السلام ( إن كنتم تحبون الله ورسوله فاصدقوا في الحديث وأدوا الأمانة ) هذا الذي نراه نحن ومن أجل ذلك نجد أن المسلمين الأولين لم يتتابعوا على التبرك بآثار الرسول عليه الصلاة والسلام بخلاف المتأخرين منهم حيث جعلوا الأمر معكوسا فجعلوا التبرك بآثاره إنما هو دليل على محبته ولقد كان في مقدمة السلف الذين لم يعتبروا التبرك بآثار الرسول عليه السلام دليل الحب الصادق عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد صح عنه أنه خرج مرة إلى الحج فنزل منزلا فرأى الناس ينتحون ناحية ويطرقون طريقا بعيدا عن الجادة فسأل عن هؤلاء إلى أين يذهبون قالوا هناك مصلّى صلّى فيه الرسول عليه السلام فقال رضي الله عنه " يا أيها الناس من أدركته منكم الصلاة في موطن من هذه المواطن فليصلّ ومن لا فلا تتبعوا هذه المواطن فإنما أهلك الذين من قبلهم اتباعهم آثار أنبيائهم " فاعتبر عمر بن الخطاب ليس فقط أن اتباع آثار الرسول عليه السلام والتبرك بها هو ليس سببا مشروعا ويقرب صاحبه إلى الله زلفى بل اعتبر ذلك سببا يحمل المتبركين بآثاره عليه السلام على الإنحراف عن الجادة وعن الصراط المستقيم مبينا أن من أسباب انحراف الأولين عن شريعة رب العالمين هو اتباعهم آثار أنبيائهم وظني أن عمر رضي الله عنه لا يقول هذا إلا وقد أوقفه الرسول عليه السلام على هذا المعنى لأنه أمر غيبي حيث قال " فإنما أهلك الذين من قبلكم اتباعهم آثار أنبيائهم " فهذا على وزان قول الرسول عليه الصلاة والسلام حينما جاء إلى منى لرمي الجمرة الكبرى وأمر عبد الله بن عباس أو أخاه الفضل بأن يلتقط له حصيات مثل حصى الخذف قال له مثل هذه ( وإياكم والغلو في الدين فإنما أهلك الذين من قبلكم غلوهم في دينهم ) فقول عمر على وزان قول الرسول هذا فالظاهر أنه تلقاه من الرسول عليه السلام " من أدركته الصلاة في موطن من هذه المواطن فليصل -صدفة يعني- ومن لا فلا يتتبعها فإنما أهلك الذين من قبلكم اتباعهم آثار أنبيائهم " هذا ما عندي جوابا عن السؤال .