الكلام على مرتبة الإحسان وبيان أن الإنسان لا يرى ربه في الدنيا ويدخل في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لم ير ربه عز وجل . حفظ
الشيخ : ثم جاءت المرتبة الثالثة وليس بعدها مرتبة وهي مرتبة الإحسان ( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكم تراه فإنه يراك ) لا يمكن فيما يبدو من نصوص السنّة، لا يمكن للإنسان أن يرى ربه في هذه الدنيا الفانية فقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وأله وسلم في حديث الدجّال الطويل أنه لما وصفه لأمته وذلك من نصحه عليه السلام لأمته، كان من وصفه إياه أن قال ( إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور ) ثم قال عليه السلام ( وإن أحدكم لن يرى ربه حتى يموت ) فقد ذكر أوصافا للدجّال لكي يتيقّن المسلم إذا ما ابتلي بخروجه في زمنه أن هذا هو الدجال وليس هو الإله المعبود بحق، فإن الله كامل الأوصاف كلها وهذا أعور فهذه علامة وعلامة أخرى أنتم ترونه ( وإن أحدكم لن يرى ربه حتى يموت ) لذلك قال عليه السلام في بيان مرتبة الإحسان ( أن تعبد الله كأنك تراه ) لأنك لن تراه في الدنيا وكلنا يعلم أن موسى عليه الصلاة والسلام وهو كليم الرحمان لما طلب من ربه عز وجل أن يراه قال (( لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني )) ولم يثبت حتى للنبي صلى الله عليه وأله وسلم رؤيته لربه بعينه وهذه مسألة وإن كانت خلافيّة بين علماء التوحيد وعلماء الكلام فقد ذكروا جمهورهم أن العقيدة لا تثبت إلا بنص قطعي الثبوت قطعي الدلالة، ونحن لا نجد النص الظني سواء كان ثبوتا أو دلالة يُثبت أن النبي صلى الله عليه وأله وسلم رأى ربه ليلة أسرِيَ به أو في غير تلك الليلة ولذلك فلا يمكن لإنسان إذًا أن يرى ربه حتى يموت كما قال عليه الصلاة والسلام، وفي هذا الحديث ( وإن أحدكم لن يرى ربه حتى يموت ) تكلّم العلماء في قاعدة أصوليّة وهي " هل يدخل المتكلم بالخطاب الذي يوجّهه إلى أمته أو إلى غيره " فهو عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث يقول ( إن أحدكم لن يرى ربه حتى يموت ) تُرى هو داخل في هذا الخطاب أم لا؟ في المسألة خلاف بين علماء الأصول ونحن نقطع بأنه عليه الصلاة والسلام على الأقل داخل في هذا الخطاب بالذات لأنه قد سُئِل كما في صحيح مسلم من حديث أبي ذر هل رأيت ربك؟ قال ( نور أنى أراه ) أي هناك حجاب وكما جاء في حديث أبي موسى في صحيح مسلم ( حجابه النور ) فهو عليه الصلاة والسلام يُشير في حديث أبي ذر السابق جوابا عن سؤال السائل ( هل رأيت ربك؟ قال : نور أنى أراه ) هناك نور يحجب ربنا عن أن يراه أحد منا إذًا ( إن أحدكم لن يرى ربه حتى يموت ) يشمل أيضا الرسول صلى الله عليه وأله وسلم لا بدلالة هذا الحديث نفسه من خلال السابق ذكره وإنما بدلالة حديث أبي ذر وغيره.
إذا كان الأمر كذلك وهو أن أحدنا لا يرى ربه في هذه الدنيا فهو يجب أن يعبُده مراقبا ومتيقّنا أن ربه يراه فإذا كنت أنت لا تراه فهذا لا يحملك مادمت مؤمنا بأن الله يرى كل شيء ويعلم كل شيء فلا يحملك أنك لا تراه على أن تعصيَه وأن تخالفَه في أوامره ونواهيه فإنه ( إن لم تكن تراه فإنه ) تبارك وتعالى ( يراك ) يقينا.
هذه المرتبة هي مرتبة الإحسان وهي كما سمعتم أعلى مراتب الإسلام والإيمان.