الجواب على شطر من السؤال : وهو قوله : وحديث ابن عمر ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنا لما رجع من الأحزاب : لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم لا نصلي حتى نأتيها وقال بعضهم بل نصلي لم يرد منا ذلك فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدا منهم ) كل مجتهد مأجور . حفظ
الشيخ : مثل هذا تماما يقال في قصة الجماعة الذين أرسلهم الرسول عليه السلام إلى بني قريظة وقال لهم ( لا يصليّن أحد منكم العصر إلا في بني قريظة ) فصلى فريق منهم وأخّر الصلاة فريق منهم ولم يعنّف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا، يتوهّم بعض الناس مما جاء في أخر هذا الحديث أن الرسول عليه السلام لم ُيعنّف لا الذين صلوا الصلاة في الوقت ولا الذين تأخّروا فيتوهّمون أن في ذلك إقرارا لاجتهاد المجتهد سواء أخطأ أو أصاب.
نحن نقول هذا وهْم محض لسببين اثنين، السبب الأول هناك قاعدة كلما جاء فرع أو حكم يبدو أن فيه تعارضا مع أصل من أصول الشريعة فيجب التوفيق بين هذا الفرع مع ذلك الأصل بحيث أنه لا يتعارض معه، نحن عندنا أصل من قوله عليه السلام الذي ذكرناه أنفا ( إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد ) هذا الحديث يُبطل قول من يقول لكل مجتهد نصيب أو كل مجتهد مصيب، هو يقول إما يؤجر أجرين إذا أصاب وإما أن يؤجر أجرا واحد إذا أخطأ.
إذًا من أين يجوز لنا أن نقرّر أن كل مجتهد مصيب؟ لو قلنا كل مجتهد مصيب معناه كل مجتهد له أجران، والرسول يقرّر خلاف ذلك فيقول إما مصيب فله أجران وإما مخطئ فله أجر واحد.
كذلك جاء في صحيح البخاري أن الرسول عليه السلام قصّ الرؤيا على أبي بكر فقال دعني أفسرها أو أعبّرها ففسّرها للرسول عليه السلام فسأل أبو بكر الرسول عليه السلام هل أصاب أم أخطأ فقال له عليه السلام ( أصبت بعضا وأخطأت بعضا ) فإذًا الخطأ لازم لكل مجتهد ولكنه مأجور على كل حال، هذه هي القاعدة وهي أن المجتهد ليس مأجورا أجرين وإنما تارة أجرين وتارة أجرا واحد، إذا أصاب فله أجران وأخطأ فله أجر واحد.
الآن هنا عندنا هذه الحادثة ناس عجّلوا فصلوا وناس تأخّروا، لا بد أن إحدى الطائفتين لها أجران والأخرى لها أجر واحد، لا بد بناء على القاعدة السابقة لكن كل ما فيه الأمر، كل ما في هذه الحادثة، حادثة بني قريظة هو كما سمعتم من راوي الحديث وهو ابن عمر وإن لم يُذكر هنا، قال إن الرسول لم يعنّف إحدى الطائفتين، لماذا؟ لأن كلا منهما طائفة مجتهدة، لماذا يعنفها؟ التعنيف بيجي ممن تعمّد المعاكسة والمخالفة لكن الحقيقة أن كل طائفة رأت رأيا فعملت برأيها فلم يعنّف إحدى الطائفتين، ليس في الحديث أنه أقرّهما وإنما لم يعنّف، يأتي سؤال عادة نعرفه، هذا السؤال لماذا لم يبيّن الرسول من أصاب ممن أخطأ كما فعل بالنسبة للرجلين الذين تيمّم أحدهما، تيمما ثم أعاد أحدهما ولم يعد الأخر، هناك قال ( أصبت السنّة ) هنا لم يقل لإحدى الطائفتين ( أصبت السنّة ) والأخرى أخطأت السنّة؟ الجواب هو أن مثل هذه الحادثة لن تتكرّر بوفاة الرسول صلوات الله وسلامه عليه لا يمكن أن تتكرّر أي لو جاء خليفة ولن تأتي الدنيا بخليفة مثل أبي بكر الصديق فلا يستطيع أبدا أن يأمر جنديا مثلا في أن يأتي مكانا بسرعة متناهية ولو أدركته الصلاة، صلاة العصر في الطريق، لا تصليها إلا صليها في ذلك المكان ولو غربت الشمس، يستحيل هذا أن يصدر من إنسان مسلم وخليفة راشد ليه؟ لأنه فيه معصية لله عز وجل، بخلاف الرسول صلوات الله وسلامه عليه فالرسول كما قال (( إن هو إلا وحي يوحى )) ما يتكلم عن الهوى (( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )) ويقرّب لنا هذا أي إن الرسول عليه السلام له من الصفات ومن المزايا ما تتجلّى في تفاريع الشريعة وفروعها، منها هذه القصة ومنها ما رواه الإمام أحمد وغيره ومنهم الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة من طريق أبي بَرزة الأسلمي رضي الله عنه قال تكلّم رجل مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه فاغتاظ منه، أبو بكر غضب من ذلك الرجل الذي كان يُكلّم أبا بكر الصديق، فقال له أبو برزة يا خليفة رسول الله ألا أقتله؟ قال فأعرض عني وأدار وجهه ناحيةً، مفهوم يعني أنه شو هذا السؤال هذا؟ سؤال ما له ... وبعد أن انصرف الرجل التفت أبو بكر الصديق فقال لأبي بَرزة يا فلان قلت كذا و كذا كان نسي أبو بَرْزة ماذا تكلم، تذكّر قال أكنت تقتله فعلا لو أمرته بأن تقتله؟ قال ولماذا يا خليفة رسول الله؟ لماذا لا أقتله إذا أمرتني بقتله؟ قال لم يكن - هنا الشاهد - لم يكن هذا لأحد من البشر إلا لرسول الله صلى الله عليه وأله وسلم يعني الرسول إذا أمر صحابيا اقتل فلانا، ما فيه سين جيم، أما إنسان غير الرسول اقتل فلانا بدو يكون معه حجّة وبرهان من الله ورسوله حتى يقتل نفس قد تكون بريئة وهكذا.
يرى ما لا نرى، هكذا الرسول يرى ما لا يرى الأخرون ولذلك فلم يكن بالرسول صلى الله عليه وأله وسلم أن يُبيّن من أصاب من الطائفتين ممّن أخطأ لأنه هذه الحادثة لن تتكرّر إطلاقا، بخلاف حادثة التيمم فهذه كل إنسان في البرية مُعرّض لأن يقع فقْد الماء ثم يجد الماء فهل يعيد الصلاة؟ الجواب السنّة عدم الإعادة.
السائل : الآن مثلا مصلّي ثم نعود، تفضل، تفضلوا للمسجد.
الشيخ : قسمتها إلى قسمين، الأكثر من القسمين أسئلة حديثية والقسم الأخر أحاديث أسئلة علمية أصولية فقهية، فأبدأ بالقسم الأول لأني أعتقد أن الجواب عليها سيكون مختصرا إن شاء الله.