قال ابن كثير في تفسيره في قوله تعالى : (( وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج ...)) الآية ما ملخصه روى أبو يعلى عن مسروق قال : ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : أيها الناس ما إكثاركم في صداق النساء وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإنما الصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها فلا أعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم قال : ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت : يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم قال : نعم فقالت : أما سمعت ما أنزل الله في القرآن ؟ قال : وأي ذلك ؟ فقالت : أما سمعت الله يقول { وآتيتم إحداهن قنطارا } الاية ؟ فقال : اللهم غفرا كل الناس أفقه من عمر ثم رجع فركب المنبر فقال : إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صداقهن على أربعمائة درهم فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب فليفعل. إسناده جيد قوي ". فما صحة هذا الأثر ؟ حفظ
الشيخ : هنا سؤال عن قصة مشهورة، يقول السائل قال ابن كثير في تفسيره (( وإن أردتم استبدال زوج )) الأية ما خلاصته، طريق أخرى عن عمر قال الحافظ أبو يعلى حدثنا أبو خيثمة حدثنا يعقوب ابن إبراهيم حدثنا أبي عن أبن إسحاق حدثني محمد بن عبد الرحمن عن خالد بن سعيد عن الشَعبي عن مسروق قال ركِب عمر بن الخطاب المنبر ودعا إلى تحديد المهور فاعترضته امرأة من قريش فقالت نهيْت الناس أن يزيدوا في مهر النساء وقرأت الأية، فرجع عمر وقال اللهم غفرا كل الناس أفقه من عمر وركِب المنبر ورجع عن رأيه، قال ابن كثير إسناده جيد قوي؟
جوابي على هذا أن هذا الإسناد فيه رجل وقع اسمه خطأ في النسخة المطبوعة كما سمعتم أنفا عن خالد بن سعيد فهذا محرَّف من مُجَالد بن سعيد، خالد بن سعيد لا وجود له في الرواة وإنما صوابه مُجَالد بن سعيد وهكذا هو في مسند أبي يعلى الذي عزا ابن كثير الحديث إليه، ومجالد بن سعيد هذا فيه كلام كثير عند المحدثين وفيه يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه "تقريب التهذيب" ليس بالقوي، هذا نقد الإسناد وهو الذي يسمّى في اصطلاح بعض الكتّاب المعاصرين بالنقد الخارجي وعندي نقد للمتن وهو المسمّى بالنقد الداخلي وذلك من ناحيتين اثنتين، يعود أحدهما إلى ما يُعرف عند المحدثين بالحديث الشاذ أو المنكر، ذلك أن مجالد بن سعيد هذا مع ضعفه في حفظه قد خالف الطريق الصحيحة التي ورد بها حديث نهْي عمر رضي الله عنه الصحابة أن يزيدوا في مهور النساء على مهر الرسول عليه السلام الذي جعله لأزواجه وهو أربعمائة درهم.
لقد صحّ في سنن الترمذي ومسند أحمد وغيرهما عن عمر أنه نهى الناس الآباء أولياء النساء أن يأخذوا مهورا لهن أكثر من أربعمائة درهم، فهذا المقدار هو المهر الذي كان الرسول فرضه لنسائه، إلى هنا القصة صحيحة فلما يأتي مجالد بن سعيد مع ضعفه يزيد على الثقات الذين رووْا القصة بدون هذه الزيادة وهي قصة العجوز فحينئذ تصبح زيادته منكرة.
هذا من حيث مخالفته للثقات ومن حيث المعنى فأنا الذي أفهمه من قوله تعالى (( وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وأتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا )) هذه الأية لم تنزل لوضع مبدأ أو قاعدة في تنظيم المهور وأن لا يُغالى فيها وإنما نزلت هذه الأية تأمر الزوج أن يفيَ لزوجته بما فرض لها من مهر حتى ولو كان قناطير مقنطرة، فالأية سيقت لأجل الحضّ على الوفاء كما قال عليه الصلاة والسلام في حديث البخاري ( أحق الشروط بالوفاء ما استحللتم به الفروج ) أي إنسان تزوّج امرأة على مائة ألف فعليه أن يفيَ لها بهذا إذا أراد أن يطلّقها ويجيب بدلها، ما يقول أنا يعني هذه المرأة ما عادت تصلح لي فما يدفع لها ما كتب لها، يجب أن يدفع لها (( وإن آتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا )) فالأية سيقت لمبدأ وجوب الوفاء بما تعاقد الزوج مع زوجته.
السائل : تفسحوا تفسحوا.
الشيخ : ... تعالج أمرا والأية تعالج أمرا أخر، موعظة عمر تحضّ المسلمين على أن لا يغالوا في مهور نساءهم، الأية تحضّ الزوج أن يفيَ بشرطه لزوجته مهما كان عقَد لها من مهر.
فإذًا أمران منفصلان أحدهما عن الأخر تمام الانفصال وبمعنى أخر لو تكلّمت أنا وأنا من أنا بالنسبة لعمر لا شيء، لو تكلّمت في موضوع عدم المغالات في مهور النساء، فقام رجل من أفراد الرجال مش امرأة واعترض عليّ بالأية لقلت له يا أخي الأية لا تتعارض مع هذا الذي أحضّ الناس عليه، أنا أحضّ الناس أن تستنّوا بسنّة الرسول عليه الصلاة والسلام الذي سنّ للمسلمين عدم المغالات في المهور عملا، وذكر في بعض الأحاديث ما يُفيد أن خير النساء أي أقلهن مهورا، فأنا أتكلم في تأكيد هذه السنّة القولية والعملية وأحضّ المسلمين على أن يلتزموها وأن يتمسّكوا بها وأن يعضّوا عليها بالنواجذ لكن لو أن رجلا خطب امرأة على مهر غالي غالي جدا، وبنى بها على هذا الشرط وعاش معها ما عاش ثم أراد أن يطلّقها، فلا يأخذ من ذلك فلسا ولو كان كتب لها قنطارا، فما فيه تعارض بين توجيهي وبين الأية، لو أنا وكما قلت لكم وأنا من أنا بالنسبة لعمر قيل لي واعترض عليّ بالأية لأوضحت أنه الأية لا تتعارض مع مبدأ تقليل المهور وإنما الأية تأمر بالوفاء بالشروط التي تزوّج الرجل المرأة عليها.
السائل : مثل عمر نهى وإلا حضّ؟
الشيخ : حضّ، حضّ لكن حضّه كان قويا بحيث أنه هدّد أن من بلغه ..
السائل : ... .
الشيخ : أنه أنه، ما بيهمنا على كل حال نحن الأن في صدد بيان ما في هذا الحديث من مخالفة.
السائل : فرق بين وعظ الناس بعدم غلاء المهور وبين النهي أو المنع.
الشيخ : هل لهذا علاقة ببيان ضعف الحديث؟ هذه مسألة أخرى ما نخْلط شعبان برمضان.
السائل : اشرح لنا من ناحية أنه ما تعارض بين الأية والحديث.
الشيخ : نعم لازال لو نهى عمر ما فيه تعارض لأنه عمر راح أقل لك عمر نهى وحرّم أن وليّ البنت بنبغي أن لا يغالي في المهر، نقول هكذا حرّم ثم بلغه أن رجلا خطب امرأة على قنطار ودخل عليها وبنى بها على هذا، هل يقول له عمر لا تفي بما عقدت عليه العقد؟ لا لا يزال كلامي ماشي، هذا في جانب، أي ما كان عليه عمر سواءً حرّم صراحةً ولم يفعل ذلك، هذا ما يدخل في باب المصالح المرسلة هو يحضّ المسلمين على الاستنان بسنّة سيد المرسلين، هذا من زواية من زواية أخرى يهدّدهم بأنه إن بلغه أن أحدا أخذ مهرا بأكثر من أربعمائة يترك الأربعمائة للبنت والزيادة يضُمّه لبيت مال المسلمين، إيه هذا لا يُناقض أن الأية أمرت بالوفاء ولو كان أعطى لها قنطارا، فلا يأخذ منه شيئا.
السائل : يعني ما تراجع عمر يعني عليه؟
الشيخ : لا ما تراجع، ما فيه تراجع.
إذًا ثبت من بياني السابق أن الحديث فيه ثلاثة علل، العلة الأولى ضعف مجالد بن سعيد وليس خالد بن سعيد على أرجح الأقوال عند المحدثين.
العلة الثانية مخالفة مجالد بن سعيد للرواة الثقات الذين رووْا القصة بدون زيادة المرأة فيها.
العلة الثالثة والأخيرة وهي أن اعتراض العجوز على عمر غير منسجم مع قصد عمر على حسب ما بيّناه أنفا.