تتمة الكلام حول سبب عدم مشروعية تعدد الجماعة في المسجد الواحد الذي له إمام راتب. حفظ
الشيخ : لعلي شردت كثيرا عن الموضوع، كنت أتكلم في الجماعة الثانية وقلنا إن هذه الجماعة الثانية إذا ما اعتقدها المسلم كانت سببا صارفا له عن الاهتمام بالجماعة الأولى التي هي التي أمِرنا بها في القرأن وفي السنّة كما شرخنا لكم أنفا.
إذًا فحكمة التشريع تقتضي سد باب التجميع بعد الجماعة الأولى لأن تشريع جواز التجميع بالجماعة الثانية والثالثة إلى أخره سبب لصرف الناس عن الجماعة الأولى، وأكبر دليل على ذلك من حياتنا الواقعية أننا نجد المساجد على رحبها وسعتها يوم الجمعة تغصّ بالمصلين حتى القسم الخارج من المسجد المسمّى بالصحن وحتى في كثير من المساجد الطرقات تنقطع، لماذا؟ لأنه استقر في نفوس هؤلاء الذين يصلون الجمعة أن لا جمعة ثانية، لأنهم لو اعتقدوا ذلك لتقاعسوا عن الجماعة الأولى وقالوا في أنفسهم إن فاتتنا الجماعة الأولى في الجمعة فسنجد إماما وخطيبا ثانيا وهكذا دواليك، فلما.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
السائل : ... .
عيد عباسي : تقدم أنت شوي كمان.
...
الشيخ : أقول فاقتضت حكمة التشريع لِما ذكرنا أنفا سد باب التجميع لصلاة الجماعة التجميع الثاني كما فعل الشرع أيضا كذلك في صلاة الجمعة، ولكن الذي وقع أن وُجدت آراء من بعض العلماء يُجوّزون الجماعة الثانية في صلاة الجماعة دون الجمعة ثمّ تبنّت هذه الفكرة بعض الناس لمّا وجدوها مناسبة لانغماسهم في أمور دنياهم، فأصبحت مع الزمن مذهبا شائعا بين عامة المسلمين تجد صلاة العصر ولا أقول الظهر، تجد صلاة العصر تصلى جماعة في المسجد الأموي عندنا وربما أيضا عندكم فالداء والمرض واحد وأذان المغرب يؤذّن، عندنا صلاة الجماعة هي صلاة العصر تصلّى والمؤذّن يؤذّن أذان المغرب. لماذا؟ لأن الناس تكالبوا على دنياهم فصرفهم ذلك على أن يتبنّوا بعض الآراء التي تُساعدهم في هذا الانغماس في دنياهم.
أنا أعرف هذا من نفسي فقد كنت يوما ما أنا طبعا ككل الناس ما أحد وُلِد عالما لاسيما على طريقة الكتاب والسنّة فأنا ككثير من طلاب العلم درست الفقه على المذهب الذي نشأ عليه فأنا درست المذهب الحنفي فوجدت فيه مشروعيّة الجماعة الثانية في الآراء التي تبنّتها اليوم كثير من المتأخّرين خلافا للأئمة المتقدمين على ما شرحنا لكم سابقا، فكنت وأنا في عملي في دكّاني في تصليح الساعات أسمع المؤذّن يقول "حي على الصلاة حي على الفلاح" والساعة أصلّحها في يدي فأقول في نفسي هذا، أقول حتى أخلصها ويمكن ما راح تطوّل معي، فعقلي يحاسب نفسي فيقول طيب بالك تحمّلت معك زمن كان هذا سببا لإضاعة الصلاة، إيه بنلاقي إمام ثاني بيصلّي بنا إمام، طيب ... ما لقيت حدا، طيب بأقول لنفسي، هذا يشهد الله كان يقع في نفسي ولكن ذهب ذلك عن نفسي والحمد لله بعد أن هداني الله تماما، فأقول إن لم أجد إماما في المسجد، مو عاجبك أنت نفسك حالك؟ أنت طالب علم وأنت ختمت القرأن على والدك إلى أخره، فأنت بتصلي بالناس إماما، وكنت أفعل هكذا، تنتهي الساعة وانتهت الصلاة ولما أجد أنه الصلاة انتهت، إيه كمان أخّر شوية في عندي ساعة مستعجلة، في واحد في كذا فأصلي صلاة الظهر قُبيل العصر وصلاة العصر قُبيل المغرب وهكذا وجماعة مو ثانية ولا ثالثة الله أعلم برقمها، فلما استقر في قلبي فكرة أخرى غير تلك الأولى وهي أنه لا جماعة ثانية فأصبحت بفضل الله ورحمته قلّما تفوتني الجماعة الأولى، لماذا؟ لأني أعلم أنه إذا فاتتني هذه الجماعة فلا عَوَض لي بديلها، والعكس من ذلك سابقا أقول إن فاتتني فهناك جماعة ثانية وثالثة، فلما تبدّلت الفكرة القائمة في نفسي تبدّل منطلقي في حياتي، ففي السابق كنت لا أهتم بالجماعة الأولى وأقلّ ما أضيّع بهذه الفكرة السابقة أنه الجماعة الأولى باتفاق الجميع أفضل من الثانية والثالثة باتفاق الجميع.
فلما قامت الفكرة الصحيحة في نفسي مكان السابقة ونسختها تطوّر عملي في خصوص هذه المسألة فأصبحت حريصا على صلاة الجماعة لأني علمت أنها إن فاتتني فاتني الخير ولا عِوَض لي.