شرح أحاديث من الترغيب والترهيب للمنذري من كتاب التوبة والزهد : قال المصنف رحمه الله : " وعن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال : ( هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نلتمس وجه الله فوقع أجرنا على الله فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئا منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد فلم نجد ما نكفنه به إلا بردة إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه وإذا غطينا رجليه خرج رأسه فأمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نغطي رأسه وأن نجعل على رجليه من الإذخر ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها ) رواه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود باختصار . " البردة " كساء مخطط من صوف وهي النمرة " أينعت " بياء مثناة تحت بعد الألف أي أدركت ونضجت " يهدبها " بضم الدال المهملة وكسرها بعدها باء موحدة أي يقطعها ويجنيها " . حفظ
الشيخ : حديثنا الليلة عن الخباب بن الأرت وهو صحابي جليل يقول هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نلتمس وجه الله فوقع أجرنا على الله فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئا، منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد فلم نجد ما نكفنه به إلا بردة إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه وإذا غطينا رجليه خرج رأسه فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نغطي رأسه وأن نجعل على رجليه من الإذخر، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدُبها، رواه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود باختصار.
يفسر المؤلف بعض غريب هذا الحديث فيقول البردة كساء مخطط من صوف وهي النمرة، أينعت بياء مثناة تحت بعد الألف أي أدركت ونضجت، يهدبها بضم الدال المهملة وكسرها يعني يصح فيه الوجهان يهدُبها ويهدِبها أي يقطعها ويجنيها، يقول خباب رضي الله عنه هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نلتمس وجه الله يعني أنهم كانوا يجاهدون في سبيل الله مخلصين له الدين ، هذا شأن الصحابة كقاعدة فذلك لا ينفي أن يكون فيهم من كان يجاهد لغير وجه الله عزّ وجل وهذا طبيعة البشر أنه لا يمكن أن يُوجدوا جميعا كلهم على قلب واحد في الإخلاص والطاعة لله عز وجل لكن لا شك أن عامّة الصحابة هذا وصفهم كما يقول خباب بن الأرت رضي الله تعالى عنه لا يبغون إلا وجه الله فما يُقال في بعض كتب التاريخ في العصر الحاضر ممن لا خلاق لهم أو لا دين لهم من اتهامهم أن الفتوحات الإسلامية الأولى إنما كان الباعث عليها هو حب الدنيا وجمع المال فهذا مع أنها دعوى مجردة لا دليل عليها الواقع يشهد بأن الأمر كان على النقيض من ذلك تماما والأدلة على هذا كثيرة في التاريخ الإسلامي الصحيح وهذا الحديث الذي بين أيدينا الآن من تلك الأدلة فهو يصرح فيقول هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نلتمس وجه الله فوقع أجرنا على الله، هنا وقفة بسيطة من أين علم خباب بن الأرتّ بأنهم حين جاهدوا في سبيل الله يبتغون وجه الله أنه وقع أجرهم على الله، من أين عرف ذلك ؟ ذلك أمر ضروري في الإسلامي من وعد الله عزّ وجل لعباده المؤمنين في عشرات النصوص من الكتاب وأكثر من ذلك في السّنة أن من عمل كذا فله كذا ووعد الله عز وجل لا يتأخر (( إن الله لا يخلف الميعاد )) فإذا عرف المؤمن هذه الحقيقة أيقن أنه إذا عرف أنه ... عملا خالصا فيه لوجه الله عز وجل أن الله تبارك وتعالى لا بد أنه مثيبه على ذلك لا بد وما سمعتم في الدرس الماضي من بعض الأجوبة من الأستاذ علي خشان أنهم كانوا يخافون أن لا يُقبل عملهم فذلك مما يدل على ما سمعتم بيانه في تلك الجلسة أن الصحابة كانوا يخافون الله عز وجل وكانوا يعيشون بين الخوف والرجاء لا لأنهم يشكّون في ما إذا عملوا عملا صالحا وأخلصوا فيه لله عز وجل يشكّون أن الله لا يتقبل منهم لا، كيف ذلك كيف يمكن أن يشك شاك في عمل عمله صاحبه هو أولا على وجه السّنة ثم هو فيه مخلص لله عز وجل كيف يتصور أن يشكّ في أن يتقبل الله عز وجل عمله والله يقول في صريح القرآن الكريم (( إنما يتقبل الله من المتقين )) فما كان شكهم فيما يتعلق بقبول الله لعملهم الصالح المُخلَص فيه لله وإنما كان شكهم في أنفسهم لعل عملهم لم يكن صالحا أي لم يكن مطابقا للكتاب والسنة، هذا هو الشرط الأول كما تعلمون جميعا في قبول الله عز وجل للعبادة أن يكون على وجه السنة والشرط الثاني أن يكون صاحبه قد أخلص لله فيه، فمن أين للإنسان أن يكون دائما وأبدا في كل عمل يعمله على يقين أن عمله هذا كان على وجه الكتاب والسنة من جهة وكان مخلصا فيه لله عز وجل من جهة أخرى، من ها هنا كانوا يخافون ألا يتقبل الله عز وجل منهم فمن ما ذكرنا من مثل الآية السابقة وما أشرنا إلى غيرها جزم خباب بن الأرت أنّ أجرهم وقع على الله عزّ وجل يعني أن الله تقبّل ذلك منهم وأنه سيؤجرهم على ذلك ثم يفصّل فيقول بالنسبة لهؤلاء المجاهدين المهاجرين في سبيل الله فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئا منهم مصعب بن عمير، هنا أيضا نكتة وفائدة مهمة يقول منا من مات ولم يأكل من أجره شيئا، وهل يأكل المجاهد في سبيل الله من أجره شيئا؟ هذه نقطة أظن أنها تخفى على جماهير طلاب العلم بل وعلى كثير من خاصة العلماء وإنما يعرف ذلك من اطلع على السنة، " أكل من أجره " بيانه وشرحه في حديث صحيح أن المجاهد في سبيل الله عز وجل إذا رجع وقد غنم شيئا فقد أكل ثلث أجره ثم ادّخر الله له في الآخرة الثلثين الآخرين أما إذا لم يُصب المجاهد في سبيل الله شيئا من المغانم المادية رجع وأجره موفور له عند الله عز وجل كاملا يوم القيامة .
إن هذا الحديث ولا شك أن الخباب بن الأرت متفقه وكما يقولون اليوم متخرج من مدرسة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي هذه المدرسة قال عليه السلام ما سمعتم من ذلك البيان فهو يُشير بإشارة لطيفة جدا إلى هذا الحديث حين يقول فمنا من أكل أجره، فمنّا من لم يأكل من أجره شيئا وضرب على ذلك مثلا مصعب بن عمير، يصف حالة مصعب من الفقر الشديد حينما قُتل شهيدا يوم أحد .