فوائد حديث إسلام عمرو بن عبسة . حفظ
السائل : ننتقل إلى فقه هذا الخبر أولا فيه منقبة ضاهرة لهذا الصحابي الكريم حيث كان منذ الجاهلية ثم عقل رشيد و تفكير سليم و شخصية قوية و إخلاص في طلب الحق فلم يرض عبادة الأصنام و لا تعظيم الأوثان و لم تعجبه عقائد الجاهلية و لم يكن إمّعة يساير الناس في ضلالهم بل كان ينتظر ظهور الدين الحق فلما أن بلغه رحل إلى صاحبه و استوثق منه فآمن دون إبطاء، ثانيا فيه كثير من العرب فى الجاهلية كانوا على الفطرة السليمة التي لم تفسد و كانوا مستعدين للانضمام إلى دعوة الحق حينما تظهر و هؤلاء كانوا مادة الإسلام و أنصاره و سواده الأعظم، ثالثا فيه أن النبي صلى الله عليه و سلم كان على علم أكيد بأنه منتصر و أن العاقبة له و أن دعوته هي الغالبة و ذلك ظاهر في قوله عليه السلام لعمر ( فامكث في أهلك حتى يمكن لرسوله فإذا سمعت بي قد ظهرت فالحق بي ) و أصرح منه قوله صلى الله عليه و سلم ( فيوشك الله تعالى أن يفي بما ترى و يحيي الإسلام ) و ثمّ أحاديث أخرى فيها هذا التوكيد منه صلى الله عليه و سلم بأن دينه سيظهر و قبل ذلك كله قول الله تعالى (( هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون )) و مثل ذلك طبعا في زماننا، رابعا فيه إستحسان إستغلال الإنسان الفرص المناسبة لقضاء حاجاته لأن الفرص إذا حالت و ذهبت فقلّ ما تعود و يقاس نجاح الإنسان و يظهر ذكاؤه في اختياره الوقت المناسب للأمر المناسب و الإنسان المناسب و بالأسلوب المناسب لتأمين رغباته فقد رأى أبو نجيح المجال مناسب لإلقاء أسئلته فألقاها فأفاد و إستفاد و أخذ الجواب بتوسع كما يريد بينما لو كان في وقت آخر والرسول عليه السلام فيه مشغولا لكان أخذ أجوبة مجملة أو ربما أجل له بعضها أو مثلا لم يتفرغ له، و هذا أيضا درس نستفيده أيضا من مثل هذا الحديث، خامسا أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يكرر بعض النصائح و الأوامر مرات و مرات نظرا لأهميتها و لترسخ في النفوس و الأذهان و هذه قاعدة تربوية هامة يلجأ إليها المربون و يحسن أيضا أن يأخذ الدرس منها من رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا يدل عليه ما رواه عنه صاحب حديث أبو نجيح أنه سمع ترغيب النبي صلى الله عليه و سلم صلاة الركعتين الخاشعتين مرات تفوق العشرين فلم يكن يأنف النبي صلى الله عليه و سلم أن يكرر مثل هذا فالتكرار أحيانا كثيرة فيه فائدة و القرآن كرر فيها بعض الآيات التي فيها تذكير و تقريع للقلوب كما في سورة الرحمن ((فبأي آلاء ربكما تكذبان )) و أمثالها أيضا في سور أخرى فهذا ليس عبثا و ليس تكرارا و ليس مملا إنما هو لغرض هام لتترسخ القواعد الهامة و الأفكار التي يريد صاحبها أن تكون ثابتة في الأذهان لتترسخ في النفوس وتثبت و لا تثبت إلا بالتكرار لأن المرة الواحدة أو الاثنتين أو الثلاثة يمكن أن تنسى أو يكون بعض من يريد أن يسمعها لم يكن حاضرا التكرار فيه مثل هذه الفوائد طبعا و الحكمة تكون في وضعه في محله و أحيانا التكرار يكون ممل و أحيانا يكون حسنا و كما قيل في تعريف البلاغة قديما البلاغة هي موافقة الكلام بمقتضى الحال أن يوافق كلامك مقتضى ما يقتضيه الحال الذي أنت فيه قد يكون الإنسان في موضع الناس أتوا إليه من مكان بعيد و فرغوا أنفسهم و أذهانهم لسماع كلامه وهم مستعدون للسماع إليه مثلا ساعة أو ساعتين فإذا اختصر في الكلام لم يكن حكيما و لم يكن بليغا هنا يحسن الإسهاب و الشرح و البيان بينما في مشهد آخر قد يكون الناس في ضيق في حرج في أمر هام فيهم و فيهم فلا يحسن الإطالة و لا يحسن الإسهاب بل يحسن الإقصار ما أمكن وهذه هي الحكمة و هذه هي البلاغة وربنا تبارك تعالى يقول (( و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا و ما يذكر إلا أولوا الألباب )) فهذا التكرار في مكان المناسب أسلوب تربوي ناجح فطن له المربون و استعملوه في المدارس و غيرها فلجؤوا إلى تكرار الشعرات التي تمثل أهدافا ما أو أفكارا ما فهذا من حيث الطريقة طريقة جيدة لكن المهم أن تستعمل في الغرض الجيد أيضا حتى تفيد الفائدة المطلوبة، سادسا في الخبر بيان فضيلة صلاة فضيلة هامة في الصلاة و هي فضيلة الخشوع و أن ينشغل الإنسان بذكر الله و يتفكر في عظمته و يتدبر في معاني الآيات و الأذكار التي يقرأها و أن ركعتين بهذه الأوصاف يخرج بهما الإنسان من ذنوبه كلها كيوم ولدته أمه و لعل هذا يذكرنا بحديث بن عمر رضي الله عنهما حينما قال " وددت لو أن لي ركعتين متقبلتين " لأن الله تبارك و تعالى يقول (( إنما يتقبل الله من المتقين )) فقبول ركعتين معنى ذلك أن هذا الإنسان متقّ و حسبه بذلك بشارة و نجاحا و فوزا هذا الأجر لمثل هذا العمل صلاة ركعتين خاشعتين كرم إلهي عظيم و أجر ربني كبير لم يلبث أبو أمامة الصحابي الآخر أن استغربه لما سمعه و هكذا أحيانا تمر بنا الأحاديث التي فيها مثل هذا الكرم و الثواب العظيم فعلينا أن لا ... و الله عز و جل ذو الفضل العظيم و لا يعظم عليه شيء و هو يتفضل بالخير على أشياء أحيانا تكون في نظر الناس بسيطة لكن فيها إثبات العبودية الحقة من هذا ... بها لله عز و جل و بذلك يستحق ذلك الأجر العظيم فأعاد أبو أمامة سؤال عمرو طالبا منه أن يتثبت منه فلربما كان مخطأ أو ناسيا أو غافلا و لكن عمرو أكد له الخبر تأكيدا لا مجال فيه للشك أو الخطأ و هذا يدلنا على اهتمام النبى صلى الله عليه و سلم بنصح المسلمين بالخشوع في الصلاة و حسن أدائها لما علمه من عظيم أجر من يفعل ذلك و هو الشفيق على أمته الناصح لها المحب لها كل الخير فدفعه هذا لإعادة تذكير المسلمين بهذا الفضل مرات و مرات ، و لا شك أننا أحوج ما يكون للإستفادة من هذا نحن نعترف بأننا في غالب صلواتنا نصليها صلاة هكذا أداء للأذكار و القراءات أما القلب يكون غافلا متلهيا مشغولا و هذا لا شك ينقص من الثواب صحيح يرفع المسؤولية في العقاب إذا كانت الأركان كاملة و لكن الثواب لا يكون إلا بقدر الخشوع ثم إن الفوائد و الغايات التي ترتب عليها الصلاة والتي رمى إليها الشارع الحكيم سبحانه و تعالى لا تتحقق إلا بمثل هذا الخشوع فلنخشع في صلاتنا و لنتفكر فيها و لا نؤخذ بالكثرة إن الله أفقنا من الليل نصلي مثلا ركعات كثيرة حسبنا ركعتين نؤدي فيهما الطمأنينة و الخشوع و نتفكر في معانيهما و نسبح و نطيل التسبيح و نطيل القنوت و السجود و القيام فذلك خير من ركعات كثيرة يصليها أحدنا و لا يخشع فيها و لا يذكر الله فيها إلا قليلا وربما ركعتان مثل هذا النوع تكون خير من حياة الإنسان كلها كل حياته تكون عبثا و حسرة و ترة عليه يوم القيامة إن لم يخشع في هذه الركيعات التي يشعر فيها بشفافية و بالخشوع و رقة النفس و صفاء البال و الخشوع العظيم لله عز و جل فيبكي و يخشع و يتضرع و تكون مثل هذه الساعة خير من عمره كله و ليس العمر بطول الأيام و الليالي وإنما هو بما فيها من الخير ولا خير مثل هذا الخير العظيم، سابعا في الخبر بيان فضيلة الوضوء أيضا فهو بالإضافة إلى فوائده الصحية و النفسية له ذلك الثواب الكبير في تكفير الذنوب و مغفرتها فذنوب كل عضو تتساقط مع الماء الذي يغادره عقب غسله أو مسحه فما أكرم الله تعالى و ما أرحمه بعباده و كم من الأبواب فتحها لتمحو خطايا الإنسان و تزيلها فياله من شقي هذا الإنسان الذي يكون مآله بعد ذلك دخول النار! وضوء يغسل يديه تزول مع الماء خطايا يديه، يغسل وجهه فتزول خطايا وجهه و هكذا الإنسان الذي يبقى بعد ذلك مستحقا للنار معنى ذلك أنه إنسان مصر على المعصية و معاصيه لا تعد ولا تحصى بحيث أن مثل هذه الأبواب من الخير لا تكفرها، ثامنا في الخبر إلتزام الصحابة طاعة النبي صلى الله عليه و سلم من أول يوم يدخلون في الإسلام فهم جنود نظاميون يشعرون بالمسؤولية و يعلمون حق قائدهم عليهم بالطاعة لا يصدرون في أمر من الأمور الهامة إلا عن رأيه و مشورته فهذا أبو نجيح يسأل النبي صلى الله عليه و سلم منذ أن أقر بشاهدتين و يعلن له أنه طوع أمره وهو يسأله عما يفعل و هل يبقى في مكة أو يقيم في قومه و ينتظر إشارة الرسول صلى الله عليه و سلم فيأمره عليه الصلاة والسلام بالمكوث عند أهله ريث ما يظهر الإسلام أو يأتيه أمره وهذا يبين أن الإسلام دين طاعة كما قال تعالى (( فأولى لهم طاعة وقول معروف )) و أنه دين تنظيم الأمور و لا تكون هكذا إرتجالية سبهللا فالإسلام دين نظام و يعلمنا في عباداته النظام بأجلى صوره و أعظم مشاهده، تاسعا في الخبر بيان أوقات الصلاة المكروهة و هي عقب صلاة الفجر حتى تطلع الشمس قيد رمح أو رمحين، ثانيا عند إستواء الشمس عندما تميل عن وسط السماء، ثالثا عند إصفرار الشمس و تدنيها للغروب و لا نقول في الحالة الثالثة أو الوقت الثالث إن وقت الكراهة حين بعد صلاة العصر حتى غروب الشمس و إنما قلت حين إصفرار الشمس و الذي يدل على ذلك أو هو أن ثمت أحاديث تبين أو تقيد النهي الموجود في أحاديث أخرى مثل قوله صل الله عليه و سلم ( لا تصلو بعد العصر إلا أن تصلوا و الشمس مرتفعة ) إذًا إذا صليتم و الشمس مرتفعة فلا بأس و مثل ذلك أيضا آثار عن الصحابة و قد وفى هذه المسألة أستاذنا في كتابه السلسلة الصحيحة في رقم الحديث مائتين و لا شك أن كراهة الصلاة في هذه الأوقات من قبيل كراهة التحريم الذي يقال فيه لا كراهة في التنزيه الذي هو خلاف الأولى و خاصة أن هذا التشبه الواقع هنا في أخص أمور العبادة و هي الصلاة فقد رأيتم أن الرسول عليه الصلاة والسلام علل النهي عن الصلاة في هذه الأوقات أن الكفار يسجدون للشمس حين تطلع و حين تستوي وحين تغيب فالتشبه بالكفار لا يكون أمرا مكروها تنزيها وإنما هو حرام فلذلك الكراهة نحملها على الأصل الذي ورد في أسلوب الكتاب و السنة للكراهة و هو التحريم كما نرى في قوله تعالى حينما ذكر أنواعا من المحرمات ومنها الشرك بالله في سورة الإسراء (( و لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق )) إلى آخره ثم قال (( كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها )) و مثل قوله عليه الصلاة و السلام أيضا ( إن الله كره لكم ثلاثا قيل و قال و كثرة السؤال و إضاعة المال ) فليست هي من باب اخلاف الأولى الجائزة لكن الأفضل تركها و إنما هي من قبيل الحرام فإضاعة المال حرام و هو من الإسراف و التبذير و هذه نقطة يجب الإنتباه لها فكثيرا ما ضل ناس و شذوا و استنتجوا أحكاما باطلة بسبب عدم مرعاتهم لدلالات الألفاظ في الكتاب والسنة ففسروا بعض هذه الألفاظ بإصطلاحات حادثة طرأت بعد مئات السنين مثلا إصطلاحات الفقهاء المكروه و مثلا النوافل وما شابه كلمة المكروه في اصطلاح المتأخرين إنما هو مكروه تنزيها خاصة عند الشافعية و كذلك مثلا كلمة ينبغي أو لا ينبغي ، لا ينبغي بمعنى يعني يحسن أن لا يفعل بينما نجد في القرآن أنها تستعمل بأشد الحرام كما قال تعالى مثلا (( و ما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا )) فهي بمعنى الشيء المنكر أشد النكارة يجب التنبه لمثل هذه الملاحظة ففيها نجاة من كثير من السقطات و العثرات ألفاظ وردت في الكتاب و السنة يجب أن نفسرها بمثل ما كانت تعني في ذلك الوقت لا بمثل ما استحدث لها من إصطلاحات و من معاني و من دلالات طارئة، عاشرا في الخبر فضيلة صلاة الليل و أن ثلث الأخير من الليل هو أفضل من غيره من الأوقات من حيث الصلاة و الدعاء و الذكر فإنها أعظم أجرا فيه و أحرى بالإستجابة و القبول و مشهودة بملائكة الليل و ملائكة النهار كما ثبت في السنة و لا شك أن من أهم أسباب ذلك بعد صلاة الليل عن الرياء و الشهرة و فراغ الإنسان منها من المشاغل و إن كان تحقق الخشوع فيها أوسع من غيره ففيها يتواطأ القلب و اللسان على الصلاة و في ذلك يقول الله عز وجل (( إن ناشئة الليل هى أشد وطئا و أقوم قيلا )) فأشد وطئا أي مواطئة و استجماعا للنفس والفكر في ذلك الوقت تكون على أشدها إن ناشئة الليل صلاة الليل هي أشد وطئا و أقوم قيلا، الفائدة الحادية عشرة في الخبر أن عمل داخل في مسمى الإيمان لقوله صلى الله عليه و السلام ( الإيمان الصبر و السماحة ) و أن أفضل خصاله الخلق الحسن و في ذلك نصوص كثيرة معروفة و هو مذهب السلف و جمهور أهل السنة أن العمل من الإيمان فليس الإيمان تصديقا في القلب فقط أو نطق باللسان وإنما هو تصديق بالجنان و طق باللسان وعمل بالأركان فهذه الثلاثة هي التي تنشئُ الإيمان يعني مراد بذلك الإيمان الكامل ولا شك أنه له درجات وأن أقله هو التصديق القلبي مع النطق إذا لم يكن هناك إكراه أو مانع و العمل يزيد في الإيمان وهذا أيضا مما يتصل بالبحث في الإيمان يزيد و ينقص يزيد بالطاعة و ينقص بالمعصية ما فيه إيمان يبقى ثابتا كما هو وإنما هو إما أن يزيد أو ينقص بحسب الإنسان تقدمه في طاعة الله عز و جل و إقباله عليها أو تقصيره و إطاعته شياطين الإنس والجن طبعا في مسألة الإيمان هناك بحث مفصل لسنا الآن في صدده لكن لابأس أن أذكر لكم أيضا بالمناسبة شيئ أيضا يخطئ فيه الكثيرون أحيانا يذكر الإيمان و الإسلام في جملة واحدة، في آية واحدة، في حديث واحد، في سياق واحد، فإذا ذكر الإيمان والإسلام في سياق واحد فيراد بالإيمان ما ورد تعريفة في حديث جبريل قال ( ما الإيمان؟ قال أن تؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر و القدر خيره وشره ) و يراد بالإسلام ما ورد أيضا بحديث جبريل و هو أن تشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و تقيم الصلاة و تؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ،الأصل فيه فرق بين الإسلام و الإيمان لكن هذا الفرق متى يلاحظ؟ إذا اجتمعا في موضع واحد أما إذا ورد لفظ الإيمان في آية وحده أو ورد لفظ الإسلام في نص وحده دون أن يذكر معه لفظ آخر فيراد بكل منهما ما يراد بالإثنين معا إذا ورد الإيمان في آية ورد معه الإسلام فيراد به الإيمان و الإسلام جميعا مثلا (( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم و إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا و على ربهم يتوكلون ))