الكلام على حال إسماعيل بن علية . حفظ
الشيخ : ثم هنا فائدة حديثية لابد من التحدّث عنها ولو طال الوقت بالنسبة إليّ شيئا قليلا يقول رواه أبو داود من رواية إسماعيل بن عيّاش سكت، فهذا عادة يُشير بمثل هذا الكلام إلى أن الرجل الذي جاء في رواية الحديث كإسماعيل بن عيّاش هنا فيه كلام، وفي ظني أن ذكر هذا التنبيه كمبدأ عام حسن أي أنه في هذا الحديث رجل فيه كلام ولكن إذا كان المُتكلَّم فيه فيه كلام خلاصته أن يكون له ترجمتان، ففي إحداهما يكون ثقة وفي الأخرى يكون غير ثقة، في حالة من الحالتين يكون حديثه صحيحا وفي الأخرى يكون حديثه ضعيفا وإسماعيل بن عيّاش الذي في إسناد هذا الحديث هو من هذا النوع من الرواة، ولذلك فكنت أستحسن للمؤلف إما أن يأتيَ ذكْر ما ذكَر من أن في هذا الحديث إسماعيل بن عيّاش لأنه في النتيجة الحديث صحيح وإما إن كان ولابد أن يذكُره كما فعل أن يقرُن مع ذلك التفصيل الأتي ولو بإيجاز، إسماعيل بن عيّاش شاميّ له وضعان كما ذكرنا، فهو إذا روى عن الشاميّين فهو صحيح الحديث وإذا روى عن غير الشاميّين كالحجازيّين المصريّين اليمنيّين ال ال إلى أخره فهو ضعيف الحديث.
ولذلك فمن ضروريات هذا العلم أن يعرف الإنسان ترجمة كل راوي من الرواة خشية أن يكون له حالتان كهذا الإنسان، ففي حالة هو ثقة صحيح الحديث وفي أخرى هو ضعيف، هو صحيح الحديث.
السائل : ... .
الشيخ : اصبر، إسماعيل بن عيّاش حينما كان مُقيما في بلده كان له بطبيعة الحال من الوقت والعناية بضبط الحديث وحفظه و إتقانه بحيث ظهر ذلك على أحاديثه الشاميّة، فعلماء الحديث الذين إستقروا أحاديث الرواة لم يجدوا في أحاديث إسماعيل بن عيّاش التي يرويها عن شيوخه الشاميّين حديثا منكرا، وعلى العكس من ذلك حينما درسوا أحاديثه الأخرى التي يرويها عن غير شيوخه الشاميّين من الحجازيّين والمصريّين و ... كما ذكرنا، وجدوا فيها خللا كثيرا، فهو هناك مثلا يرفع الموقوف ويوصِل المقطوع ونحو ذلك من الأخطاء الكثيرة التي تبيّنت لأئمة الجرح والتعديل.
فانتهوْا أخيرا إلى وصف إسماعيل بن عيّاش جاز بموجز من الكلام كما يقول البخاري و ... بن معين وغيره، إسماعيل بن عيّاش صحيح الحديث عن الشاميّين، لمثل هذا أمثلة كثيرة له حالتين تارة صحيح الحديث وتارة ضعيف الحديث مثلا عطاء بن السائب، لكن هذا له علّة أخرى غير هذه العلّة، علّة إسماعيل أنه ما أدخل أحاديث شيوخه غير الشاميّين بعكس أحاديث غير الشاميّين، أما عطاء بن السائب فهو له علّة أخرى، طرأ عليه الاختلاف وهو نوع من ضعف العقل وضعف الحافظة يصل تارة إلى مرتبة الخرف إذا ما اشتدّ هذا التغيّر وعلم الحديث لما كان له علاقة في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم فكان من لطف الله عز وجل بعباده المؤمنين، توفية منه لعهده السابق (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )) وفّق علماء الحديث إلى دراسة دقيقة جدا لرواة الأحاديث لا مثيل لها في التاريخ، في العالم كله منذ خلق الله أدم إلى هذه الساعة مزية ومنقبة خصّ الله عز وجل بها أمة محمد صلى الله عليه وأله وسلم.
من هذه الدقة المثال السابق لإسماعيل بن عيّاش ومنها المثال اللاحق لعطاء بن السائب، هذا اختلط في أخر حياته فزاد في الحديث ونقص ورفع ووقف ووإلى أخره، فقال علماء الحديث عطاء بن السائب ضعيف الحديث إلا إذا رووْا عنه سفيان الثوري وسعد بن حجاج وحماد بن زيد وأمثال هؤلاء الأئمة الحفّاظ القدامى الذين أدركوا وأخذوا الحديث عن عطاء بن السائب قبل اختلاطه فوصل بهم الدقة في تراجم الرواة فهذا الشيخ المترجِم ... الاخرين عنه، من روى عنه في حالة الاختلاط ومن روى عنه قبل الاختلاط، فإذا قيل في حديث ما وفيه عطاء بن السائب وسكت المؤلف أو القائل فليس في ذلك يعني علم يُقدّمه للناس وإنما كان ينبغي أن يقول وفي عطاء بن السائب وقد روى عنه فلان وحدّث عنه بعد الاختلاط فيكون الحديث ضعيفا أو وفيه فلان وقد حدّث عنه قبل الاختلاط فيصبح بذلك الحديث صحيحا، كذلك أمثلة كثيرة وكثيرة جدا أحببت أن أذكِّر بشيء منها أولا لنعرف رواية هذا الحديث كيف ثبتت أن إسماعيل بن عيّاش رواه عن شيخ من الشاميّين ولتعرفوا ثانيا وتفخروا بما أنعم الله عليكم من علم لا وجود له في كل بلاد الدنيا، وأكتفي بهذا القدر والحمد لله رب العالمين.