ما معنى حديث : ( جاهدوا المشركين بألسنتكم وأموالكم وأنفسكم ) ؟ حفظ
الشيخ : في هذه الحياة الدنيا كما قال عليه الصلاة والسلام ( جاهدوا المشركين بألسنتكم وأموالكم وأنفسكم ) فمجاهدة المشركين لا تنحصر بقتالهم لا سيما والقتال هذا غير ممكن اليوم مع الأسف الشديد للأوضاع التي يعيشها العالم الإسلامي من الإستعمار المادي أو الفكري أو كليهما معًا.
فإذًا لا بد من أن نلاحظ أن هذا الجهاد الثالث المذكور في الحديث السابق ( جاهدوا المشركين بألسنتكم وأموالكم وأنفسكم ) فمجاهدة المشركين بأنفسنا أعمّ من مجاهدتهم بأسلحتنا، هذه المجاهدة التي هي غير ممكنة مع الأسف في العصر الحاضر فتبقى الأجزاء الأخرى الداخلة في عموم ( وأنفسكم ) قائمة وممكنة ومن ذلك أن لا نتشبّه بهؤلاء الكفار فحينذاك نكون قد حقّقنا جزءا من هذا الجهاد للمشركين في أنفسنا، فقد جاءت أحاديث كثيرة كانت قد بلغت أكثر من أربعين حديثا في كتابي "حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنّة" كلها تدور حول مسألة واحدة هامة في الإسلام وهي أن لا يتقصّد المسلم مشابهة المشركين في شيء من أزيائهم وعاداتهم بل كله، بعضها يجيء على تقصّد المسلم مخالفة المشركين حتى فيما لا يظن ... فيه، ومن أبرز ذلك قول الرسول عليه الصلاة والسلام ( خالفوا اليهود والنصارى فإنهم لا يصبغون شعورهم ) أو قال ( إن اليهود والنصارى لا يصبغون شعورهم فخالفوهم ) لا يصبغون شَيْبهم فخالفوهم فهذا الشيْب لا يملكه المسلم حينما يبلغ سنّا معيّنة فيشيب كما يشيب أيّ كافر في الدنيا، فأمر الرسول صلى الله عليه وأله وسلم بأن يتعمّد المسلم الشائب أن يُخالف غيره ممن هو مخالف لدينه بصَبْغ لحيته أي بالحنّاء ونحو ذلك من الأصبغة بشرط اجتناب الصَبْغ بالسواد لحديث مسلم أن النبي صلى الله عليه وأله وسلم لما جاء إليه أبو قحافة والد أبي بكر الصديق بعد فتح مكة جاء ولحيته كالثغامة وهو نبت أبيض كالقطن فقال لهم عليه الصلاة والسلام ( غيّروه بشيء وجنّبوه السواد ) وقال عليه الصلاة والسلام في حديث أخر ( سيكون في أمّتي أقوام يصبغون بالسواد كحواصل الطير لا يريحون رائحة الجنة ) فقد أمر عليه الصلاة والسلام المسلم في هذا الحديث أن يتقصّد مخالفة أهل الكتاب فضلا عن غيرهم من المشركين الوثنيّين بأن يتعمّد صبغ لحيته فيتميّز بذلك في شخصيّته عن الشخصية الكافرة.
فإذًا الطريق هو أن يُجاهد المسلم المشركين بكل ما يستطيع خاصة مما يتعلق بشخصه، الأمر الذي لا يضطر إلى أن يتعاون فيه مع غيره فضلا عن أنه لا يضطر أن يستعين بدولته وحكومته فهو جهاد منحصر في ذاته وشخصه.
وبهذا فأنا أعتقد أن الطريقة التي يمكن التمسّك بها للوصول إلى الهدف الذي ينشده كل الدعاة الإسلاميّين من مختلف الأحزاب والجمعيّات لإقامة الدولة المسلمة لا طريق إلى ذلك أبدا إلا طريق البدأ بإصلاح النفوس وإصلاح الأفراد وتكون هذه هي اللبنة الأولى التي توضع لصرح الدولة المنشودة وإلا فإذا ظل هؤلاء الجماعات أو الأحزاب يدندنون حول طلب إقامة الدولة المسلمة من الذين لا يغارون على الإسلام ولا يتبنّوْن الإسلام لا عقيدة ولا عملا فإنما هم يطلبون من الفاقد للشيء وقديما قالوا " فاقد الشيء لا يعطيه " ، فعليهم هم أنفسهم أن يبدؤوا بتحقيق ما يمكنهم من الأوامر الشرعية ومنها ما نحن فيه من جهاد المشركين بمخالفتنا لهم في أزياءهم وفي عاداتهم وفي مختلف أذواقهم وبذلك نتمكّن.