حديث : ( السلام على النبي... ) في التشهد هل هو من تغيير الصحابة أنفسهم لحديث : ( السلام عليك أيها النبي ) أو هو عن توقيف ؟ حفظ
الشيخ : نعم.
العيد عباسي : هنا سؤال في كتاب الصلاة ذكرتم حديث، الحديث المروي عن الصحابة وكيفية تشهد الصحابة وقد غيروا صيغة السلام عليك إلى السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، كيف لنا أن نوفّق الأمر الثاني بالأول علما بأن الدعوة السلفية منهجها الأخذ بالقرأن والسنّة وفهم الصحابة لهما؟
الشيخ : كأن السائل فهم أن الصحابة غيّروا النص الذي تلقّوه من النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الذي هو بصيغة الاختصاص ( السلام عليك أيها النبي ) كأنه فهم أنهم غيّروه من عند أنفسهم، وهذا ما نُبرِّأ به أقل الناس فهما للسنّة حتى لو كان خلفيّا سلفيّا أعني حتى لو كان من الخلف الذين يتبنّوا مذهب السلف، لا نتصوّر رجلا من المتأخّرين يفقه أن الأوراد توقيفية يتجرأ على أن يُغيِّر حرفا واحدا في ورد تلقاه عن النبي صلى الله عليه وأله وسلم بالأسانيد فكيف نتصوّر صحابيا واحدا كمثل، لا سيما إذا كان مثل ابن مسعود يقدم على تغيير نص تلقاه من النبي صلى الله عليه وأله وسلم مباشرة.
هذا الخاطر يجب أن لا يخطر على بال السائل أو غيره أبدا وإنما يقول العلماء في مثل هذا إن ذلك الذي فعلوه هو بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم إياهم ومعنى التوقيف أي أن الرسول عليه السلام هو الذي ألمح وأشار إليهم أن هذا هو في حياتي، أما بعد وفاتي فتتكلّمون بصيغة الغيبة ليس على صيغة الحاضر فتقولون في التشهد السلام على النبي.
ونحن نعرف بُعد الصحابة عن الابتداع بصورة عامة وبعدهم عنه في الأذكار بصورة خاصة وبالأخص منهم عبد الله بن مسعود الذي جاء النص الصحيح في البخاري عنه أنه قال : ( علّمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في الصلاة وكفّي بين كفّيه، كفي بين كفيه ) كناية عن اهتمام المعلم بالمتعلم بتلقينه ما هو في طريق تعليمه إياه.
قال ابن مسعود : ( علمني رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم التشهد وكفّي بين كفّيه التحيات لله ... التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ) قال ابن مسعود بعد أن ذكر النص الذي لقّنه إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وكفُّه بين كفّي الرسول صلى الله عليه وسلم قال ونحن بين ظهرانيه وهو بين ظهرانينا ) يعني علّمه أن يقول هذا وهو بين ظهرانيهم يعني وهو حيّ معهم عليه الصلاة والسلام قال : ( فلما مات قلنا السلام على النبي )، ما قال هو قلت وحاشاه أن يقول كما قلت لكم أنفا، حاشاه أن يتصرّف في مثل هذا النص الذي تلقّاه من الرسول مباشرة وبهذا الاهتمام الذي عبّر عنه بقوله ( وكفّي بين كفّيه ) وإنما ذلك مما فهمه في أثناء التلقين لذلك قال في هذا الحديث ( وهو بين ظهرانينا فلما مات قلنا ) ما قال قلت، ليس هو يقول من عند نفسه شيئا في وجه فيه نص الرسول عليه السلام وهو يعلم أن تعليم الرسول صلوات الله وسلامه عليه هو وحي من الله، هو وحي من الله والذين يجهلون هذه الحقيقة أو يغفلون أو يتغافلون عنها هم في الواقع في خطأ كبير جدا، الذين يتقدّمون إلى أوراد الرسول عليه السلام وإلى أذكاره فيزيدون فيها ما شاؤوا من الزيادات لا يتصوّرون أبدا أنهم يزيدون على الوحي، لا يخطر في بالهم هذا.
وهذا في الواقع تفريق خبيث لا يتنبّهون له بين الله ورسوله، تفريق خبيث بين الكتاب والسنّة، بين ما جاء في الكتاب وما جاء في السنّة وإلا هل يجرأ أحد هؤلاء أن يزيد في نص القرأن حرفا واحدا من أجل إشباع نهمته وغلوّه في حبيبه محمد صلى الله عليه وأله وسلم مثلا، هل يقول أحدهم حين قال الله (( محمد رسول الله والذين معه أشداء )) إلى أخره هل يقول أحدهم محمد سيدنا محمد رسول الله ما أحد يقول هذا، إيه ... يقل لك هذه زيادة على القرأن ما بيجوز، إيه وزيادة على ما ليس من القرأن وهو وحي أيضا أيضا لا يجوز لكنهم يفرّقون كما قلت لكم بجهلهم.
كذلك ما يقول أحدهم محمد صلى الله عليه وأله وسلم رسول الله لأنه هذا زيادة على النص فنحن معشر الذين ينتمون إلى السلف لا نفرّق بين الله ورسوله أبدا، لا نفرق بين كتاب الله وحديث رسول الله، بين تعليم الله وتعليم رسول الله كلاهما يصدران من مشكاة واحدة هي مشكاة الوحي من السماء.
لذلك لما علّم النبي صلى الله عليه وسلم البراء بن عازب وِرْد الاضطجاع حين النوم ( اللهم إني أسلمت نفسي إليك ) من ذلك لما علّم النبي صلى الله عليه وسلم البراء بن عازب ورد الاضطجاع حين النوم ( اللهم إني أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك أمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيّك الذي أرسلت قال له إذا أنت قلت ذلك ومت من ليلتك مت على الفطرة ) فهذا الدعاء البراء بن عازب بين يدي الرسول عليه السلام ليتمكّن من حفظه، لما وصل إلى قوله الأخير ( أمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك ) إيش قال هو "وبرسولك الذي أرسلت" بدل أن يقول ( وبنبيك الذي أرسلت ) قال "وبرسولك الذي أرسلت" فصده الرسول عليه السلام ورده عن ذلك وقال له قل ( وبنبيك الذي أرسلت ) لو سألنا هؤلاء المغيّرين المبدّلين في أذكار الرسول عليه السلام، هل هناك فرق يُفقد المعنى الذي جاء به الرسول عليه السلام في هذا الوِرد بين تعليم الرسول الذي هو ( وبنبيك الذي أرسلت ) وبين ما أخطأ فيه براء فقال "وبرسولك الذي أرسلت" هل هناك فرق؟ لو لم يكن محمدا عليه السلام رسولا وكان نبيّا فقط ففي تغيير المعنى لأنه الرسول أعمّ من النبي، كل رسول نبي وليس كل نبيّا رسولا لكن نبيّنا عليه الصلاة والسلام هو ليس فقط رسول بل هو خاتم الأنبياء والرسل جميعا، فحينما قال البراء "وبرسولك الذي أرسلت" ما خالف الواقع أبدا لكنه خالف التعليم النبوي، يا إخواننا انتبهوا لهذا، كل شيء هو أنه خالف تعليم الرسول إياه، أما المعنى فما فيه تغيير تماما.
لذلك قال له قل ( وبنبيك الذي أرسلت ) على هذا جرى الصحابة وذكرتُ لكم مرارا بمثل هذه المناسبة عن كثير من الصحابة كيف كانوا يفرّون من أن يعدِل الرجل عن لفظ الرسول إلى لفظ من عنده، فهناك مثلا في مسند الإمام أحمد أن سعد بن أبي وقاص سمع رجلا يقول في تلبية الحج " لبيك ذا المعارج " قال له وهذا من حكمة الصحابة أيضا في إنكار المنكر قال إنه لذو المعارج ولكن ما هكذا كنا نقول في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كنا نقول ( لبيك اللهم لبيك ) إلى أخر التلبية المعروفة، قال له لبيك ذي المعارج هو ذي المعارج لكن التلبية ما كانت في عهد الرسول عليه السلام، وأبدع من هذا أيضا في أسلوب الإنكار قصة ابن عمر التي ذكرتها لكم أكثر من مرة أيضا سمع رجلا عطس فقال الحمد لله والصلاة على رسول الله، قال وأنا أقول معك الحمد لله والصلاة على رسول الله ولكن ما هكذا علّمنا رسول الله قل الحمد لله رب العالمين، كأنه القضية الأن تتكرّر تماما لكن مع الأسف دون أن يكون هناك متجاوبين مع مُنكرين، هذه الزيادة اليوم في عباداتنا تأتي بصور عديدة وأشهرها الزيادة في الأذان، الصلاة على الرسول عليه السلام كما قال ابن عمر وأنا أقول معك الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن ما هكذا علّمنا، فهكذا الصحابة والأثار عنهم كثيرة جدا جدا كانوا يتورّعون أن يأتوا بتغيير للفظ الرسول عليه السلام.
ومن أشهرهم في ذلك وأدقّهم صاحبنا صاحب حديث التشهد الذي علّمه الرسول إياه وكفّه بين كفّيه ألا وهو عبد الله بن مسعود حيث روى الإمام أبو جعفر الطحاوي في كتابه شرح معاني الأآثار بالسند الصحيح عن ابن مسعود أنه كان إذا علّم أصحابه التشهّد يأخذ عليهم بالحرف الواحد يعني إذا مثلا زاد حرف أو نقص حرف يقل له لا ارجع وقلها كما تلقّيتها عن الرسول عليه السلام.
فهل نتصوّر مثل هذا الصحابي لو كان وحده هل نتصوّره يأتي إلى التعليم الذي لقّنه الرسول عليه السلام إياه مباشرة ( السلام عليكم أيها النبي ) فيأتي ويعدل منه إلى السلام على النبي دون أن يكون عنده تعليم وتوجيه من الرسول عليه السلام ... حاشاهم من ذلك ... وليس هو في الميدان وحده، هو ... وإلا لا فيقول فلما مات الرسول صلوات الله وسلامه عليه قلنا يعني نحن معشر الصحابة ( السلام على النبي ) فلذلك تأكيدا لهذا المعنى الذي رواه لنا ابن مسعود بصورة الجمع قلنا السلام على النبي، جاء هذا التشهد مع اختلاف الألفاظ كما هو مذكور في كتاب الصلاة عن السيدة عائشة ب"السلام على النبي"، جاء عن عمر بن الخطاب في موطأ مالك "السلام على النبي" وهكذا.
ومن هذا نقول هو كتاب وإجماع من الصحابة ذهبوا إليه ليس استيرادا منهم وتغييرا للنص كما يتبادر من سؤال السائل وإنما هذا من توقيف من الرسول صلوات الله وسلامه إياهم.
وما أبدع هذا الأمر حين إذا عرفنا اليوم غلوّ الناس في دعاء المرتى والاستعانة بغير الله عز وجل وكأن النبي صلى الله عليه وسلم أومأ وأشار إلى هؤلاء الصحابة من باب سدّ الذريعة إنه أنا إذا مت قولوا "السلام على النبي" ذلك لأن كثيرا من الناس اليوم يتوهّمون أوهام كثيرة منها أن الموتى يسمعون الموتى جميعا، يتوهّمون، كثير من الناس اليوم إذا ما قلنا جلّهم أن الموتى يسمعون، فمن باب أولى تمييزه سيّد المسلمين جميعا محمد عليه السلام يسمع من باب أولى فما بالكم إذا كان الرسول هو لا يسمع، هو لا يسمع حتى الصلاة عليه وهو أفضل ما يقال في حقّه عليه السلام أن يسمع استغاثة المستغيثين به من دون الله عز وجل أن يسمع توسّل المتوسّلين به من دون الله عز وجل، الصلاة على الرسول لا يسمعها هو وقد يستغرب بعضكم ممّن لم يطرق سمعه مثل هذا الكلام من قبل، كيف الرسول عليه السلام لا يسمع الصلاة عليه؟ نعم اسمعوا حديث الرسول عليه السلام الذي قد تسمعونه وهو ( أكثروا عليّ من الصلاة يوم الجمعة فإن صلاتكم تبلغني ) اسمعوا قال ( فإن صلاتكم تبلغني ) ما قال اسمعها، قالوا كيف ذاك وقد أرمت؟ قال ( إن الله حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ) ويُوضِّح هذا التبليغ ( فإن صلاتكم تبلغني ) وفي حديث أخر ورُوِيَ أيضا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه قال قال رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم ( إن لله ملائكة سيّاحين يبلّغوني عن أمتي السلام ) ( يبلّغوني عن أمتي السلام ) فإذًا الرسول عليه السلام إذا صلّى أحدنا عليه لا يسمع هذا الكلام كما يتوهّم جميع الناس تقريبا وإنما هناك ملائكة مخصّصين موظّفين من رب العالمين لينقلوا سلام المصلّين عليه إليه صلوات الله وسلامه عليه.
فإذا كان عليه الصلاة والسلام لا يسمع فإذًا نحن نخطابه حيث جاء الخطاب فقط كما نخاطب الموتى نقول الأن ( السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ) لكن إلى أخر الدعاء المعروف، لكن هذا لا يعني أننا نخاطب من يسمع، الموتى لا يسمعون بنص القرأن ونصّ السنّة.
ولقد شرحت هذا شرحا وافيا في مقدمتي لكتاب " الأيات البيّنات في عدم سماع الأموات عند الحنفية السادات " نقدّم ... هناك فمن شاء منكم رجع إليها للتوسّع في هذا الموضوع.
خلاصة القول " السلام على النبي " هذا توقيف من النبي للصحابة وليس تغييرا منهم وحاشاهم من مثل ذلك وبهذا القدر كفاية والحمد لله رب العالمين.