الكلام عن رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة والرد على المعتزلة المنكرين . حفظ
الشيخ : فهذا أخذه من قوله كونه تبارك وتعالى أن الرؤية حق لأهل الجنة بغير إحاطة ولا كيفية وجاء الدليل على ذلك في الكتاب والسنة أما الكتاب فهذه الآية الصريحة (( وجوه يومئذ )) يوم القيامة يوم الجنة (( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة )) ومع صراحة هذه الآية فقد سلط عليها المعتزلة معاول الهدم والتأويل فقالوا إن الآية لا تدل على ما ذهب إليه أهل الحديث وغيرهم من أن المؤمنين يرون الله ذاته تبارك وتعالى وإنما مراد الآية في زعم المعتزلة ناظرة إلى نعمة ربها (( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة )) أي إلى نعمة ربها ناظرة وهذا كما ترون على النهج الذي سلكوه في كل آيات الصفات تقريبا فهم يقولون مثلا (( وجاء ربك )) أي آيات ربك أو ملائكة ربك أو أمر ربك إلى نحو ذلك من الألفاظ التي يقدرونها لكي يفروا من دلالة هذه النصوص على خلاف ما ذهبوا إليه من إنكار الصفات كالمجيء والنزول وكذلك إنكار رؤية المؤمنيين لربهم يوم القيامة وتأولوا قوله تبارك وتعالى (( إلى ربها ناظرة )) أي إلى نعمة ربها ونعيم ربها ناظرة وهذا التأويل باطل بلا شك لما علم في بحث موضوع الصفات وآيات الصفات وأحاديث الصفات وهو أن الأصل في كل كلام عربي أن يؤخذ على حقيقته وعلى ظاهره لا على تأويله ومجازه وإنما يصار إلى التأويل وإلى المجاز حينما تتعذر الحقيقة ولا يمكن الأخذ بها ولكن المعتزلة حينما جمدت أفكارهم على تشبيه الخالق بالمخلوق ابتداءً وعلى تنزيهه انتهاءً وجدوا أن مثل هذه الآية التي تثبت رؤية المؤمنين لربهم عز وجل يوم القيامة في الجنة تفيد بزعمهم إما الإحاطة بالله عز وجل وإدراكه وإما تحديده بجهة وهم يقررون بأن الله ليس في جهة ولذلك يذهبون إلى التعطيل المطلق فيقولون الله في كل مكان كل هذه الإنحرافات والتأويلات ماكان منهم إلا لإهمالهم تطبيق قاعدة من قواعد اللغة العربية هي أن الأصل في كل عبارة الحقيقة ولا تُأوّل إلا لضرورة وهنا بلاشك ليس ضرورة لأن رؤية الله ليس من الضروري أن تكون مثل رؤيتنا لبعضنا البعض فرؤيتنا لربنا رؤية ليس فيها الإحاطة وليس فيها الإدراك وليس فيها الحصر لله عز وجل في مكان إلى آخر هذه الشروط التي يجب علينا أن لا نثبتها لعدم ورودها في الكتاب ولا في السنة فإن الأمر كذلك فلماذا نحن نكر رؤية الله بعد ثبوتها وبعد تنزيهنا لربنا من كل ما يمس جلاله وعظمته.