الكلام على قصة عبد الله بن عمرو بن العاص حين زوجه أبوه والكلام عن الغلو في الدين . حفظ
الشيخ : ولعل الكثيرين منكم يذكر قصة عبد الله بن عمرو بن العاص حينما زوّجه أبوه، سدوا ها الفراغ يا إخواننا سدوا ادنوا ادنوا شوية ادنو هيك .
عيد عباسي : ... .
الشيخ : تراصوا يا إخواننا تراصوا لا تكونوا أنانيين خلوا المجال للآخرين.
عبد الله بن عمرو بن العاص كان شابا لما زوجه والده عمرو بفتاة من قريش وذات يوم يسأل والده كنته زوجة ابنه عن حالها مع زوجها فكنّت له بعبارة لطيفة قالت إنه لم يطأ لنا بعد فراشا يعني أنه تزوج لكن ما تزوج لأنه فراشنا ما وطأه بعد لماذا ؟ لأنه يصوم الدهر ويقوم الليل فمتى يتفرغ لزوجته؟ ولا شك أن مثل هذا الخبر يُزعج الوالد سواء من الناحية الدينية أو من الناحية الشخصية لأنه زوجّه ليحصنه وليريحه ومن الناحية الشرعية لا يجوز للمسلم أن يهتم بالعبادة أكثر مما شرع الله عز وجل لأن ذلك غلو في الدين وقد قال رب العالمين في كتابه الكريم (( قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق )) (( لا تغلوا )) وقد وصف الرسول عليه السلام شيئا من الغلو في حالة كأن المسلمين فهموا من ذلك الوصف عكس ما أراد الرسول عليه السلام ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما حجّ حجة الوداع واقترب في إفاضته من المزدلفة إلى منى من منى قال لابن عباس التقط لي سبع حصيات مثل حصى الخذف وأشار ويقول العلماء أنه ذلك قدّ الحمصة الكبيرة وقال عليه السلام بهذه المناسبة لابن عباس ( وإيّاكم والغلو في الدين فإن ما أهلك الذين من قبلكم غلوهم في دينهم ) فماذا يفعل الناس اليوم حينما يرمون الجمرات ؟ نرى العجب العجاب، الرسول صلى الله عليه وسلم وجّه المسلم أن يلتقط حصيات صغارا لأن المقصود ليس هناك محاربة مادية وإنما هي محاربة معنوية روحية فلذلك أوصى بعدم تكبير الحصاة ثم لعلها تصيب رؤوس كثير من الذين اجتمعوا حول الجمرة وهذا يقع كثيرا فإذا كانت الحصاة كبيرة فقد تؤذي من أصابته .
فاليوم نرى حول الجمرة النعال متراكمة بعضها فوق بعض لأن الجهّال من المسلمين لم يتأدبوا بأدب الدين فهم يتصورون هناك شيطان فعلا واقف ينتظرهم ليرجموه والحقيقة ليس كذلك وإنما هناك مكان خرج فيه شيطان لأبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام فرماه بالجمرة الأولى ثم الثانية ثم الثالثة الشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر المسلمين من الغلو في الدين حتى في تكبير الجمرة الحصى التي يرمي بها الجمرة .
ففي العبادة وقيام الليل وصيام الدّهر هذا من باب أولى أن ينهى عنه الرسول عليه السلام فلما سمع عمرو من كنته ما سمع شكاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال عبد الله بن عمر فإما لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وإما أرسل إلي قال ( بلغني أنك تقوم الليل وتصوم النهار ولا تقرب النساء ) فقال قد كان ذلك يا رسول الله قال ( فإن لنفسك عليك حقا ولجسدك عليك حقا ولزوجك عليك حقا ولزورك ) أي من يزورك ولضيفك ( عليك حقا ) ثم أخذ يضع له عليه الصلاة والسلام منهاجا يلتزمه في حياته كلها لا يزيد على ذلك فهو كان يصوم الدهر كله قال له صم من كل شهر ثلاثة أيام والحسنة بعشر أمثالها فكأن صمت إيه ؟ الشهر كله في ثلاثة فماذا كان الجواب؟ هنا الشاهد قال يا رسول الله إني شاب إن بي قوة إني أستطيع أكثر من ذلك هو بيقول عكس ما يقول الناس اليوم تماما يقولوا ... شلون شبابي أنه أضيّع وقتي في أقل من هذه العبادة التي أنا قائم بها ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام يرى ما لا نرى كما قالت السيدة عائشة له حينما قال لها عليه السلام ( يا عائشة هذا جبريل يقرؤك السلام ) قالت وعليه السلام يا رسول الله ترى ما لا نرى، أنت بتقل لي هذا جبريل يقرؤك السلام فعليه السلام وأنا أصدقك بما تقول لأنك ترى ما لا نرى فإذا كان الرسول عليه السلام يرى بالبصر ما لا نرى فهو أولى أن يرى بالبصيرة ما لا نرى بها ولذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يرى عاقبة مبالغة عبد الله بن عمرو في عبادته وقد حدث ذلك فعلا فلما قال ابن عمرو إني شاب إن بي قوة إني أستطيع أكثر من ذلك قال له عليه الصلاة والسلام ( صم كذا ) حدد له أيضا ... آخر قال إني شاب إني أستطيع أكثر من ذلك يعيد نفس الكلام السابق وأخيرا قال له عليه السلام ( صم يوما وأفطر يوما فإنه أفضل الصيام وهو صوم داود عليه السلام والصلاة وكان لا يفر إذا لاقى ) قال يا رسول الله إني أريد أفضل من ذلك قال ( لا أفضل من ذلك ) هذا من حيث الصيام صيام الدهر لم يرضه له الرسول عليه السلام وإنما أعطاه صياما هو يساوي فعلا نصف الدهر وأجرا كل الدهر وهذا هو الكسب الحقيقي ومن حيث إحياء الليل كله الذي كان يفعله قال له عليه الصلاة والسلام ( اقرأ القرآن في كل شهر مرة ) .