الكلام على معنى الأثر . حفظ
الشيخ : لكن هذا الأثر عن عبد الله بن مسعود فيه ما يشعرنا بأنه مقتبس من مجموعة من أحاديث الرسول عليه السلام وخاصة فيما يتعلق بالشطر الأول من قوله الصبر نصف الإيمان ذلك لأن الصبر عرفتم فضله في الحديثين السابقين حديث أبي سعيد الخدري وحديث أبي هريرة والحديث السابق وهو أو الأسبق وهو أن الصبر ضياء فحينما يقول هنا ابن مسعود أن " الصبر نصف الإيمان واليقين هو الإيمان كله " فهو جعل الشرع قسمين ما كلف به الإنسان قسمين قسم اعتقادي وقسم عملي هذا القسم العملي لابد كما شرحنا في الدرس السابق من الصبر لأن بالصبر به يستطيع الإنسان أن ينهض بكل ما كلف به شرعا لذلك قال ابن مسعود " إن الصبر نصف الإيمان " يعني هو العمل وعمل بدون صبر لا يتصور وكل ما كان المؤمن شديدا قويا في صبره كلما كان قويا في طاعته لربه عز وجل ثم لا يبقى هناك بعد ذلك إلا الشطر الثاني ألا وهو اليقين وهو الإيمان الجازم المقطوع به بكل ما جاء في الإسلام من أمور غيبية سواء كانت هذه الأمور جاءت منصوصا عليها في القرآن الكريم أو في السنة الصحيحة فكل ذلك يجب الاعتقاد به دون تأثر بالفلسفة الاعتزالية القديمة التي دخلت في عقيدة كثير من المسلمين وصارت من العقائد التي يدينون الله بها ويردون كثيرا من الأحاديث الصحيحة بسببها ألا وهي قولهم " إن العقيدة لا تثبت إلا بدليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة " فإذا اختل أحد الشرطين المذكورين كأن يكون قطعي الثبوت غير قطعي الدلالة أو أن يكون قطعي الدلالة غير قطعي الثبوت حين ذلك المسلم له الخيرة أن لا يأخذ بمثل هذه العقيدة هكذا زعموا بل بالغ بعض المعاصرين اليوم فقالوا لا يجوز نحن قلنا قالوا له الخيرة أن يأخذ بهذه العقيدة أو لا لكن غلا بعضهم فقالوا لا يجوز أن يأخذ المسلم بحديث صحيح ولو كان قطعي الثبوت إذا كان غير قطعي الدلالة أو كان قطعي الدلالة لكن كان غير قطعي الثبوت هذه فلسفة دخيلة في الإسلام بلاشك لا يعرفها الصحابة ولا يعرفها التابعون الذين تلقوا أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام بواسطة هؤلاء الصحابة وكذلك الجيل الثالث أتباع التابعين لا يعرفون هذه المسألة أو هذه الفلسفة وهم أيضا تلقوا بدورهم أحاديث الرسول عليه السلام عن من سبقهم من التابعين وهؤلاء عن الصحابة كما ذكرنا هذه السلسلة في رأي تلك الفلسفة يعني تابع تابعي عن تابعي عن صحابي هذا لا يفيد إلا الظن ولو كانت دلالة الرواية قطعية قطعية الدلالة فهل كان كذلك الصحابة عفوا الصحابة ربما فيه شيء من التسامح وإن كان هناك بعض الصحابة يروون عن بعضهم أي لم يسمعوا الحديث عن الرسول مباشرة فحين ذاك حتى بعض الصحابة أحيانا يكون الحديث بالنسبة إليهم غير قطعي الثبوت ليه؟ لأن عمر ما سمع الحديث من الرسول عليه السلام وإنما سمعه من أبي بكر الصديق حينئذ هذا الحديث يدخل في باب الظنون عند هؤلاء المتفلسفين ويقولون هذا الحديث لا يؤخذ به في العقيدة الإسلام كله يجب أن يؤخذ قرآنا وسنة عقيدة وحكما وخلقا جزء لا يتجزأ سواء جاء بدليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة أو اختل أحد الشرطين لأن هذا شرط ما جاء له ذكر في كتاب الله ولا في حديث رسول الله بل وما كان كذلك فهو باطل لقوله عليه الصلاة والسلام ( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ولو كان مئة شرط ) لذلك فالمسلم حينما يأتيه الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيحا فيجب أن يتبناه وأن يؤمن به وألا يأخذه على الشك والريب هذا الشك والريب هو الذي لا يجوز الأخذ به أما الظن الغالب فالعلماء يشهدون بأن أكثر الأحكام الشرعية إنما هي قائمة على هذا الظن الغالب ومن تحريف القرآن الكريم وسوء تأويله أن تحمل النصوص القرآنية أو الحديثية التي فيها ذم الظن والنهي عن الأخذ به أن تحمل هذه النصوص على الظن الراجح الذي اتفق علماء المسلمين إلا من شذ منهم أيضا على أن الظن الراجح يجب الأخذ به وإلا تعطلت أحكام الشريعة مثلا لما قال ربنا عز وجل (( إن الظن لا يغني من الحق شيئا )) وقال في حق المشركين (( إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس )) وقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح ( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ) حملوا هذه النصوص على الظن الراجح إذا لا يجوز الأخذ بحديث الآحاد حسب فلسفتهم حتى في الأحكام الشرعية لأن هذه النصوص عامة في الأخذ بالظن فهي تشمل الأخذ بالظن في الأحكام كالأخذ به في العقيدة لكن المسلمين جميعا حتى هؤلاء المتفلسفين الذين يقولون لا يؤخذ بحديث الآحاد في العقيدة يقولون يجب الأخذ بحديث الآحاد في الأحكام إذا كيف تستدلون بهذه الآيات الجواب الظن الوارد في هذه النصوص آيات وأحاديث إنما يراد به ما يقابل الوهم وأعلى من الوهم هو الظن المستوي الطرفين ليس عنده أرجحية من جانب إلى جانب آخر هذا هو الذي لا يجوز به باتفاق العلماء أما إذا ترجح أحد طرفي التردد فحينئذ لم يبق ظنا يشمله تلك النصوص المذكورة وإنما هو حكم شرعي يجب الأخذ به نحن نعلم أن في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول ( إنكم لتختصمون إليّ وإن أحدكم ألحن بحجته من الآخر فإذا قطعت له من حق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار ) ما معنى هذا الحديث؟ أن الرسول عليه الصلاة والسلام المتصل بوحي السماء في كل لحظة ودقيقة حينما كان يحكم بين الناس كان يحكم بينهم فيما يظهر يسمع من كل من المدعي والمدعى عليه فبدى له أن فلانا ظلم فلانا فيأمر الظالم بأن يعطي الحق للمظلوم يقول الرسول عليه الصلاة والسلام أنا أحكم بما أسمع منكم فقد يكون أحدكم ألحن بحجته أقوى بإبداء وبدعم رأيه من الآخر فأسمع منه فأحكم بما سمعت وقد يكون حكمت بما ليس له وأعطيته من حق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكم بأنه قد يكون أعطى الحق لغير صاحبه فماذا نقول عن غيره من الحكام؟ لاشك أنهم قد يقعون في الخطأ لكن يجب على الحاكم أن يحكم بما يغلب على ظنه لا يتبع الهوى لذلك ربنا عز وجل لما ذم المشركين في بعض الآيات قال بيانا لهذه الحقيقة (( إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس )) أليس الظن المذكور في هذه النصوص هو الظن الراجح الذي يجب العمل به عند علماء المسلمين فإذا حينما يقول ابن مسعود رضي الله عنه الصبر نصف الإيمان يعني العمل بالإسلام واليقين هو الإيمان كله فإذا هناك شطران شطر عملي وشطر اعتقادي فكما يجب على المسلم أن يحسن اعتقاده كله وأن يجعله يقينا لاشك ولاريب فيه فكذلك عليه أن يحسن الشطر الثاني وأن ينهض به وذلك لا يكون إلا بالصبر فنسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الصابرين.