تفسير قوله تعالى: (( وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ )). حفظ
الشيخ : (( وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ )) إلخ ، نزلنا : قال علماء اللغة هناك فرق بين أنزلنا ونزلنا وإن كان بعضهما قد يستعمل في مكان الآخر ، لكن الفرق الأول أو الأصل أن التنزيل يكون شيئا فشيئا ، والإنزال يكون دفعة واحدة ، المطر ينزل من السماء شيئا فشيئا (( ونزلنا من السماء ماء مباركا )) والسماء هنا بمعنى العلو وليس المراد السماء التي هي السقف المحفوظ الذي فوق الأرض بل المراد به العلو لأن المطر ينزل من السحاب والسحاب ليس السماء بل السحاب في العلو والدليل على أن الماء ينزل من السحاب قوله تعالى : (( اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ )) وقال سبحانه وتعالى : (( والسحاب المسخر بين السماء والأرض )) قد يفهم بعض الناس أن المطر ينزل من السماء العليا على السحاب ثم من السحاب على الأرض بل المطر من السحاب نفسه قال تعالى : (( وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا )) المعصرات هي السحاب كأنها تعصر السحاب كما تعصر الثوب فيتساقط المطر منها ، فهنا يقول : (( نزلنا من السماء )) يعني من السحاب الذي هو في العلو ماء مباركا وهو المطر من بركته أن الله يحيي به الأرض بعد موتها ومن بركته أن الله يحفظه في الأرض لنشربه ونسقي به بهائمنا قال الله تبارك وتعالى : (( أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ )) فبين في آية أخرى أنه يخزنه في الأرض ، يخزنه في الأرض يسلكه ينابيع متى شئنا حفرنا فوجدنا الماء ولوكان على ظهر الأرض ، هذا الماء المطر لو لم تشربه الأرض وبقي على ظهرها لتبخر بسرعة ولأفسد الهواء ولحجب الناس دون مصلحة الأرض من النبات ولكن الله تعالى جعل الأرض تبتلعه ويخزّن فيها إلى الوقت الذي نحتاجه فنستخرجه،
قال الله عز وجل : (( ماء مباركا )) ومن بركته ما يحصل به من العظة في قدرة الله عز وجل لأن الإنسان العاقل يقول كيف ينزل هذا المطر من هذا السحاب الذي إذا رأيته وكأنما ترى قطعا من القطن ، ولكن ربنا عز وجل على كل شيء قدير وينبغي إذا نزل المطر أن يقول الإنسان : اللهم صيبا نافعا ، يدعو الله بأن يكون صيبا نافعا لأن المطر ربما ينزل ولا ينفع كما قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه : ( ليس السنة أن لا تمطروا ولكن السنة أن تمطروا ولا تنبت الأرض شبئا ) ليس السنة : يعني الجدب ، أن لا تمطروا ولكن أن تمطروا ولا تنبت الأرض شيئا ، وصدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وينبغي أيضا إذا نزل المطر أن يحسر الإنسان عن ثوبه يعني ... عن ثوبه حتى يصيبه من المطر لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يفعل ذلك فسئل لماذا تحسر عن ثوبك حتى يصيب المطر بدنك قال : ( لأنه حديث عهد بربه ) الله أكبر ، حديث عهد بربه لأنه توه مخلوق فهو حديث عهد بالله عز وجل وينبغي إذا نزل المطر أن يخرج الإنسان إذا شاء إلى الوادي فيتطهر به ، بالمطر كما يفعل الناس اليوم ، يخرجون بعد المطر إلى الأودية فيتطهرون منه لكن أكثر الناس لا يحس بهذا الشيء ، يخرج من أجل النزهة فقط ، والذي ينبغي أن تخرج من أجل أن تتطهر به لأن الله تعالى قال : (( وأنزلنا من السماء ماء طهورا )) أي طاهرا في ذاته مطهرا لغيره.