خطبة جمعة للشيخ عن الزواج والإجازة. حفظ
الشيخ : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله الله بالهدى ودين الحق، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد :
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( تزوجوا الودود الولود ) فالواجب على الشاب المسلم إذا أوجد الله عليه وكان به شهوة للنكاح، الواجب عليه أن يتزوج امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم واقتداء بمحمد صلى الله عليه وسلم وبإخوانه من المرسلين، فقد قال الله عز وجل : (( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ))، وإذا لم يجد الشاب ما يتزوج به، وكان له أب يستطيع أن يزوجه فإن على أبيه أن يزوجه، فإن لم يفعل فإنه آثم وواقع في معصية الله، ومتهاون بأمره ومتهاون بحق لولده، فإن من حق الولد على أبيه إذا احتاج إلى الزواج أن يزوجه، كما أن للولد حقا على أبيه أن يطعمه ويكسوه ويسكنه، فاتقوا الله أيها الآباء، اتقوا الله أيها الآباء الذين أغناكم الله، وزوجوا أولادكم المحتاجين للزواج، فإن ذلك واجب عليكم، وإذا كان من الواجب على الآباء الذين عندهم قدرة أن يزوجوا أولادهم الذين ليس لهم قدرة وبهم شهوة، فإن من الواجب أيضا أن يتقي الله أولئك الأولياء الذين عندهم بنات يمنعونهن من الزواج إلا بمن يشاءون لا بمن يخترنه هؤلاء النساء، فاتقوا الله عباد الله، اتقوا الله تعالى فيمن ولاكم الله عليه من النساء، لأن هذه الولاية أمانة حملكم الله إياها، وسوف يسألكم عنها يوم القيامة.
أيها الأولياء أدوا الأمانة في هؤلاء النساء، لا تتحكموا في مصيرهن ومستقبلهن، لا تجعلوهن بينكم بمنزلة السلع، إن أعطيتم بها ثمنا يرضيكم بعتموها، وإلا أمسكتموها، أيها الأولياء إن أمانة النساء فيكم، وإن مستقبلهن في دينهن ودنياهن أعظم وأجل من أن تنظروا في ذلك إلى المال وإلى لعاعة من العيش تتمتعون بها على حساب أمانتكم، إن الواجب عليكم أيها الأولياء أن تنظروا إلى الخاطب إذا كان فيه خير للمرأة وسعادة في دينها ودنياها، في نفسها وأولادها، أن تختاروا مثل هذا، وأن تقبلوا خطبته، فإن المدار على الخلق والدين، وإياكم أن تمنعوا الخاطب إذا كان كفئا في دينه ورضيته المرأة، إياكم أن تمنعوه من قبوله، فإن ذلك تضييع للأمانة، ووقوع في المعصية، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) ففي هذا الحديث : توجيه وإرشاد إلى أن ينظر إلى الخاطب من ناحيتين فقط هما الدين والخلق، لأن الدين والخلق هما الأساس الذي به صلاح الدين وسعادة الحياة، فصاحب الدين صالح بنفسه، مصلح لأهله، فيه خير وفلاح، إن أمسكها، أمسكها بمعروف، وإن فارقها، فارقها بمعروف، لأن عنده من الدين والتقوى ما يمنعه من ظلم المرأة والمطل بحقها، وإن صاحب الخلق المستقيم في أخلاقه يكون مقوما لغيره، فيتلقى أهله بالبشر وطلاقة الوجه، ويعودهم بأقواله وحاله على مكارم الأخلاق ومعالي الآداب.
أيها الأولياء : وإن من أهم ما تجب به العناية النظر إلى الدين، إلى سلامة العقيدة، إلى إقامة أركان الإسلام، أما سلامة العقيدة فأن يكون الرجل الخاطب مؤمنا بالله ورسوله، لم يذكر عنه ما يدل على شكه، ولا ما يدل على استهزائه بالدين وأهله، أن يكون معظما لله ورسوله، أن يكون معظما لدين الله، وأولياء الله، لا يذكر عنه ما يدل على السخرية في ذلك، فإن من شك في إيمانه بالله أو شك في إيمانه باليوم الآخر أو شك في إيمانه بالملائكة أو بالرسل أو بالكتب أو بالقدر خيره وشره فذلك كافر لا يجوز أن يزوج، وإن من حفظ عنه أنه يستهزء بالله أو بآيات الله فإنه كافر لا يجوز أن يزوج، لقول الله تعالى : (( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ )) ولكن إذا علم من هذا الرجل أنه تاب إلى الله وعظم دين الله، واستمسك بشريعة الله فإن التوبة تهدم ما قبلها، أما إقامة الصلاة فهي أن يأتي الإنسان بالصلوات الخمس في أوقاتها، بأدنى ما يجب فيها، معتقدا فريضتها، فمن أنكر فرضية الصلوات الخمس أو بعضها فهو كافر، لأنه مكذب لله ورسوله وإجماع المسلمين، اللهم إلا أن يكون ممن أسلم قريبا ولا يدري عن فرائض الدين فإنه يعلم، فإذا بلغه ذلك فأنكر فإنه كافر، وإذا كان الخاطب يقر بالفريضة، يقر بأن الصلوات الخمسة فريضة، ولكنه لا يصلي فإنه لا يجوز أن يزوج لأنه كافر، والمسلمة لا تحل لكافر، ودليل كفره قوله تعالى : (( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ))، وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة )، وفي الحديث، وفي الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر ) وقال عبد الله بن شقيق : ( كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة )، فهذه نصوص الكتاب، ونصوص السنة، وقول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإلى أي قول نذهب بعد دلالة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم، وهذا الكفر هو الكفر الأكبر المخرج عن الإسلام، الموجب للقتل في الدنيا، والخلود في الآخرة في النار .
أيها المسلمون عليكم بانتقاء ذي الدين والخلق فإن هذا الذي أمرتم به، وإياكم، إياكم أن تغركم الدنيا فتختاروها على الدين والخلق، لأن هؤلاء النساء أمانة بين أيديكم، فاتقوا الله أيها المسلمون واختاروا لبناتكم وأخواتكم وأمهاتكم وجميع من لكم عليهم ولاية، من لكم عليهن ولاية اختاروا لهن ذا الدين والخلق، ولا تتعجلوا في القبول، ابحثوا بحثا دقيقا من جميع الجوانب، لأن الناس اليوم قد تخفى كثير من أحوالهم، وتحتاج إلى تأن ونظر دقيق، وإذا تبين لكم صلاحه في دينه، وصلاحه في خلقه فلا تترددوا طرفة عين.
أيها المسلمون : أيها الأولياء، إن من الأولياء من يتحكمون في بناتهم ومن تحت ولايتهم من النساء فيمنعونهن من الخطاب الأكفاء مع رضا المرأة بالخاطب، وهذا حرام عليه، ولقد كنا نكلم عن طريق الهاتف من بعض النساء تشكو من أوليائهن، حيث تخطب من إنسان كفء ولكن وليها يتحكم به، ولكن وليها يتحكم في ذلك فلا يزوجه، فاتقوا الله أيها المسلمون لا تعتدوا على حقوق هؤلاء النساء، فإنهن سوف يكن خصما لكم يوم القيامة، اللهم إلا، إلا أن ترضى المرأة بخاطب لا يرضى دينه، مثل أن ترضى بشخص لا يصلي، أو بشخص يشرب الخمر، أو بشخص يمارس من المعاصي ما يخل بالشرف والدين، فلوليها في هذه الحال، بل يجب على وليها في هذه الحال أن يمنعها من التزوج به، ولو بقيت بلا زوج طول حياتها، وليس عليه في ذلك حرج، لأن هذا مقتضى الأمانة التي حملها،
أيها المسلمون : أيها الأولياء، إنه كما لا يجوز لكم أن تمنعوا النساء من تزويجهن بمن يرضى دينه وخلقه إذا رضين بذلك، فكذلك لا يجوز لكم أن تكرهوهن على الزواج بمن لا يرغبن نكاحه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك فقال : : ( لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا يا رسول الله وكيف إذنها ؟ قال : أن تسكت )، ولا فرق في هذا بين الأب وغيره من الأولياء، فالأب لا يجبر ابنته ولو كانت بكرا على نكاح من لا ترغبه، وكذلك الأخ وغير الأخ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( البكر يستأذنها أبوها في نفسها وإذنها صماتها )، فاتقوا الله عباد الله، لا تزوجوا نساء من غير أكفائهن، لا تمنعوهن من نكاح أكفائهن، لا تجبروهن على نكاح من لا يرغبن نكاحه، ولا يكن همكم المال والدنيا، فإن ذلك من السخف، إن ذلك من السخف، إن من السخف أن ينزل الرجل بنفسه فيزوج من أجل المال، ويرد من أجل المال، حتى إنه ليقبل الخاطب وترضى به المرأة وأهلها، فإذا أرسل الجهاز وكان قاصرا ع عن ما يريدون ردوه وتركوا تزويج هذا الخاطب بعد قبوله، كأنما المقصود المال، وكأن المرأة سلعة تباع وتشترى، وشأن النكاح أعظم مما يريد هؤلاء السفهاء، فإنه قصيم القرابة في الصلة بين الناس كما قال الله تعالى : (( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا )) وإنني أقول، إنني أقول لهؤلاء الأولياء الذين ليس لهم هم إلا المال، إنه ليس لكم من مهر المرأة شيئا، إن جميع مهر المرأة لها، لا يحل لأخيها ولا لعمها ولا لأمها ولا لأبيها أن يشترط لنفسه شيئا منه، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر أن المهر لها، ولكن بعد عقد النكاح لا بأس أن يكرم أبوها أو أخوها بكرامة، وأما اشتراط ذلك في العقد فإن هذا لا يجوز، ولا يحل لمن اشترط له أن يأخذ منه شيئا، يقول الله تعالى : (( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا )) فجعل الصداق للنساء، وهذا يعني أنه لا حق لأوليائهن فيه، ولو كانوا من أقرب الناس إليهن، فاتقوا الله أيها المسلمون وعظموا شأن الأمانة، ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة يرجو بها قائلها النجاة يوم يلاقيه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد : أيها الإخوة المسلمون، اتقوا الله تعالى، واشكروه على ما أنعم به عليكم من نعمة الأولاد، فإن نعمة الأولاد من نعم الله الكبرى، سواء كانوا بنين أم بنات، سواء كانوا بنين أم بناتا، وذلك لأن الله سبحانه إذا أنعم على الإنسان بما يسره فإنها نعمة يجب عليه أن يشكر الله عليها، وأن يستعين الله تعالى على شكره عليها، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل أن يقول : ( اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ).
أيها المسلمون : اتقوا الله تعالى في هذه النعمة، راقبوا أولادكم من بنين وبنات، أدوا حق الله عليكم فيهم، علموهم وأدبوهم، مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر، وإننا في هذه الإجازة سوف يكون لأولادنا فراغ كبير، فعلينا أن نلاحظ ماذا يصنع أولادنا في هذه الإجازة، وإذا كان هناك مراكز صيفية يقوم عليها أناس أمناء، فإن من المستحسن أن يدخل الشباب هذه المراكز حفظا للأوقات، وتحصيلا للمنفعة التي تحصل في هذه المراكز من محاضرات ودراسة وتوجيه وغير ذلك مما يعرف في برامج هذه المراكز، وكذلك احرصوا على إدخالهم في حلقات تحفيظ القرآن في المساجد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) ومن استعان أحدا على تعلم القرآن، فإنه يناله من هذه الخيرية نصيب.
اللهم أعنا على ما حملتنا من الأمانة، اللهم أعنا عليها حتى نقوم بها على الوجه الذي يرضيك عنا يا رب العالمين، اللهم أصلح قلوبنا، وأصلح أعمالنا، وأصلح ذرياتنا، وأصلح مجتمعنا، وأصلح ولاة أمورنا يا ذا الجلال والإكرام، يا أرحم الراحمين، واعلموا أيها المسلمون أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة، فعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار، واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال جل من قائل عليما : (( إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا))، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهرا وباطنا، اللهم توفنا على ملته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم اسقنا من حوضه، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم اجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم ارزقنا لذة النظر إلى وجهك الكريم يا ذا الجلال والإكرام .
أما بعد :
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( تزوجوا الودود الولود ) فالواجب على الشاب المسلم إذا أوجد الله عليه وكان به شهوة للنكاح، الواجب عليه أن يتزوج امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم واقتداء بمحمد صلى الله عليه وسلم وبإخوانه من المرسلين، فقد قال الله عز وجل : (( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ))، وإذا لم يجد الشاب ما يتزوج به، وكان له أب يستطيع أن يزوجه فإن على أبيه أن يزوجه، فإن لم يفعل فإنه آثم وواقع في معصية الله، ومتهاون بأمره ومتهاون بحق لولده، فإن من حق الولد على أبيه إذا احتاج إلى الزواج أن يزوجه، كما أن للولد حقا على أبيه أن يطعمه ويكسوه ويسكنه، فاتقوا الله أيها الآباء، اتقوا الله أيها الآباء الذين أغناكم الله، وزوجوا أولادكم المحتاجين للزواج، فإن ذلك واجب عليكم، وإذا كان من الواجب على الآباء الذين عندهم قدرة أن يزوجوا أولادهم الذين ليس لهم قدرة وبهم شهوة، فإن من الواجب أيضا أن يتقي الله أولئك الأولياء الذين عندهم بنات يمنعونهن من الزواج إلا بمن يشاءون لا بمن يخترنه هؤلاء النساء، فاتقوا الله عباد الله، اتقوا الله تعالى فيمن ولاكم الله عليه من النساء، لأن هذه الولاية أمانة حملكم الله إياها، وسوف يسألكم عنها يوم القيامة.
أيها الأولياء أدوا الأمانة في هؤلاء النساء، لا تتحكموا في مصيرهن ومستقبلهن، لا تجعلوهن بينكم بمنزلة السلع، إن أعطيتم بها ثمنا يرضيكم بعتموها، وإلا أمسكتموها، أيها الأولياء إن أمانة النساء فيكم، وإن مستقبلهن في دينهن ودنياهن أعظم وأجل من أن تنظروا في ذلك إلى المال وإلى لعاعة من العيش تتمتعون بها على حساب أمانتكم، إن الواجب عليكم أيها الأولياء أن تنظروا إلى الخاطب إذا كان فيه خير للمرأة وسعادة في دينها ودنياها، في نفسها وأولادها، أن تختاروا مثل هذا، وأن تقبلوا خطبته، فإن المدار على الخلق والدين، وإياكم أن تمنعوا الخاطب إذا كان كفئا في دينه ورضيته المرأة، إياكم أن تمنعوه من قبوله، فإن ذلك تضييع للأمانة، ووقوع في المعصية، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) ففي هذا الحديث : توجيه وإرشاد إلى أن ينظر إلى الخاطب من ناحيتين فقط هما الدين والخلق، لأن الدين والخلق هما الأساس الذي به صلاح الدين وسعادة الحياة، فصاحب الدين صالح بنفسه، مصلح لأهله، فيه خير وفلاح، إن أمسكها، أمسكها بمعروف، وإن فارقها، فارقها بمعروف، لأن عنده من الدين والتقوى ما يمنعه من ظلم المرأة والمطل بحقها، وإن صاحب الخلق المستقيم في أخلاقه يكون مقوما لغيره، فيتلقى أهله بالبشر وطلاقة الوجه، ويعودهم بأقواله وحاله على مكارم الأخلاق ومعالي الآداب.
أيها الأولياء : وإن من أهم ما تجب به العناية النظر إلى الدين، إلى سلامة العقيدة، إلى إقامة أركان الإسلام، أما سلامة العقيدة فأن يكون الرجل الخاطب مؤمنا بالله ورسوله، لم يذكر عنه ما يدل على شكه، ولا ما يدل على استهزائه بالدين وأهله، أن يكون معظما لله ورسوله، أن يكون معظما لدين الله، وأولياء الله، لا يذكر عنه ما يدل على السخرية في ذلك، فإن من شك في إيمانه بالله أو شك في إيمانه باليوم الآخر أو شك في إيمانه بالملائكة أو بالرسل أو بالكتب أو بالقدر خيره وشره فذلك كافر لا يجوز أن يزوج، وإن من حفظ عنه أنه يستهزء بالله أو بآيات الله فإنه كافر لا يجوز أن يزوج، لقول الله تعالى : (( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ )) ولكن إذا علم من هذا الرجل أنه تاب إلى الله وعظم دين الله، واستمسك بشريعة الله فإن التوبة تهدم ما قبلها، أما إقامة الصلاة فهي أن يأتي الإنسان بالصلوات الخمس في أوقاتها، بأدنى ما يجب فيها، معتقدا فريضتها، فمن أنكر فرضية الصلوات الخمس أو بعضها فهو كافر، لأنه مكذب لله ورسوله وإجماع المسلمين، اللهم إلا أن يكون ممن أسلم قريبا ولا يدري عن فرائض الدين فإنه يعلم، فإذا بلغه ذلك فأنكر فإنه كافر، وإذا كان الخاطب يقر بالفريضة، يقر بأن الصلوات الخمسة فريضة، ولكنه لا يصلي فإنه لا يجوز أن يزوج لأنه كافر، والمسلمة لا تحل لكافر، ودليل كفره قوله تعالى : (( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ))، وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة )، وفي الحديث، وفي الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر ) وقال عبد الله بن شقيق : ( كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة )، فهذه نصوص الكتاب، ونصوص السنة، وقول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإلى أي قول نذهب بعد دلالة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم، وهذا الكفر هو الكفر الأكبر المخرج عن الإسلام، الموجب للقتل في الدنيا، والخلود في الآخرة في النار .
أيها المسلمون عليكم بانتقاء ذي الدين والخلق فإن هذا الذي أمرتم به، وإياكم، إياكم أن تغركم الدنيا فتختاروها على الدين والخلق، لأن هؤلاء النساء أمانة بين أيديكم، فاتقوا الله أيها المسلمون واختاروا لبناتكم وأخواتكم وأمهاتكم وجميع من لكم عليهم ولاية، من لكم عليهن ولاية اختاروا لهن ذا الدين والخلق، ولا تتعجلوا في القبول، ابحثوا بحثا دقيقا من جميع الجوانب، لأن الناس اليوم قد تخفى كثير من أحوالهم، وتحتاج إلى تأن ونظر دقيق، وإذا تبين لكم صلاحه في دينه، وصلاحه في خلقه فلا تترددوا طرفة عين.
أيها المسلمون : أيها الأولياء، إن من الأولياء من يتحكمون في بناتهم ومن تحت ولايتهم من النساء فيمنعونهن من الخطاب الأكفاء مع رضا المرأة بالخاطب، وهذا حرام عليه، ولقد كنا نكلم عن طريق الهاتف من بعض النساء تشكو من أوليائهن، حيث تخطب من إنسان كفء ولكن وليها يتحكم به، ولكن وليها يتحكم في ذلك فلا يزوجه، فاتقوا الله أيها المسلمون لا تعتدوا على حقوق هؤلاء النساء، فإنهن سوف يكن خصما لكم يوم القيامة، اللهم إلا، إلا أن ترضى المرأة بخاطب لا يرضى دينه، مثل أن ترضى بشخص لا يصلي، أو بشخص يشرب الخمر، أو بشخص يمارس من المعاصي ما يخل بالشرف والدين، فلوليها في هذه الحال، بل يجب على وليها في هذه الحال أن يمنعها من التزوج به، ولو بقيت بلا زوج طول حياتها، وليس عليه في ذلك حرج، لأن هذا مقتضى الأمانة التي حملها،
أيها المسلمون : أيها الأولياء، إنه كما لا يجوز لكم أن تمنعوا النساء من تزويجهن بمن يرضى دينه وخلقه إذا رضين بذلك، فكذلك لا يجوز لكم أن تكرهوهن على الزواج بمن لا يرغبن نكاحه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك فقال : : ( لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا يا رسول الله وكيف إذنها ؟ قال : أن تسكت )، ولا فرق في هذا بين الأب وغيره من الأولياء، فالأب لا يجبر ابنته ولو كانت بكرا على نكاح من لا ترغبه، وكذلك الأخ وغير الأخ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( البكر يستأذنها أبوها في نفسها وإذنها صماتها )، فاتقوا الله عباد الله، لا تزوجوا نساء من غير أكفائهن، لا تمنعوهن من نكاح أكفائهن، لا تجبروهن على نكاح من لا يرغبن نكاحه، ولا يكن همكم المال والدنيا، فإن ذلك من السخف، إن ذلك من السخف، إن من السخف أن ينزل الرجل بنفسه فيزوج من أجل المال، ويرد من أجل المال، حتى إنه ليقبل الخاطب وترضى به المرأة وأهلها، فإذا أرسل الجهاز وكان قاصرا ع عن ما يريدون ردوه وتركوا تزويج هذا الخاطب بعد قبوله، كأنما المقصود المال، وكأن المرأة سلعة تباع وتشترى، وشأن النكاح أعظم مما يريد هؤلاء السفهاء، فإنه قصيم القرابة في الصلة بين الناس كما قال الله تعالى : (( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا )) وإنني أقول، إنني أقول لهؤلاء الأولياء الذين ليس لهم هم إلا المال، إنه ليس لكم من مهر المرأة شيئا، إن جميع مهر المرأة لها، لا يحل لأخيها ولا لعمها ولا لأمها ولا لأبيها أن يشترط لنفسه شيئا منه، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر أن المهر لها، ولكن بعد عقد النكاح لا بأس أن يكرم أبوها أو أخوها بكرامة، وأما اشتراط ذلك في العقد فإن هذا لا يجوز، ولا يحل لمن اشترط له أن يأخذ منه شيئا، يقول الله تعالى : (( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا )) فجعل الصداق للنساء، وهذا يعني أنه لا حق لأوليائهن فيه، ولو كانوا من أقرب الناس إليهن، فاتقوا الله أيها المسلمون وعظموا شأن الأمانة، ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة يرجو بها قائلها النجاة يوم يلاقيه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد : أيها الإخوة المسلمون، اتقوا الله تعالى، واشكروه على ما أنعم به عليكم من نعمة الأولاد، فإن نعمة الأولاد من نعم الله الكبرى، سواء كانوا بنين أم بنات، سواء كانوا بنين أم بناتا، وذلك لأن الله سبحانه إذا أنعم على الإنسان بما يسره فإنها نعمة يجب عليه أن يشكر الله عليها، وأن يستعين الله تعالى على شكره عليها، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل أن يقول : ( اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ).
أيها المسلمون : اتقوا الله تعالى في هذه النعمة، راقبوا أولادكم من بنين وبنات، أدوا حق الله عليكم فيهم، علموهم وأدبوهم، مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر، وإننا في هذه الإجازة سوف يكون لأولادنا فراغ كبير، فعلينا أن نلاحظ ماذا يصنع أولادنا في هذه الإجازة، وإذا كان هناك مراكز صيفية يقوم عليها أناس أمناء، فإن من المستحسن أن يدخل الشباب هذه المراكز حفظا للأوقات، وتحصيلا للمنفعة التي تحصل في هذه المراكز من محاضرات ودراسة وتوجيه وغير ذلك مما يعرف في برامج هذه المراكز، وكذلك احرصوا على إدخالهم في حلقات تحفيظ القرآن في المساجد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) ومن استعان أحدا على تعلم القرآن، فإنه يناله من هذه الخيرية نصيب.
اللهم أعنا على ما حملتنا من الأمانة، اللهم أعنا عليها حتى نقوم بها على الوجه الذي يرضيك عنا يا رب العالمين، اللهم أصلح قلوبنا، وأصلح أعمالنا، وأصلح ذرياتنا، وأصلح مجتمعنا، وأصلح ولاة أمورنا يا ذا الجلال والإكرام، يا أرحم الراحمين، واعلموا أيها المسلمون أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة، فعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار، واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال جل من قائل عليما : (( إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا))، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهرا وباطنا، اللهم توفنا على ملته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم اسقنا من حوضه، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم اجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم ارزقنا لذة النظر إلى وجهك الكريم يا ذا الجلال والإكرام .