تفسير قوله تعالى:(( وأحيينا به بلدة ميتة كذلك الخروج )) حفظ
الشيخ : ثم قال تعالى : (( وأحيينا به بلدة ميتا )) أحيينا به، بماذا؟ بالماء الذي قال : (( ونزلنا من السماء ماءا مباركا)) بالماء، أحيا به الله بلدة ميتا، كيف موت البلدة؟ موتها أن تيبس أشجارها، وأن يهمد حشيشها، وأن تصبح أرضا قاحلة ليس فيها أخضر، فإذا أنزل الله عليها الماء اهتزت وربت، إن الذي أحياها لمحيي الموتى، يحيي الله هذه الأرض بعد موتها، بعد أن لم يكن فيها شجرة ولا ورقة حشيش، إذا هي خضراء تهتز بهذا الماء الذي أنزل الله عليها قال تعالى : (( كذلك الخروج ))، كذلك الخروج، أي مثل هذا الإحياء للأرض يكون خروج الناس من قبورهم، فالقادر على إحياء الأرض بعد موتها قادر على أن يحيي الناس من قبورهم، بل إنه جاء في الحديث أن ( الله تعالى يمطر الأرض، إذا مات الناس يمطرها مطرا أربعين يوما كمني الرجال فينفذ هذا المطر إلى قاع القبور فتببت الأجساد منه، تنبت الأجساد، فإذا استكملت الأجساد نامية أمر إسرافيل فنفخ في الصور فخرجت كل نفس إلى بدنها الذي كانت تعمره في الدنيا، لا تخطؤه ) ، على كثرة الأرواح لن تضل روح عن جسدها، فتدخل الأرواح في أجسادها، ثم تنشق الأرض عنهم سراعا أحياء، يخرجون من الأرض أحياء كما يخرج الجنين من بطن أمه حيا، سبحان الله (( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ ))، (( يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ )) وقد وصفهم الله بأنهم الفراش المبثوث، وكالجراد المنتشر، أمم لا يحصيها إلا الله تخرج من قبورها، وربما يكون قبر الإنسان الآن تحته قبور أخرى، من يحصي القبور منذ كانت الدنيا؟ منذ خلق آدم من يحصيها؟ عالم لا يحصيها إلا ربها عز وجل، يخرجون كأنهم جراد منتشر، كالفراش المبثوث، ومع ذلك يخرجون سراعا فإذا هم قيام ينظرون يقول المجرمون : (( يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا )) يعني من قبورنا، يا ويلنا، لأنهم يشاهدون يوما كان على الكافرين عسيرا، فيقول عز وجل هنا : (( كذلك الخروج )) أي مثل إخراجنا، أو مثل إحيائنا هذه الأرض بعد موتها يكون الخروج، البعث بعد الموت، وفي هذا دليل على أن القرآن الكريم يهدي الناس عن طريق القياس، يهدي الناس عن طريق القياس، كيف ذلك في الآية يعني قيسوا إحياء الأموات بعد موتهم على إيش يا إخواني؟ قيسوا إحياء الناس بعد الموت على إحياء الأرض بعد موتها، وأنتم الآن تشاهدون الأرض يابسة قاحلة ليس فيها شجرة ولا ورقة يحييها الله عز وجل بعد موتها، قيسوا الغائب المنتظر على الحاضر المنظور، لأن العقل يقيس، يقيس ما غاب على ما شاهد، ففي هذا أكبر دليل على استعمال القياس، وعلى استعمال الأدلة العقلية في إقناع الخصم، لأن الخصم قد لا يقتنع بالأدلة الشرعية، قد لا يقتنع بالقرآن ولا بالسنة، يحتاج إلى دليل عقلي، ثم بعد ما يوقن عن طريق العقل يسهل عليه أن يوقن عن طريق الشرع، لأننا الآن نخاطب من ليس بمؤمن، أما المؤمن فبمجرد ما يقال له هذا قول الله ورسوله، يقول إيش؟ سمعنا وأطعنا، (( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا )) لكن يأتي إنسان غير مؤمن أو عنده شك ضعف إيمان يحتاج إلى تقوية لابد أن نأتي بأدلة عقلية حتى يقتنع، ولا مانع أن نأتي بذلك، ربما يقول بعض الناس إذا كان هذا لا يقتنع بالكتاب والسنة فلا علينا منه، هذا غير صحيح، إذا لم يقتنع بالكتاب والسنة ايت له بدليل عقلي، اجعله يقتنع لأنك أنت تداوي، تداوي العقول فإذا كنت تداوي العقول استعمل كل دواء يمكن أن يحصل فيه الشفاء، سواء من القرآن أو السنة أو العقل، وإهدار العقول خلاف المعقول، العقول تحتاج إلى إقناع، ورأيتم ربنا عز وجل كيف يقنع هؤلاء الذين ينكرون البعث كيف يقنعهم بقياس الغائب المنتظر على الحاضر المنظور، ولا حرج علينا إذا رأينا شخصا لم يقتنع بالكتاب والسنة أن نقول تفضل نجادلك بالعقل، ولا يعد ذلك خروجا عن طريق المؤمنين والسلف الصالح، بل هذا من طريقة القرآن، بل من طريقة السنة أيضا، ألم تسمعوا أن رجلا أعرابيا جاء إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقال يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلاما أسود، والرجل وامرأته أبيضان، قال امرأتي ولدت غلاما أسود، يعني يعرض بإيش؟ يعرض بزناها، من أين جاء الأسود وأنا أبيض والمرأة بيضاء؟ فاستعمل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استعمل معه دليلا عقليا، لم يقل له إن الله على كل شيء قدير، أعرابي يحتاج إلى إقناع عقلي، لو قال إن الله على كل شيء قدير وهو مؤمن، آمن ومشى، لكنه أعرابي يحتاج إلى إقناع بشيء محسوس، فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( هل لك من إبل؟ قال نعم عندي إبل، قال ما ألوانها؟ قال ألوانها حمر، حمر جمع إيش؟ جمع حمراء، قال هل فيها من أورق؟ قال نعم، والأورق ) قال العلماء الذي كان لونه بين البياض والسواد مثل الورق أي مثل الفضة، ما هي بيضاء خالصة ولا سوداء، قال : ( أورق، قال من أين أتاها؟ هي حمر فحولها حمر ونوقها حمر، من أين أتاها؟ قال يا رسول الله لعله نزعه عرق،كيف لعله نزعه عرق؟ )، يعني ربما يكون أجداده أو جداته على هذا الوصف أو على هذا اللون، لعله نزعه عرق، قال : ( ابنك هذا لعله نزعه عرق )، ابنك هذا لعله نزعه عرق، صحيح هذا ولا غير صحيح؟ يمكن في أجداده من جهة أبيه أو في جداته من جهة أمه أو من جهة أمه ربما فيهم رجل أسود فنزعه هذا العرق، هل سكت الأعرابي أو جادل؟ نعم؟ سكت، اقتنع اقتناعا تاما، لكن لو قال : الله على كل شيء قدير، يجعل من الأبيض أسود ومن الأسود أبيض، يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي، على كل حال المؤمن إذا اقتنع بذلك، لكن الأعراب اقتناعهم بالشيء الذي يدركونه بحسهم أكثر من الشيء الذي يدركونه بعقولهم أو بدينهم، فالمهم، أنه لا مانع إذا رأيت من شخص ضعفا في قبول الشرع من الكتاب والسنة فلا مانع أن تقنعه بشيء من أدلة الحس أو أدلة العقل، لأن المقصود الوصول إلى الاقتناع، نسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعا من المؤمنين به وبملائكته وكتيه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، ونختم بقية اللقاء في استعراض بعض الأسئلة التي قدمت إلى الشيخ محمود بن عبد العزيز الصايغ .