تفسير قوله الله تعالى:(( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ )). حفظ
الشيخ : قال الله تعالى : (( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ )). هذه الآية ب الآيات فيها فائدتان، الفائدة الأولى : تسلية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأن تكذيبه ليس ببدع من الخلق، فالخلق من قبل الأمة التي بعث فيها الرسول كذبوا رسلهم، والفائدة الثانية : تهديد هؤلاء المكذبين للرسول عليه الصلاة والسلام أن يصيبهم ما أصاب الأمم من قبلهم، فهنا يقول الله عز وجل : (( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ )) فمن نوح؟ نوح أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض، وكان الناس من قبل على دين آدم، وآدم نبي وليس برسول، لأن الناس لم يختلفوا حتى يرسل إليهم رسول يحكم بينهم، كان الناس على هذه الملة عشرة قرون كما يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما، فاختلفوا لأنهم كثروا ونموا وتنازعوا واختلفوا، فاختلفوا فاحتاجوا إلى الرسل، أرسل الله إليهم الرسل، وأول من أرسل نوح، أرسله إلى قومه، ولبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، يدعوهم إلى الله ولا يزيدهم ذلك إلا طغيانا، (( وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ )) إلى آخره، وأنزل الله في قصة نوح سورة كاملة، لأنه أول رسول وأول من كذب، بقي فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، وتوعدهم ولكن لا ينفع شيء، هذا الوعيد شيئا، وأوحى الله تعالى أن يصنع سفينة، سفينة عظيمة تحسبا لما سيقع، فجعل يصنع هذه السفينة، وكلما مر به ملأ من قومه سخروا منه فقال لهم : (( إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ )) ولم يؤمن معه إلا قليل، إلا قليل من قومه، وكفر به من قومه أحد أبنائه، أحد أبنائه كفر به، ابنه الذي هو من صلبه يكفر به، وسبحان الله ما أعظم، ما أعظم قدرة الله، نبي كفر به ابنه، ونبي آخر كفر به أبوه، من الذي كفر به أبوه؟ إبراهيم، (( يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي )) كفر به قومه، وما آمن معه إلا قليل مع أنه بقي ألف سنة إلا خمسين عاما، ونحن مساكين إذا دعا الرجل أناسا لمدة يومين فلم يستجيبوا له يمل ويكل ويترك الدعوة، ولكن الرسل لهم صبر لا يماثله صبر، (( فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ))، ونوح من أولي العزم ، النتيجة أهلكهم الله، أهلكهم الله عز وجل، بماذا؟ استمع؟ قال الله تعالى : (( فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ )) الماء النازل من السماء والنابع من الأرض (( عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ )) في قراءة أخرى (( ففتّحنا أبواب السماء ))، فتّحنا، والتضعيف يدل على الكثرة، يعني جعلت السماء كأفواه القرب تصب المياه، وجعلت الأرض تجيش بالمياه، انتبه لم يقل الله فجرنا عيون الأرض، بل قال (( فجرنا الأرض عيونا )) كأن الأرض كلها صارت عيونا، وقد بين الله تعالى أن التنور الذي هو مكان النار الحارة اليابسة فار، فار التنور، فوصل الماء إلى قمم الجبال، وكانت امرأة من هؤلاء الكافرين معها صبي كلما ارتفع الماء صعدت على جبل حولها، كلما ارتفع صعدت الجبل، كلما ارتفع صعدت الجبل، حتى وصلت إلى قمة الجبل، ولما وصلت إلى قمة الجبل وصلها الماء، حتى ألجمها فرفعت صبيها فوق، من أجل أن تغرق هي قبل الصبي، وفي الحديث : ( لو كان الله راحما أحدا لرحم أم الصبي ) لكن إذا نزل العذاب لا ينفع الإيمان، إذا نزل العذاب حلت الحكمة محل الرحمة، حلت الحكمة، حكمة من؟ حكمة الله عز وجل محل الرحمة، ولهذا لما غرق فرعون وأدركه الغرق قال : (( آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ))، شوف يا أخي كمال الذل، انظر إلى كمال الذل، ما قال آمنت بالله، آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل، فجعل نفسه تبعا لمن؟ لبني إسرائيل، الذي كان يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم، أصبح الآن ذيلا لهم ولكن ما نفعه، قيل له :(( آلْآنَ )) يعني تؤمن، (( وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ))، المهم أن نوح هذه خلاصة رسالته، وهنا نقطة، أننا نجد في بعض الشجر التي ترسم أسماء الأنبياء، شجرة لرسم أسماء الأنبياء، يجعلون إدريس قبل نوح وهذا غلط عظيم، إدريس ليس قبل نوح، إدريس من بني إسرائيل، لأن الله يذكر قصته مع قصة أنبياء بني إسرائيل، ولا يمكن أن نقول إنه قبل نوح والله عز وجل يقول : (( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده )) ويقول جل وعلا : (( ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة )) ما في أحد قبل نوح أبدا، ما في رسول قبل نوح، وفي الحديث الصحيح، حديث الشفاعة، أن الناس يأتون إلى نوح يوم القيامة ليشفع لهم فيقولون أنت أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض، فالمسألة بينة واضحة، ونكتفي بهذا القدر على قصص الأنبياء حتى نكملها إن شاء الله في جلسات قادمة .