الكلام عن قصص القرآن. حفظ
الشيخ : غير قص القرآن ما جاءت به السنة فهو مثل القرآن من حيث الصدق إذا صح عن النبي عليه الصلاة والسلام، وكذلك أنه أحسن قصص الخلق وأنفع قصص الخلق، فما قصه النبي صلى الله عيه وسلم علينا من أخبار بني إسرائيل فهو حق وصدق وفيه عبرة وفيه منفعة وقد قص النبي عليه الصلاة والسلام على أمته أشياء كثيرا، لكننا الآن نتكلم عن إيش ؟ عن علوم القرآن نعم .
الطالب : وهي ثلاث أقسام : قسم عن الأنبياء والرسل وما جرى له مع المؤمنين بهم والكافرين، وقسم عن أفراد وطوائف جرى لهم ما فيه عبرة فنقله الله تعالى عنهم، كقصة مريم ولقمان، والذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها وذي القرنين وقارون وأصحاب الكهف، وأصحاب الفيل، وأصحاب الأخدود وغير ذلك، وقسم عن حوادث وأقوام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كقصة غزوة بدر وأحد والأحزاب وبني قريظة وبني النضير وزيد بن حارثة وأبي لهب وغير ذلك .
الشيخ : هذه أقسام ثلاثة في قصص القرآن الأول : عن الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وما جرى لهم مع المؤمنين بهم والكافرين، وفي هذا يقول الله تعالى : (( أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ )) ولهذا أن المصدر الوثيق عن أخبار الأمم هو ما جاء عن الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، وفي هذا عبرة في هذه القصص عبرة عظيمة، عبرة للمؤمنين، وعبرة للمكذبين.
ثانيا : عن أفراد وطوائف جرى لهم ما فيه عبرة فنقله الله تعالى عنهم، كقصة مريم، وقصتها مبسوطة في سورة مريم وفيها عبر كثيرة، من أهمها قوله : (( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا )) امرأة نفساء، والمرأة النفساء في العادة ضعيفة، يقال : (( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ )) لا برأسها والهز بالجذع صعب، الرأس يتحرك أكثر لكن الجذع صعب (( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا )) يسقط عليك من فوق رطب، طري ثري (( جَنِيًّا )) يعني لا ينتقص إذا سقط على الأرض بل كالذي جناه الإنسان برفق، أليس هذا من آيات الله ؟! عبرة من آيات الله عز وجل، يعتبر بها الإنسان على قدرة الله تبارك وتعالى، قصة لقمان أيضا مع ابنه وهو يعظه، قصة عظيمة فيها فوائد، من أهمها (( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ )) كلها حكم ، كذلك قصة الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، هامدة يابسة فقال : (( أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا )) يعني كيف يحي الله هذه القرية بعد أن ماتت ؟ فأراه الله ذلك (( فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ )) مائة عام مائة سنة، (( ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ )) وهي مائة سنة لأن الوقت يمر إذا لم تكون الروح في الجسم حالت حلول تام، ذهب الوقت وأنت لا تشعر، ولهذا نجد النائم تمضي عليه الساعتان والثلاث وكأنها دقيقة واحدة والمغمى عليه أشد وكذلك الغائب بالبنج يمضي عليه الوقت ما علم، الميت كذلك من باب أولى (( قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ )) لأن الله أماته في أول النهار وأحياه في آخر النهار فقال : إما يوم إن كان هذا اليوم الثاني من موته أو بعض يوم، قال الله له : (( بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ )) سبحان الله، مائة عام ولم يتغير الرجل مازاد شعره ولا حصل له نمو ولا تغير ولا انتفاخ ثم قال الله له : (( فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ )) أي لم يتغير، الطعام والشراب ما تغير لا باللون ولا بالريح ولا بيبوسة ما تغير، وهذا من آيات الله عز وجل، شراب يكون في الشمس والهواء والليل والنهار ولم يتغير ولم يُسلط عليه سبع يشرب منه باقي كما هو سبحان الله، والطعام كذلك لم يتغير وقد قيل أنه عنب وقيل غير ذلك، ولكن لا يهمنا المهم حتى وإن كان عنبا أو خبزا كيف لم يتغير، (( وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ )) نظر إلى عظامه وإذا هي تلوح، الحمار متغير والطعام والشراب لم يتغير سبحان الله لأن الحجة في الحمار، فكون الطعام لم يتغير والشراب هذا فيه قدرة على إبقاء الأمور كما كانت، وقضية الحمار فيه دليل على قدرة الله تعالى على إنشاء الأمور بعد اضمحلالها، الله أكبر، الحمار نظر إلى عظامه تلوح، فقال الله له : (( انظر إلى العظام كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا )) فنظر إلى العظام يركب بعضه بعض وتشبك بالعصب تنشز بالعصب ثم تكسى اللحم ثم قام الحمار، الله أكبر، سبحان الله (( كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) هذه القصة يعني مما يحي القلب ويعرف به قدرة الله سبحانه وتعالى، كذلك أيضا ذي القرنين، ذو القرنين أعطاه الله تعالى ملكا عظيما بلغ مشارق الأرض ومغاربها، وقصته مشهورة ومن أعظم ما فيها من العبر أنه أتى على قوم لا يكادون أن يفقهون قول، يعني لا يكادون يَفقهون هم بأنفسهم ولا يُفقهون أيضا، إن كلمهم إنسان ما فقهوا، وهم أيضا إذا تكلموا لا يُفقهون، فقالوا له : (( إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا )) يعني نعطيك دراهم (( عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا )) مع أنه ملك عظيم، ظنوا أنه يأخذ رشوة (( قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ )) يعني خير مما تعطونني (( فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا )) والردم أبلغ من السد يعني ما يستطيعون في الردم، السد ربما يحاولون زحزحته (( آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ )) فزبروا له الحديد وأحمى عليه في النار (( حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا )) نحاسا، فأفرغ عليه نحاسا ذائبا فتلاصق الحديد بعضه ببعض بالنحاس، من يستطيع يفكه نعم (( فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ )) لأنه أملس (( وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ من ربي )) هذه من القصص القريبة، كذلك أيضا قارون، قارون رجل غني من قوم موسى ولكنه كفر به وفخر واستعلى بما أعطاه الله من المال، وبغى على قومه وأتاه الله من الكنوز ما مفاتحه تنوء بالعصبة، أي : ما يستطيعون حملها، المفاتح، كيف عاد الخزائن وما فيها فقال الله عز وجل حين طغى هذا الرجل : (( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ )) كله انهار (( فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ )).، كذلك أيضا أصحاب الكهف، أصحاب الكهف قصتهم عجيبة، سبعة ومعهم كلب خرجوا من قومهم لأنهم كانوا يشركون بالله، وهؤلاء مخلصون لله، موحدون له، خرجوا مهاجرين إلى الله وما أحد قصد الله فخاب أبدا، آواهم الله عز وجل هيأ لهم كهفا غارا واسعا وجهه إلى الشمال الشرقي ما تأتيه الشمس لا إذا غربت ولا إذا أشرقت (( وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ )) شيء يسير عند الغروب، بقوا في الغار نائمين ما هم ميتين، نوم والنائم إذا طال نومه مل وجاع وعطش لكن هؤلاء ما فعلوا إلا أن الله يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال، لئلا تفسد أجسامهم، الكلب (( بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ )) ما كأن شيء جرى وربط الله به ما تعداه وبقوا ثلاث مائة سنة وتسع سنوات، حتى أخلف الله سبحانه وتعالى عن الملك الأول المشرك بملك صالح بقوا في هذا الكهف هذه المدة يقلبهم الله عز وجل ذات اليمين وذات الشمال ولم يقل يتقلبون لماذا ؟ لأن فعل النائم لا ينسب إليه، فقد رفع عنه القلم (( وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ )) بعثهم الله تنازعوا (( كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ )) وهم بقوا ثلاث مائة سنة وتسع سنوات، لأنهم ناموا أول النهار واستيقظوا آخر النهار فظنوا أنهم في يوم واحد أو يومين (( لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ )) وطلبوا أن يبعث واحد منهم بورقهم بالدراهم إلى المدينة يشتري طعاماً ولما ذهب إلى المدينة ورأوا السكة السكة قديمة لها ثلاث مائة سنة، ولعلها والله أعلم عليها صورة الملك القديم، فتعجبوا منهم، هذه القصة فيها عبر عظيمة وإن شاء الله تعالى أن نعطي كل واحد منكم قصة من هذه القصص يتأملها ويقدم ما فيها من الفوائد والعبر، طيب فيه أيضا أصحاب الفيل أصحاب الفيل قوم جاءوا ليهدموا الكعبة وذلك أن ملك اليمن وضع عنده كعبة تضاهي الكعبة التي في مكة من أجل أن الناس يحجون إليها فجاء أحد العرب إلى هذه الكعبة، وتغوط فيه، ليش ؟ إهانة لها، فغضب الملك وبعث إلى مكة جندا عظيما يتقدمهم فيل عظيم يريد أن يهدم الكعبة، فلما وصل إلى مكان يسمى المغمس قريب من ريع الحجم أبا الفيل أن يتقدم إذا وجهوه إلى مكة وقف وإذا وجهوه إلى اليمن هرول بإذن الله عز وجل، ولهذا لما بركت ناقة الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديبية لما بركت وأراد منها أن تقوم أبت، فقال الصحابة : ( خلئت القصوة )، خلئت يعني : حرنت قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( والله ما حرنت القصواء وما ذاك لها بخلق )، دفع الظلم حتى عن البهائم واجب، لأنهم ظلموها لما قالوا : خلئت فقال : ما خلئت فعلا وأيضا ليس هذا لها بخلق، ناقة مطواع ( ولكن حبسها حابس الفيل )، ثم قال : ( والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أجبتهم عليها ) وهذا هو الذي جعله عليه الصلاة والسلام يخضع للشروط التي تعرفونها، حتى لما قال : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، قالوا ما نعرف الرحمن ولا الرحيم اكتب باسمك اللهم إلى هذا التعنت، قال : ( اكتب باسمك اللهم )، لما قال هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، قال : اصبر لا تكتب محمد رسول الله لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك ولا صددناك، لكن اكتب محمد بن عبد الله، فقال : ( اكتب محمد بن عبد الله )، ثم ذكر بقيت الشروط التي حصل بها معارضة من كبار الصحابة.، طيب، المهم أصحاب الفيل ما الذي حصل لهم ؟ (( أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ )) قال العلماء : " أبابيل يعني : جماعات متفرقة كثيرة معها حجارة من سجيل "، هذه الحجارة تضرب الواحد من رأسه وتخرج من دبره (( فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ )) العصف : الزرع الذي أكلته الإبل أو البقر ووطئته بأقدامها، والفيل كما قلت لكم حبسه الله في مكان يقال له المغمس، كما قال الشاعر الجاهلي : " حبس الفيل في المغمس حتى طل يحكو كأنه ... " ، وليس في وادي محسر كما زعمه بعض العلماء، وإنما أسرع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في وادي محسر لوجهين : الوجه الأول : أن الوادي دعس يعني : فيه رمل مع التراب وهذا يجعل الإبل ... في المشي فأسرع، والثاني : أن أهل الجاهلية كانوا يقفون في هذا الوادي ويذكرون أمجادهم وأمجاد آباءهم، فأراد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يخالفهم فهم ينزلون والرسول يسرع، قال : وأصحاب الأخدود .