الذين يجب عليهم تحمل المسئولية في إنكار هذا المنكر. حفظ
الشيخ : إن بعض الناس حتى الكبار كما سمعنا يحضرون في هذه الاستراحات، وفي هذه الأحواش إلى وقت متأخر من الليل، وربما يأتون إليها من قبل الغروب فينسون أهليهم وينسون أبناءهم وبناتهم، يأتي الإنسان في آخر الليل، وقد انهمك جسمه من التعب والسهر وينام، والله أعلم هل يصلي الفجر أو لا يصلي !؟ ولا يرى أهله، ولا يجلس معهم في عشاء ولا في غداء، وكأنه في وادٍ وهم في واد، أين المسئولية ؟ إن أي إنسان يضيع حق الله في أولاده فسيضيعون حق الله فيه، سوف يبتلى بعقوقهم وكراهيتهم له حتى كأنه ليس أباً لهم، لذلك أنصح أولاً الشباب عن الانهماك في هذه الأحواش وفي هذه الاستراحات على وجهٍ لا يرضي الله ورسوله، ثانياً : أحمل المسئولية أولياءهم أمام الله ثم أمام مجتمعهم، أحمل المسئولية لآبائهم الذين استرعاهم الله عز وجل عليهم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكَّل كل إنسان على أهله، وكَّله. أنت راع بوكالة من ؟ أجيبوا يا إخوان ؟ بوكالة الرسول عليه الصلاة والسلام : ( الرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته ) هل يمكن أن تنفك عن هذه الوكالة التي ألزمك بها رسول الله ؟ لا يمكن، إذاً : قم بالوكالة على الوجه المطلوب وإلا فستسأل : (( وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ )) أين جوابك يوم القيامة إذا لقيت الله عز وجل ؟ ثالثاً : أحمل المسئولية أصحاب هذه الأحواش وأصحاب هذه الاستراحات، إذا أتاهم من يعلمون أو يغلب على ظنهم أنه سوف يكون فيها على الوجه الذي لا يرضاه الله ورسوله فليعلم أنه يأكل أجرتها سحتاً محرماً عليه، وما أعظم أن يكون معيناً على الإثم والعدوان، هذه الأجرة التي يأخذها سحت حرام، لأن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، ثم إذا أكل هذا ما الذي يترتب عليه ؟ جاء في الحديث : ( كل بدن أو جسم نبت من سحت فالنار أولى به ) هذه واحدة، أيضاً الذي يأكل الحرام يبعد أن تجاب دعوته، والعياذ بالله، حتى لو دعا في أكبر الأسباب التي تستجاب بها الدعوة فإن إجابته بعيدة، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ )) وقال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ )) ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا ربِ. يا ربِ. ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك ؟! ) بعيد أن يستجاب له، مع أن الرجل فعل من أسباب إجابة الدعاء ما فعل، ما الذي فعل من أسباب إجابة الدعاء؟ أولاً : السفر، ثانياً : أنه أشعث أغبر، ثالثاً : أنه يمد يديه، رابعاً : أنه يستنجد بالله، ويتوسل بربوبيته : يا رب. يا رب، ولكن مطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فلا يستجاب له، أتريد أيها المؤمن أتريد أن تدعو الله ولا يستجيب لك ؟ لا أحد يريد هذا، لكن إذا كان مأكلك حراماً، ومشربك حراماً، وغذيت بالحرام فالإجابة أعني : إجابة الدعاء بعيدة منك نسأل الله العافية، رابعاً : أحمل بقية الناس الذين يعلمون ما يحصل في هذه الأحواش أو في هذه الاستراحات، أحملهم أن يقوموا بما أوجب الله عليهم من النصيحة، ينصحون إخوانهم، أرأيت لو أن ناراً استعرت وأقبل الناس إليها، أليس من النصيحة أن تحذرهم منها ؟ أجيبوا ؟ بلى، من حق إخوانك عليك أن تنصحهم وتحذرهم، تكف النار عنهم أو تكفهم عن النار، فالواجب على من علم عن أخيه أن له استراحةً أو أن له حوشاً يجتمع فيه الناس على معصية الله، الواجب أن ينصحه ويحذره من عذاب الله، يقول : يا أخي الدنيا ما هي باقية، لا تدري متى تلاقي ربك، قد تصبح ولا تدرك المساء، وقد تمسي ولا تدرك الصباح، اتق الله، ثم اذكر أنك متى اتقيت الله جعل لك من أمرك يسراً، متى اتقيت الله رزقك من حيث لا تحتسب، متى اتقيت الله، جعل لك مخرجاً من كل ضيق، وانصحه فلعل الله يهديه، وإذا هداه الله على يديك اكتسبت خيراً كثيراً، ثم إذا قُدِّر أنه ليس في الإنسان إقدام على النصيحة إما لعجزه، أو خجله أو خوفه ممن يوجه النصيحة إليه، فعليه أن يبلغ من يستطيع نصحه ومنعه، لأن سكوتنا عن شيء نشاهده بأعيننا أو نسمعه بآذاننا وهو محرم دون نصح أو محاولة للإصلاح خطأ عظيم، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن للمؤمن ) إيش ؟ ( كالبنيان ) وشبك بين أصابعه وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) أنت وأخوك شيء واحد، إذا انحرف واحد من الشباب فيعني ذلك أنه نقص، نقص هذا الواحد، أو نقص قوة تماسكه وسلامته ؟ الأمرين، نقص هذا المنحرف خسارة، أيضاً يعتبر هذا النقص الذي حصل للمجتمع خللاً في الجميع، ومن أمثلة العامة يقولون : إن البئر إذا سقط منه حصاة فالبئر كله خراب، لأنه يختل كل البناء، والرسول عليه الصلاة والسلام بين أن المجتمع الإسلامي كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وأما السكوت على الباطل فلا، فإن قال قائل : أرأيت لو أن الإخوة أو الأقارب اجتمعوا في واحد من هذه الأحواش أو في الاستراحة للتآلف والتعارف، وإلقاء أطراف الحديث لتزول الوحشة لكن من غير شيء محرم، فهل هذا جائز ؟ الجواب : جائز، لكن ليكن بقدر معلوم، لا يمضوا أكثر الليل في هذا المكان، لأنه مهما كان الأمر إذا أمضوا أكثر الليل في هذا المكان فسوف ينفد ما عندهم من الكلام النافع، ويبقى الكلام اللغو أو المحرم، فليكن هذا بقدر بحيث إذا حصلت الفائدة انفضوا، ونحن لا يمكن أن نحجر على عباد الله ونقول : لا تفرحوا، لا تستأنسوا، لا تجتمعوا، غير ممكن، الصحابة لما قال لهم الرسول عليه الصلاة والسلام : ( إياكم والجلوس على الطرقات ! قالوا : يا رسول الله. هذه مجالسنا مالنا منها بد ) أقرهم على ذلك لكن ( قال : أعطوا الطريق حقه )، نحن لا نقول : لا تجتمعوا في هذا ! ولو قلنا هذا ما أطاعنا الناس، ولا نقوله أيضاً لكن نقول : ليكن جلوسكم على خير، تآلف، تعارف، تجاذب أطراف الحديث النافع، هذا طيب، هناك قسم ثالث يجتمعون على كتاب الله، وعلى ذكر الله، وعلى التناقش في مسائل العلم، وهذا لا شك أنه في قمة المجالس، لأنه ما اجتمع قوم على ذكرٍ إلا كان ذلك خيراً لهم، وهذا يعتبر في قمة المجالس، فتبين الآن أن الجلوس في هذه الأماكن ينقسم إلى كم ؟ ينقسم إلى ثلاثة أقسام : قسم خير محض، قسم شر محض، قسم لغو لكن قد يكون خيراً وقد يكون شراً حسب ما يؤدي إليه.
ولنقتصر على هذا القدر من الكلام، ونسأل الله تعالى أن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يجمع كلمتنا على الحق، وأن يجعلنا من الهداة المهتدين والقادة المصلحين .