متطلبات الإمامة في الدين . حفظ
الشيخ : أما الجملة الثلاثة وهي : (( وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً )) هذه تتطلب أشياء : أولاً : العلم، تتطلب أن الإنسان يسأل الله أن يكون عالماً، ليش ؟ يقول : (( لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً )) متى يكون إماماً في التقوى ؟ إذا كان عالماً بما يتقي، فإذاً هذه الجملة تتضمن أنك تسأل الله أن تكون طالب علم، لأن من لازم التقوى أن يكون عالماً بما يتقي، تتضمن أيضاً : أن يكون الإنسان عاملاً بما علم، عالما لأن الإنسان لا يكون إماماً إلا إذا كان قدوةً صالحة، ولذلك تجد العلماء يقتدون بأسلافهم يقتدون بأئمة المسلمين كالإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وإخوانه من الأئمة، لأنهم علموا وعملوا، ولو جاء رجل عالم فصيح بليغ وتكلم ولكن الناس لا يعرفون منه عملاً فإن قبولهم إياه سيكون ضعيفاً، إذاً : أنت تسأل الله بقولك : (( اجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً )) أن يرزقك عملاً بما علمت، الأمر الثالث : مما يدخل في هذه الجملة : (( اجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً )) أن تسأل الله أن تكون لك حجة قوية، حجة قوية، لأن الإنسان إذا لم يكن عنده حجة قوية يمكن يصلح بنفسه لكن لا يستطيع أن يصلح غيره، لأن كل إنسان يناظره يمكن أن يغلبه وينهزم أمامه، وحينئذٍ لا يكون إماماً للمتقين، فأنت بهذا تسأل الله أن يجعل لديك بلاغةً وفصاحةً وإقناعاً، والناس يختلفون، كم من إنسان واسع العلم، لكن ما يستطيع أن يقنع، وكم من إنسان أقلَّ ولكن يستطيع أن يقنع غيره، كذلك أيضا : تتضمن هذه الجملة : حسن الأخلاق، وما أعظم حسن الأخلاق وما أقله في كثيرٍ من الناس، الإنسان لا يمكن أن يكون محبوباً ولا مقبولاً إلا إذا وفِّق لذلك بكونه محباً لله فيحبه الله عز وجل ويتبع سبيل المؤمنين، ومن أهم شيء في ذلك أن يكون حسن الأخلاق، يتحمل ويصبر على أذى الناس، ويعلم أن الدنيا لم تفرش وروداً له، ويعلم أنه كلما نجح في أمره فإنه سوف يحاول عدوه الذي ليس على منهجه، أن يعرقل سعيه، وكلما كثر تأثيره ظهر له أضداد، ولا بد، وإن شئتم فتابعوا سيرة النبي عليه الصلاة والسلام، هل ظهر له أضداد ؟ نعم، ظهر له أضداد وأرادوا أن يقتلوه : (( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ))كم هذه ؟ ثلاثة : (( لِيُثْبِتُوكَ )) الحبس، (( أَوْ يَقْتُلُوكَ )) الإعدام، (( أَوْ يُخْرِجُوكَ )) الطرد، كل هذا أرادوا ولكنهم (( يَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ )) إن النبي صلى الله عليه وسلم أوذي لقد كان ساجداً لله تحت بيت الله، آمن ما يكون في أرض الله وتوضع سلى الناقة على ظهره وهو ساجد، وهو صابر محتسب، ذهب إلى أهل الطائف وماذا فعلوا به ؟ اصطفوا صفين من سفهائهم، وخدمهم، وعبيدهم، وكل واحد معه حجر، وجعلوا يرمون النبي صلى الله عليه وسلم حتى أدموا عقِبه، ولم يفق، فرَّ على وجهه، ولم يفق إلا في قرن الثعالب عليه الصلاة والسلام، من يتحمل هذا ؟ وأعظم من ذلك أنه جاءه ملك الجبال، واستأذنه أن يطبق الأخشبين عليهم ولكن قال : لا عليه الصلاة والسلام قال : ( أستأني بهم ) أؤخر عقوبتهم، ( لعلَّ الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ) شوف بعد النظر، قوم حاربوه، أخرجوه من مكة وطردوه من الطائف، ومع ذلك يقول : ( أستأني بهم لعلَّ الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ) وكان الأمر متوقع أو لا ؟ كان الأمر متوقع، أخرج الله تعالى من أصلابهم من عبد الله وكان إماماً في دين الله، وكان من الفرسان في دين الله عز وجل، فحسن الخلق يجعل الإنسان إماماً للمتقين هو من أسباب ذلك من أسباب أن يكون الإنسان إماما أن يكون حسن الخلق، فعليك يا أخي بحسن الخلق، واصبر واحتسب، واجعل هذه الآية الكريمة اجعلها أمامك إماماً لك، أقرأها عليكم. وهي : (( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ )) يا لها من آية، والله لو سرنا عليها لسلمنا من قلق كثير : (( خُذِ الْعَفْوَ )) ما معنى العفو ؟ يعني ما عفا من أخلاق الناس، وما يعاملك به، واترك ما وراء ذلك، لا تريد من الناس أن يعاملوك بما تريد أبداً إلا أن يشاء الله، ثانياً : (( وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ )) لا تصمت، أمر بالعرف، وإذا أصابك شيء فاصبر واحتسب، (( أَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ )) ستجد جاهلاً يشتمك، يغتابك، ربما يضربك، يقول الله عز وجل : (( أَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ )) وكن كما قال النبي عليه الصلاة والسلام حين أدميت أصبعه قال : ( هل أنت إلا أصبع دميت، وفي سبيل الله ما لقيت )، واعلم يا أخي أن ما أصابك في دين الله فهو رفعة لك وخير وأجر، وتذكر أنه لن ينفعك حينما تكون ممدوداً على نعشك إلا هذا وأمثاله، لن ينفعك حينما تنفرد في قبرك إلا هذا وأمثاله، لن ينفعك حين تقوم لرب العالمين حافياً عارياً أغرل إلا هذا، هذا هو الذي ينفعك حقيقة، وما سوى ذلك من مُتع الدنيا فهو زائل : (( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا )) فأنت يا أخي عندما تقوم تصلي تجد عراكاً مع نفسك، مصارعة، نفسك تقول : عجل، عجل، عجل، لكن لا تطعها، قل : أنا أعلم أني لا أنتفع من دنياي إلا في هذه اللحظة وبهذا العمل، وإذا شعرت هذا الشعور وأنك لن تنتفع من حياتك إلا بهذا وأمثاله، هل تفر منه فرارك من الأسد أو تطمئن ؟ أجيبوا يا جماعة ؟ تطمئن، يا أخي فكر في هذا، عندما تقول : الله أكبر تجد شيئاً في نفسك يقول :ويا الله - مشي مشي- ، قل : يا أخي، هوناً هوناً هوناً، ما لي من حياتي إلا هذا، ما ينفعني في قبري ولا عند موتي ولا يوم القيامة إلا هذا، اطمئن يا أخي، ثم اذكر وأنت في صلاتك من تناجي، من تناجي يا أخي ؟ تناجي أحب شيء إليك وهو الله عز وجل، ألم تعلم أنك إذا قلت : (( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )) قال الله تعالى من فوق سبع سماوات قال : حمدني عبدي ألم تعلم أنك إذا قلت : (( الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )) قال الله : أثنى عليَّ عبدي ألم تعلم أنك إذا قلت : (( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ )) قال : مجدني عبدي، كل هذا حق، ألم تعلم أنك إذا قلت : (( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )) قال الله : هذا بيني وبين عبدي نصفين. ألم تعلم أنك إذا قلت : (( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ )) قال الله : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل. هل تجد خيراً أكثر من هذا ؟ كيف تفر من أن تقف بين يدي من يناجيك وهو على كل شيء قدير ؟ يا أخي اعرف نفسك، اعرف نفسك، ولماذا خلقت، والله لو كنا نشعر هذا الشعور لهانت علينا العبادات، ولرخصت علينا الدنيا كلها،
"لو ساوت الدنيا جناح بعوضة *** لم يسق منها الرب ذا الكفران
لكنها والله أحقر عنده *** من ذا الجناح القاصر "
الطيران، هكذا يقول ابن القيم رحمه الله وصدق.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من دعاة الخير، وأنصار الحق، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب، وإلى ما تيسر من الأسئلة نجيب عليها، ونسأل الله أن يعصمنا من الزلل، وأن يوفقنا للصواب إنه على كل شيء قدير.