تفسير آيات من سورة الفرقان قوله تعالى: (( تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً )). حفظ
الشيخ : الحمد لله رب العالمين. وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد :
فهذا هو اللقاء التاسع والخمسون من اللقاءات الشهرية التي تتم يوم السبت ليلة الأحد الثالث من كل شهر. وهذه الليلة هي ليلة الأحد الحادي والعشرين من شهر جمادى الآخرة عام 1419هـ. أسأل الله تعالى أن ينفعني وإياكم بما علّمنا، وأن يزيدنا علماً، وأن يجعلنا من الصالحين المصلحين إنه على كل شيء قدير. في هذه الليلة سنبدأ بتفسير آخر سورة الفرقان ، من قول الله تبارك وتعالى : (( تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً )). يمتدح جل وعلا نفسه بهذه المخلوقات العظيمة ، فيقول : (( تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً )) أي : تعالى وتعاظم وحلت البركة بأسمائه وكلامه عز وجل. كما قال الله تعالى : (( وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ )) وفي دعاء الاستفتاح نقول في الصلاة : ( سبحانك اللهم وبحمدك - بعدها؟ - وتبارك اسمك ) يعني : أن البركة تنال باسمك. ولهذا يذبح رجلان ذبيحتين : أحدهما لم يسم على ذبيحته ، والثاني سمى عليها. ذبيحة الأول حرام لا بركة فيها. وذبيحة الثاني الذي سمى عليها حلال فيها البركة. فالله عز وجل متبارك متعالٍ متعاظم : البركة في أسمائه، البركة في صفاته، البركة في كلامه جل وعلا. (( الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً )) : جمع برج، وهي النجوم العالية. هذه النجوم التي نراها ونشاهدها ليلاً هي بروج يعلو بعضها بعضاً. وهي اثنا عشر برجاً. ثلاثة للصيف، وثلاثة للشتاء، وثلاثة للخريف، وثلاثة للربيع. فالجميع اثنا عشر برجاً نجوم عالية. انظر إلى هذه النجوم كيف تراها بهذا الكبر وبينك وبينها من المسافات العظيمة ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، أو من أطلعه الله عليه. (( وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً )) السراج : الشمس، والقمر المنير: القمر. والأم هي الشمس ، لأن نور القمر مستفاد من نور الشمس. ولهذا إذا دنا منها ضعف نوره. إذا دنا القمر من الشمس ضعف نوره. لماذا؟ لأنها تضعف المقابلة بينه وبين الشمس ونوره مكتسب من الشمس. فإذا قرب منها قلَّت المقابلة فقلَّ النور. وإذا ابتعد عنها وصار هو في المشرق وهي في المغرب أو بالعكس امتلأ نوراً. ولذلك تجدون القمر في ليالي الإبدار أين مكانه بالنسبة للشمس؟ يكون في أول الليل شرقاً والشمس غرباً. في آخر الليل يكون غرباً والشمس شرقاً ويمتلئ نوره ، لأنها تتم مقابلته مع الشمس. ولهذا سمى الله الشمس سراجاً والقمر نوراً. (( وقمرا منيرا )).