تفسير قوله تعالى: (( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناًَ وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً )). حفظ
الشيخ : ثم قال تعالى : (( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً )) استمع ما سيأتي في أوصاف عباد الرحمن. وتأمل كيف قال : عباد الرحمن ليشير إلى أن كونهم عبيداً لله إنما هو برحمة الله عز وجل. عباد الرحمن، ما قال: عباد الله. قال: عباد الرحمن، لتعلم أنهم لم يكونوا عباداً لله إلا إيش؟ إلا برحمة الله عز وجل. أوصافهم : (( الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً )).
فإذا قال قائل : هل الخلق كلهم عبيد لله أو العبيد لله هم العابدون له؟ الجواب : كل الخلق، كل الخلق عبيد لله. قال الله تعالى : (( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً )). كل الخلق عباد لله أرقاء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً. ولا يستطيعون أن يدفعوا ما أراد الله بهم. أعتى العتاة وأشدهم عناداً عبدٌ لله لكن بالعبودية الكونية لا بالعبودية الشرعية. ولذلك تحدى الله عز وجل الكفار فقال تعالى : (( فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ )) يعني: الروح صعدت من البدن حتى وصلت إلى الحلقوم هنا (( وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ )) ، (( أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ )) يعني: بملائكتنا ، الملائكة الذين يحضرون لقبض الروح. (( وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ )) فالذين عند الميت حال الاحتضار لا يشاهدون شيئاً. (( فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ )) يعني : كما تزعمون أنكم لن تجازوا على الأعمال ولن تبعثوا (( فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا )) ويش الجواب؟ لا يمكن أن يرجعوها. متى بلغت الروح الحلقوم لو اجتمع أهل الأرض كلهم وأهل السماء ما ردوها (( تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ )) لا يمكن. إذن سؤال: هل الخلق جميعهم كافرهم ومؤمنهم عبيد لله؟ نعم ، عبيد لله بالمعنى الكوني. لا يمكن أن يفروا من قضاء الله وقدره. لكن العبادة المفيدة عبادة الشرع. العابدون لله بشرعه - اللهم اجعلنا منهم، اللهم اجعلنا منهم، اللهم اجعلنا منهم -. (( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً )) ذكر صفاتهم الفعلية والقولية. (( يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً )) تجده يمشي لا مشية المخبول ، المجنون ، ولا مشية المتسرع ، بل مشية هينة. وليس المعنى : أنهم لا يسرعون، يسرعون في موضع الإسراع ويخفضون في موضع الخفض. لكن هوناً متواضعين لله ، متواضعين لعباد الله. (( وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ )) وأساؤوا إليهم بالقول لا يقابلونهم (( قَالُوا سَلاماً )) ما معنى (( قَالُوا سَلاماً ))؟ قد يتبادر لبعض الناس أن المعنى: أنهم يقولون: سلامٌ عليكم. ولكن المعنى أعم من ذلك ، أي: قالوا قولاً يسلمون به، يسلمون به ، إما سلام عليكم، وإما كلام لين آخر يسلمون به.